رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنها مصر أيها الناس


إنها مصر أيها الناس التى نُكبت منذ أزمنة بأفرادٍ وجماعات يشكلون طابورًا خامسًا سريًا ينضم لأعدائنا، فيعبثون وينشرون الشائعات ويؤثرون فى الروح المعنوية، ويتجسسون على بلادنا لتكون أوراقنا مكشوفة لأعدائنا، إنها مصر أيها الناس التى يقوم فيها أفراد وجماعات الطابور الخامس بمحاولات خبيثة لتخريب مؤسسات الدولة وتعطيلها عن القيام بأعمالها.

إنها مصر التى تحاول جماعة الإخوان إسقاطها بالشائعات وبحروب الجيلين الرابع والخامس، ولديهم من أجل ذلك فريق بشرى مدرب على أعلى مستوى، وجيش منظم يعيش بيننا ويتحرك بتلك الشائعات لهدم مصر.
إنها مصر أيها الناس التى تُحاك ضدها المؤامرات منذ عقود طويلة، وأول ما تستهدفه هو الروح المعنوية للشعب، فأنت إذا استطعت إسقاط الروح المعنوية للشعب أسقطت الدولة نفسها، ومن حسن حظ الطابور الخامس فى العصر الحديث أن أدواته أصبحت أقوى من أى وقت مضى، فتحت يده وسائل التواصل الاجتماعى وجمعيات حقوقية ومراكز بحثية ومحطات تليفزيونية، فيالحظهم الحسن عن آبائهم وأجدادهم الذين أسسوا فكرة الطابور الخامس فى إسبانيا منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضى.. فقد كان حظهم العثر أنه لم يكن أمامهم تلك الوسائل الحديثة، كما أن تهديد أمن الوطن لمصلحة أعداء الخارج كان يسمى وقتها خيانة، أما عندنا فقد أصبحت الخيانة لها أسماء أخرى مثل «وجهات النظر» أو «حقوق الإنسان» ولذلك سترى من الطابور الخامس أناسًا يبدون فى ظاهرهم وطنيين ومحترمين ومثقفين، يتحدثون إلينا بمصطلحات ولكنات.. يطيلون سوالفهم وتتسع صلعة رءوسهم ويطلقون على أنفسهم خبراء استراتيجيين، جاءوا من معهد كارنيجى أو معهد تافيستوك، أو منظمة «هيومان رايتس ووتش»، أو منظمة كارتر لمراقبة الانتخابات، أو مفوضية كذا لحقوق الإنسان، أو معهد كذا لضحايا التعذيب، أو جمعية كذا للاختفاء القسرى أو غير ذلك، وكلهم يعملون بكل ما يملكون من قوة وتأثير لهدم دولة مصر.. وعملاء تلك الجمعيات ينتسبون للجنسية المصرية، ويمارسون طرق الجاسوسية الحديثة بكل صفاقة، ويقبضون الثمن ملايين الملايين من الدولارات على حسب ما ينجزونه، ثم يقدمون أنفسهم للناس بحسبهم من أنصار حقوق الإنسان، وستشاهد معهم أصدقاءهم من باقى أفراد الطابور الخامس، ستراهم جميعًا ولكن قد لا تحدثك نفسك بأنهم جاءوا إلينا من بئر الخيانة، فخونة الأزمنة الماضية غير خونة العصر الحديث.
هل عرفنا الآن معنى مصطلح «الطابور الخامس» الذى يتداوله علماء الاجتماع السياسى؟ نعم عرفنا ورأينا، وعرفناهم وشاهدناهم، وأدركنا أنهم طابور شبه عسكرى، يعمل مع أعداء البلاد، فهو طابور من طوابيرهم العسكرية، ولكنه يعمل من داخل البلد الذى يتعرض لغزو عسكرى أو سياسى أو اقتصادى، يعمل داخل بلده فى الخفاء ليحقق أهداف هذا الغزو، وكلهم يبتغون القضاء على مصر.
ولكن هؤلاء ومن يديرهم لا يعرفون الشعب المصرى، فنحن شعب وقف بكل ما يملك من قوة فى مواجهة الاحتلال عبر التاريخ وأذاق المحتلين الأمرّين، وعلى مدى قرنين لم يهنأ محتل ببلادنا، بل جف ريق الفرنسيين عندما غامروا بالمجىء إلينا وسرعان ما فروا بجلدهم إلى بلادهم، أما الإنجليز فقد ذاقوا الأمرين فى مصر وانقطعت أنفاسهم وقدم المصريون ملحمة رائعة للمقاومة، وكان ناتج عهد محمد على، ثم ما تلاه من عهود أن قامت ثورة ١٩١٩ الرائعة، وإذا بروح المقاومة تستنهض همم المصريين، ويتشكل من ناتج هذا الاستنهاض وهذه المقاومة أفذاذ مثل سعد زغلول، وطلعت حرب، ومصطفى مشرفة، وعلى باشا إبراهيم، وسيد درويش، وأم كلثوم، ويوسف وهبى، وفاطمة رشدى، وعلى الكسار، ومختار التتش، وسيد نصير، وعلى إبراهيم، وعبدالعزيز باشا فهمى، والسنهورى، ومكرم عبيد، ومصطفى النحاس، وطه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، والمنفلوطى، وأحمد أمين، والشيخ على عبدالرازق، ولطفى السيد، ومحمود حسن إسماعيل، وأحمد زكى أبوشادى، وكامل الشناوى، والشيخ محمد رفعت، والشيخ على محمود، والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ محمود البنا، والشيخ طه الفشنى، وشعراء ونُبغاء ومظاهرات ومقاومة ودستور ووزراء ورؤساء وزراء محترمين وساسة قمم فى السياسة والكياسة والدهاء، وبرلمانات وأحزاب، وصحف حرة وكتاب شجعان. كان هذا هو النصف الأول من القرن العشرين، وفيه استطاعت مصر أن تنتج لنفسها مشروعًا حضاريًا متميزًا، تجمعت فيه خيوط الثقافة مع الاقتصاد مع الصناعة مع السياسة، فى ذلك الوقت كانت مصر متخمة بالمواهب الحقيقية، منهم من وصل خبره إلينا، ومنهم من قدم لمصر ما تعجز أجيال عنه، ولكن التاريخ طواه فى سجلات النسيان.
هذا العمق الحضارى يظهر فى الشخصية المصرية فى الأوقات الفارقة من تاريخ مصر، ويقينى أن مخاض ثورة الثلاثين من يونيو الذى قدم لنا الرئيس عبدالفتاح السيسى سيظل يقدم لنا على مدار السنوات القادمة شخصيات عبقرية فى كل المجالات لتقوم بدورها فى صناعة الوعى وإعادة البناء الحضارى لمصر.