رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائي حبيب عبد الرب سروري: الحرب الروحية بين الحرية والاستعباد أبديّةٌ "1 - 2" (حوار)

جريدة الدستور

حبيب عبد الرب سروري، من أبرز كتاب السرد في الوطن العربي. من مواليد عدَن 1956 من عائلة شغوفة بالأدب، ارتبط بعلاقة حميمة بالشعر أوّلًا، ومارسهُ منذ الصغر، وأعطى حبيب اهتماما أكبر للكتابة الأدبية منذ عام 1992. بدأ بنشر كتاباته الأدبية مُنذ العام 2000 برواية "الملكة المغدورة" التي كتبها بالفرنسية، وله مؤلفات أخرى مثل "دملان وطائر الخراب
وعرق الآلهة تقرير الهدهد وابنة سوسلوف".

التقت "الدستور" الروائى اليمنى حبيب عبد الرب سروري، في حوار ينشر على جزئين، يتحدث فيه عن تجربته الروائية، وكذلك تجربتة فى علوم الذكاء الاصطناعي وتعقيدات الواقع اليمني والعربي المعاصر.. وإلى نص من الحوار:

• الأفكار الأساسية لأعمالك الروائية عديدة هل يمكن تلخصيها بكلمات قليلة؟
- ثيمات أعمالي الروائية عديدة فعلا: بعضها تمس الواقع الاجتماعي اليمني والعربي، مثل "دملان" و"طائر الخراب". بعضها استشرافية حول مستقبل البشرية القريب، مثل "حفيد سندباد". بعضها تاريخية لا تخلو من "تخييل علمي"، مثل "تقرير الهدهد"، وبعضها تدور حول ثيمة "الحياة ملك للنساء، أي ملك للموت"، مثل "أروى".

لكن أكثر من رواية، مثل "ابنة سوسلوف" المترجمة للفرنسية والإنجليزية، "عرَق الآلهة"، وأخيرا "وحي" تخوض في جوانب المسلمات الثقافية والدينية التي جمّدتْ حياتنا العربية، والحرب الروحية الضرورية التي يلزم أن نخوضها من أجل التنوير، ومقاومة أفكار الظلمات.

• يستحضر قارئ روايتك «ابنة سوسلوف» عبارة رامبو «الحرب الروحية لا تقلّ شراسة عن معارك الفرسان». ولكن أين يتعزّز هذا الصراع أكثر، في علاقة بطل الرواية عمران بمعشوقته «السلفية» أم في ذاته التائهة بين وطنٍ معشوق وعدنٍ مفقودة؟
- الحرب الروحية بين الأنوار والظلمات، بين الحرية والاستعباد، حربٌ أبديّةٌ. هي الأكثر ضراوةً دوما، كما قال رامبو. في "ابنة سوسلوف" كان هناك صراع جبهوي بين قطبين من أقطاب هذه الحرب الروحية، ينتميان إلى طرفَيها، لكنه صراعٌ ضمن علاقة غرامية وعشق كثيف، له جذورٌ عميقة في طفولة البطلين في عدَن السبعينات من القرن المنصرم، وتجلياتٌ مضطربة في يمن اليوم، بعد الربيع العربي.

كلُّ تعقيدات الواقع اليمني والعربي المعاصر، وكلُّ إشكاليات الثورات العربية اليوم، مرتبطة بنتائج هذا الصراع ذي المداليل العديدة. معادلة هذا الصراع قد تبدو سيريالية، لكنها تُلخِّص تخثُّرَ حياتنا، ونتائج ديمومة سيطرة الفكر الظلامي على العقلية العربية منذ قرون، ندفع ثمنها اليوم.


• نحن أمام قوى أيديولوجية «داعشية» مفسد.. كيف يمكن التخلص من تلك الأيدولوجية المنتشرة فى الشرق الأوسط؟
- لا حلّ غير حرب روحية معاكسة تخوضها، بفعالية جبارة جريئة وواثقةٍ من نفسها، قوى التنوير المؤمنة فقط بثالوث العقل ـ العلم ـ الإنسانية، وبضرورة فصل الدين عن أمور التعليم والسياسة والحياة المدنية.

الأدب والرواية، التعليم والجدل الاجتماعي، يلزم أن تساهم جميعها بقوة في هذه الحرب المضادة.

صعبٌ جدا بالطبع انتصارُ الأنوار في هذه الحرب، بسبب سيطرة قوى الظلمات على عصبونات دماغ العقل العربي منذ قرون، وغسلها لهذا الدماغ بفكر غيبي مظلم، جذّرَ في الإنسان العربي عقليةَ التفكير السحري، والرضوخَ أمام الاستبداد، والانصياعَ للحاكم.. النجاح في دخول عصر الحداثة مرتبط بنجاحنا في هذه الحرب.

