رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافى يكتب: مصر التى فى خاطرى


عندما كبرنا وأصبح من حقنا حضور الأفراح ومشاركة الأهل فى الغناء والسهر عرفنا صوت «سعاد» القوى الهادر، وهى تنقر الطبلة بمهارة وضحكة تملأ وجهها «ونزلت أجيب عود درا.. طرف الهوى عينى.. أبكى ع الحب ولّا أبكى على عينى»، «سعاد» التى تحب العدرا مريم وتوزع الفطير والزعف الأخضر المرسوم على شكل صليب لم تنجب فأصبح اسمها الشائع أم نبيل، ولا يوجد بيت فى قريتنا «برطباط الجبل» غرب مدينة مغاغة، بمحافظة المنيا، لا يعرف «سعاد».

هى الحاضرة دائمًا فى الأفراح، هى التى تُحيى الحفلات الصغيرة فى صالة البيت، ويلتف حولها الأقارب والجيران ليكونوا كومبارس يردد عبارة واحدة بنغم رتيب: «الله يا ليل.. يا ما طال الليل».. وهو مطلع من أغنية فلكورية تحفظ سعاد الكثير منها كما تحفظ عشرات العدودات التى تنوح بها فى نبرة حزينة ملتاعة كادت أن تفقدنى مهابتى فى عزاء شقيقتى «ليلى» رحمها الله، وأنا أسمعها تردد «ودا توب مين يا اختى اللى على حيطى.. دا توب حبيبى اللى حرم بيتى»، أقشعرّ جسدى وأنا أجلس بين الرجال، حيث لا يجوز للرجل أن يبكى، وبيت أم نبيل وزوجها «بُشرى» ملاصق لبيت عمى عبدالعظيم، رحمه الله، وعلى بُعد بيت واحد من بيتنا، وكان والدى، رحمه الله، بعد أن تواترت عليه أمراض الشيخوخة، يُصلى الفجر على سريره مع صوت إذاعة القرآن الكريم، ثم يتربع مكانه يُسبح ربه منتظرًا عودة «سعاد» من الفرن ومعها العيش الساخن والطعمية، ويتناول إفطاره وهو يستمع إلى برنامج «بريد الإسلام» مع كوباية الشاى.. هنا لم نعرف الكراهية رغم الفقر والعوز والجهل، لم يخرج من بيننا أمير جماعة يستحل دماء المسلمين الذين يشاهدون التليفزيون ويتفرجون على المسلسلات، فمن أين جاءت تلك الجحافل التى تحتل القاهرة يارب العالمين؟!. لا نريد خطباء وفقهاء وبلطجية أديان ومتاجرى حج وعمرة، نريد مصر التى نحبها.

عدتُ إلى القاهرة، والاكتئاب ينتشر فى شوارعها ولا يقتصر على حالتى، ضاق شعبها وعض الذين عصروا الليمون على أصابعهم حسرة وندمًا، واشتعلت الشوارع والبيوت والمؤسسات غضبًا وحنقًا على جماعة العنف والقتل والكراهية التى أصابها الغرور، وأصبحت تهدد أمن المصريين ويتحدث خطباؤها كثيرًا عن «اللى مش عاجبه الإخوان يسيب البلد»، ولأن الله لا يعطى البصيرة لأهل الطمع من المتاجرين بدينه فقدت الجماعة البصر والبصيرة، وعاثت فى الأرض فسادًا وظلمًا وتنكيلًا بالخصوم وترويعًا، وأمسك قادتها فى الوزارات والهيئات بالمصحف فى اليد اليسرى والسيف فى اليمنى، وهاصت الدنيا وصعد القتلة والمجرمون من تنظيمات الجماعة الإسلامية إلى أرفع المناصب فى مصر وفى سفاراتها واتصالاتها الرسمية والخارجية، وساد اليأس والاكتئاب، ومضغ المصريون الألم ربما يعود الغافل إلى رشده ولا يشعلها حربًا أهلية تحرق الكنائس والمساجد، وتشعل نار فتنة لن تخمد إلا وقد أحرقت الأخضر واليابس، وصدّق الغافلون كذبتهم، وسخروا من المصريين وتظاهراتهم التى لم تتوقف طوال شهور حكم المعزول الكئيبة، فما كان لهم أن يقبلوا كل هذا من عصابة صغيرة وهم الذين واجهوا الإمبراطورية العثمانية بجلالة قدرها، ومرمغوا بذقون حكامها الأرض!، فتحركت القلوب وهتفت لجيش مصر كى ينقذها من جبروت هؤلاء الذين انتشروا مثل السرطان، واحتلوا أعلى المناصب فى سرعة البرق، وتفرقت قيادات حزب الحرية والعدالة وأعوانهم ومساعديهم على بقاع الأرض فى مصر من مشرقها إلى مغربها، حتى مؤسسة الأهرام العريقة زرعوا رجالهم على رأس مجلسى إدارتها وتحريرها، وصعّدوا رجالهم لرئاسة تحرير معظم الإصدارات، واستعمرت الذقون الطويلة مبنى المؤسسة من مدخل بابها الرئيسى، حيث رجال الأمن الذين كانوا مع مرسى فى حملته الانتخابية، وحتى صالة التحرير حيث كل بقايا حزب الحرية والعدالة، إلى مساحات الرأى التى تم إخلاؤها من الليبراليين وكتُاب الأهرام ليحتلها حلمى القاعود مُنظرًا ثقافيًا لعصابة الإخوان، والفتى المعجزة «نادر بكار» كاتبًا إسلاميًا ومندوبًا عن الجماعة الإسلامية، وعلى خطوط مصر للطيران لاحظ أحد قيادات الجماعة فى إحدى رحلاته الميمونة أن الشركة تعرض أفلامًا غير لائقة أخلاقيًا!، وتمت ترجمة تصريحاته على الفور للاستعانة بأفلام إسلامية لركاب طائرات الخطوط المصرية ربما يدخل الإيمان إلى قلوبهم!، وانتشرت دعوة سيادته حتى وصلت وزارة الثقافة التى استأجرت كتُابًا من اليسار المصرى ليعيدوا كتابة أمجاد زعيم العصابة الروحى حسن البنا، بحيث يتعرف الجيل الجديد على أساليب القتل والتحريض وتكفير المجتمع!، وامتد تيار الأخونة ينهش روح مصر وشعبها، فخرج من ظهرها بطل جديد يبعث الأمل حين خرج يحمل كفنه على يديه ليواجه أشرس عصابة حكمت مصر، فعلها المشير عبدالفتاح السيسى، وتحمل عقباتها، وخرج شعب مصر العظيم وراء جيشه وحصنه الدائم مهما طال الزمن، وكتبنا سويًا نهاية عصر الظلام بفجر ثورة ٣٠ يونيو التى كانت أول ثورة فى التاريخ تكتب نهاية «حكم دينى» كان يزحف كالأخطبوط حول رقابنا، مضى ما مضى من الزمن وسيمضى الكثير، لكن لحظة سقوط تلك العصابة هى مكمن سعادتى وسر وجودى حتى اليوم، وسأظل بشكل شخصى مدين لها ولصانعها، وليس مسموحًا لخنزير يأكل «الخرا» ويتغذى على حيوانات أردوجان المنوية أن يذكر اسمها بسوء تحت أى حجة أو مبرر.