رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشاعر فتحي أبو النصر: لا أحترم جائزة تريق ماء وجه الكاتب.. وهذه آفة الفكر "1 - 2" (حوار)

جريدة الدستور

فتحي أبو النصر.. شاعر يمني يعمل بالصحافة، نُشرت له قصائد في عدد من الصحف والمجلات الثقافية، صدر له عدد من الدواوين الشعرية مجموعة "نسيانات.. أقل قسوة"، "رحيق دخان"، و"موسيقى طعنتني من الخلف".

"الدستور" التقت الشاعر فتحى أبو النصر، في حوار ينشر على حلقتين، يتحدث فيه عن مأزق التراث فى الوطن العربى وأزمة النخبة المبدعة مع التيار الإسلامى وتطوير الشعر على مر التاريخ.

وإليكم نص الجزء الأول من الحوار:

• متى اكتشفت موهبة الكتابة لديك، ومن له الفضل في إخراجها للنور؟
- أشكر الظروف المبكرة التي جعلتني على تماس مع القراءة والكتابة، وهناك بيئة ذهنية وسلوكية لدى الأسرة شكلت وعيي الطفولي والشبابي.. كما في النصف الثاني من التسعينيات ساهم أصدقاء ورفاق كانت لنا أحلام كبرى موحدة في أن أحاول أن أكون أنا.

• البعض يتنقد الجوائز الأدبية ويعتبرها أسيرة الأهواء.. مارأيك؟
- الجوائز عابرة كالزبد الذي يذهب.. ويبقى المعنى هو الجوهري المقيم، وفي الحقيقة استغرب من المنشغلين بالمسابقات وحصد الجوائز كأنها هم وجودي، بل يبدو الأمر محيرا ومضحكا، فهناك خفة في الكثير من الجوائز، وأحترم الجائزة التي تذهب للإنجاز دون أن يريق الأدباء ماء وجوههم في الشلليات والمجاملات ولجان التحكيم ذات الأجندات المأزومة.

• هل مأزقنا في التراث أم في طرق استحضاره وتطبيقه؟
- التراث هو سحر المتخيل، إنه مرحلة انتقالية بين ما كنا وما نريد، لا فكاك من التراث، ولكن ما هو أجمل مافي تراثنا؟ أي تراث يعيق الإنسان والمجتمع عن التطور يجب إلغائه، أما التراث التقدمي فهو غايتنا للرقي.

ونرى أن النخبة المبدعة في التاريخ الإسلامي وأصحاب الإنجازات الرائدة والمبكرة في الطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلم الفلك والهندسة وعلم الاجتماع والفنون والآداب، هم للأسف عبارة عن كفار عند سلف السلفية ومهدري الدم، هكذا بكل بساطة واستخفاف ورفض للتفكير وإعمالا للتكفير. فلقد سفكوا دم أبن حيان ونفي ابن المنمر، وحرق كتب ابن رشد والأصفهاني، وتم تكفير الزهراوي والفارابي وغيرهم الكثير، كما صلبوا الحلاج وقطعوا أوصال ابن المقفع، وحتى العصر الحديث استمرت سهولة اضطهاد أي مفكر وعالم بمجرد أن يوجه إليه الاتهام بالزندقة والإلحاد، وزاد الأمر بلاء ما ذهب إليه بعض الفقهاء من قتل الداعي إلى البدعة وعدم جواز استتابته أيضا.

• وما سبب المأزق برأيك؟
- أن بعض النخب الفقهية تحالفت مع بعض النخب السياسية، ضد النخب الفكرية والعلمية لدوام التخلف والانقياد لهم، وهذه الآفة كما هو معروف أصابت كل المجتمعات، وأبرزها أوروبا، وقد دفعت ضريبتها لكنها بالمقابل تجاوزتها، أما العقل الإسلامي فما زال يحتاج إلى هزات إضافية للاقتناع ببدء مرحلة الإصلاحات والتصحيحات الفقهيه لينجو؛ باختصار خطاب الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي هو سبب الإمعان في تخلف العقل العربي عن التحديث والتطور.

• مع انتشار قصيدة النثر.. كيف ترى دورها في التأثير على دورة حياة الشعر؟
- من المعروف أن قصيدة النثر تنطوي على رؤيا عميقة لتطوير الإحساس بالجمال الشعري وذلك على الضد من فنيات المورث، لكنها ترتطم بشيء من النشوة والخذلان معا، فالواقع العربي الرسمي لا يزال يعيد إنتاج التخلف والتذوق الرديء للمستقبل أدبيا وسياسيا أيضا، ورغم هذا فإن قصيدة النثر تمثل منظومة ثورية جماليا في جوهرها، وهي تجعلنا نجس المستقبل مع أن فردوسها العربي يبدو كما لو أنه في ضياع، بحيث إنها تأتي مصابة بدوار النفسية العربية المتأصلة في جحيم الماضي.

وبالمقابل فإنها تهيج الوعي كما تمارس الحنان على كآبتنا، بينما لا ننضج فيها بسهولة كمجتمع، أما إذا تأملنا في تاريخها الحديث عربيا فسندرك جيدا أنها استطاعت أن تخلخل تجذرات عديدة في بنية الوعي بحيث انتجت الإبهار الذي بلا ضمور، فيما تجاوز العقل العربي عبرها جملة أنساق فكرية بعيدًا عن الرطانات والزخرفات كذلك، مع أن الواقع كما نعرف لا يحفل كثيرا بمغامرات فنية من هذا النوع الذي ينال من المسلمات المخجلة.