سنكون قد انتصرنا عندما نجد في مناهجنا المدرسية مادة اسمها "تربية عقلانية" تُعلِّم الطالب كيف يفكِّر بدون مسلمات أيديولوجية أو دينية أو طائفية، كيف يمحِّص الأفكار المستلَمة من المجتمع، ينتقدها، يرفضها، كيف يفصل بين "التاريخ العلمي" كحقيقة مبرهنة، و"التاريخ الديني" كنصوص فقهية لا علاقة لها غالبا بالحقيقة التاريخية، ولا يهمها غير نشر رسالة بأي وسيلة.

• ما سرّ تميّز معظم أعمالك بتقديم سيَر روائية مزدوجة: الذات والمجتمع، إضافة إلى خلط الواقع بالتخييل والحاضر بالتاريخ...كما انك تعمل في مجال علمي دقيق يتناقض مع عملك الأدبي ككاتب... فهل أنت قادر على التوازن بين عالمين متباعدين إلى هذا الحدّ؟ وهل تحلم بالتفرّغ الكلّي للكتابة شأن الروائيين العالميين؟
- حل المسائل المعقدة الكبرى في البحث العلمي والفلسفي اليوم يتطلب ملامسةَ موضوع البحث والخوضَ فيه بوسائل متعددة، آتية من تخصصات مختلفة. وبشكل عام، لم يعد بالإمكان مواجهة إشكاليات دراسات اليوم، العلمية والاجتماعية وغيرها، ذات التعقيد العالي، إلا بدمج الخاص بالعام، الحاضر بالماضي، واستخدام نتائج الأبحاث في علوم الاجتماع، الانثروبولوجيا، الفلسفة، عصبونات الدماغ.

كذلك يفعل الأدب المعاصر غالبا: يستوعبُ نتائج الفلسفة والعلم والأبحاث التاريخية وعلم النفس..عند رؤيته للإنسان وهموم حياته، ويستضيء بها جميعا على نحو مباشر أو غير مباشر.

وشخصيا، أجد ذاتي وتوازني وازدهاري النفسي، أكثر ما أجدهم، في التنقل الزجزاجي والتماوج الدائم بين الأبعاد العلمية والأدبية، وفي متابعة جديد الفكر في مجالات متنوعة.

• كتبت القصة والمقال والرواية.. إلى أي الفنون يميل عبدالرب سروري.. وكيف يحافظ على التوازن ما بين الأجناس الأدبية المختلفة التي يكتب فيها؟
- كتبتُ الشعر في عمر مبكر، والقصة القصيرة أيضا، ثم بدأ زمن الرواية منذ 1992 بعد أن صرتُ بروفيسورا في علوم الكمبيوتر، في قسم هندسة الرياضيات، في الكلية العليا للعلوم التطبيقية، فرنسا: كتبتُ 9 روايات. كتبتُ بجانب الأبحاث العلمية بعض الكتب العلمية الجامعية بالفرنسية والانجليزية.

بشكلٍ موازٍ، أكتب المقالات والكتب الفكرية بالعربية مثل كتاب: "لا إمام سوى العقل"، و"لنتعلم كيف نتعلم"، وقبلهما: "عن اليمنْ، ما ظهرَ منها وما بطنْ".

بين مجموع هذه الأجناس تفاعل دائم، فالشعر والقصة القصيرة لم يختفيا، لأن الرواية وسيلتي اليوم، في الحقيقية، لاحتضانهما، والتفاعل بين المقالات الفكرية والروايات حي أيضا: بعض أجواء الرواية يمكنها، إذا ما جُرِّدتْ من حواراتها وعلاقاتها بشخصيات الرواية، أن تقود إلى مقالات فكرية ينضاف لها مزيدًا من التحليل الفكري والآراء الخاصة.

يسعدني التفاعل مع القارئ باستمرار، لاسيما وأن أن بعض كتبي الفكرية جزء من مواد تعليم طلاب في ثانويات وجامعات لبنانية، وبعض رواياتي جزء من مقرارات كليات الآداب لطلاب الماجسيتر، سنة ثانية، في أكثر من مدينة لبنانية. وتصلني دوما شذرات وشظايا من قراءات الطلاب والأساتذة حول مجمل هذه الأعمال.

أما بالنسبة للتفاعل بين العلم والأدب، فهو بالنسبة لي ضرورة: هما الرئتان التي أتنفس منهما يوميا. وتفاعلهما في رواياتي وفي حياتي كباحث علمي وبروفيسور جامعي لا يتوقف.