رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"شعر الأبنودي سطحي".. مبالغات فؤاد قاعود ضد الوسط الثقافي

الشاعر فؤاد قاعود
الشاعر فؤاد قاعود

ابتعد الشاعر فؤاد قاعود عن الأوساط والتجمعات الثقافية المصرية بناءً على قرار ذاتي اعتبره واعي ومنطقي، بعدما تأملها ودقق في المتداول بين روادها ومؤسسيها، فلم يجد سوى النميمة والعلاقات غير الصحية والتشوهات.

كان ذلك القرار مبكرًا، بعد مجيئه من مدينة الإسكندرية مسقط رأسه عام 1958، يقول: "أدركت أن تلك التجمعات الثقافية غير مهمومة بالثقافة، أو تبادل الأفكار والمفاهيم وصقل المواهب والإبداع"؛ حسب جريدة العربي، 2001.

ولد الشاعر الراحل فؤاد قاعود بمدينة الإسكندرية عام 1936، لسبعة أخوة، كان أصغرهم، الوحيد في العائلة الذي لم ينل حظه من التعليم، لكن مكتبة والده الذي كان عضوًا بارزًا في الحزب الوطني القديم، عوضته عن سوء حظه، فضلًا عن مناقشات الأدب والسياسة التي وعيها في منزلهم.

عمل "قاعود" الطفل، في مصنع سجائر كوتاريللي بالإسكندرية، مقابل نصف فرنك في اليوم، بفضلها دخل السينما واشترى الكُتب من الأرصفة والأسوار، كتب: "أنا كنت في مصنع دخان، زي ماتوسيان، شغال صبي ضمن الصبيان، بشلن أجرة، أعمل سجاير كوتاريللي، وأكتم غلي، على الخواجة لا يقولي لي، ما تجليش بكرة".

أثناء فترة التجنيد في القوات المسلحة، التقى "قاعود" بالشاعر صلاح جاهين في مجلة صباح الخير عام 1958: "من كان يراني وأنا أتعامل مع صلاح جاهين، وأنا شاعر ناشئ يعتقد أنني صلاح جاهين وهو الشاعر الناشئ، وكنت أتعامل معه بهذه الطريقة حتى لا يعتقد أنه طالما سيقدمني فمن حقه أن يصبح رئيسًا علي، وكان "جاهين" يسكت ولا يغضب من فرط تواضعه، وكان يقول لي بعد ذلك هذه ظاهرة صحية"؛ حسب جريدة القاهرة، 2006.

بعد احتفاء صلاح جاهين بأشعار"قاعود"، بدأ يكتب بالقطعة لمجلة صباح الخير، ثم عُين فيها عام 1963، وسط اعتراضات من الإداريين لعدم توافر مؤهل لديه، لكن الكاتب إحسان عبد القدوس، حال دون هذا التدخل.

وكانت أول قصيدة تُنشر له بالمجلة عدد 307، 23 نوفمبر 1961، يقول فيها: "أدي الشمس طلعت وغابت، وقالت للبشر، كلام كل يوم، وحداية فوق مدنة متحنطة، بقا لها زمان، في نفس المكان، وع الحيطة برص، كأنه من الحيطة جزء، كأنه على الحيطة رسم، وخش الظلام، في نفس الميعاد، بنفس الغيوم، وعاد الحزين جوه كوخه، يناجي العذاب، ويدفن همومه في صفحة كتاب، ويقرأ كلام، كلام يوم، ويرمي الكتاب، ولا أي نوم".

تعرف "قاعود" على الرسام المعروف أحمد حجازي، وتعاونا سويًا، يخرجا في جولات صحفية، الأول يكتب والثاني يرسم، فبعد زيارتهم لمدينة طنطا، مسقط رأس "حجازي"، كتب "قاعود": "حلاوتكم يا بنات طنطا، يابتوع الثانويات، ماشين حاضنين الشنطة، وعنيكم فيها حاجات، إنشالله أطس أونطة، وتدوسني العربيات، وأصبح في إيديكم شنطة، حلاوتكم يابنات طنطا".

التقى "قاعود" و"حجاب" و"الأبنودي" في رابطة الأدب الحديث، تحمس لهم "قاعود" ودعاهم لمجلة صباح الخير، فتعرفوا على صلاح جاهين الذي نشر لهم قصائدهم تحت باب يحرره بعنوان "شاعر جديد يعجبني".

رأى "قاعود" أن التجمعات الثقافية موضعًا لتخريب الفن، فيكثر فيها المُدّعين وأنصاف الموهوبين متوسطي القيمة، ويروج لكتاباتهم من قبل الشلل والنُقاد أصحاب المصلحة، فيقرأها النشء والصغار، فتُخرب عقولهم وأرواحهم؛ حسب جريدة العربي، 2001.

لم يجد شعر "قاعود" حفاوة كبيرة، أو ذيوعًا وانتشارًا بين الجمهور، إلا القليل، لقلة وتأخر ما نُشر منه، فصدر له أول ديوان في طبعة بدون رقم إيداع أو تاريخ صدور في عام 1967 بعنوان "الخروج من الظل"، احتوى على القصائد الأولى له المنشورة ما بين عام 1958و1969، ثم صدر ديوانه "الاعتراض" 1977 عن دار مدبولي، ثم أصدر له عبد السلام رضوان من دار الفكر المعاصر الديوان الثالث "المواويل" 1978، إلى وقت صدور أعماله الكاملة عن دار الأحمدي.

قبل رحيله (يناير 2006) بخمس سنوات، صرّح "قاعود" في حوار بجريدة العربي، بأن المنشور له يقل عما كتبه بنسبة 25 بالمائة، فهناك أعمال كتبها ورسمها "حجازي" تصل لـ5 دواوين، وعبّر عن حساسيته المرهفة التي تمنعه من عرض أعماله على أصحاب دور النشر، فكل ما نُشر له، لم يطلب نشره، لأنه إذا مُست كرامته لن يكتب، وإذا شعر بإهانة سيفقد الشعر أو سيكتب شعرًا رديئًا.

وحكى شاعر العامية الراحل، أن الفنان سيد مكاوي عاتبه: "يا فؤاد أنت مبتحبش الشهرة ليه؟ وتعتبرها حاجة غلط؟ فيرد: نحن نعيش على كوكب اسمه كوكب الأرض، وسيأتي يوم ينفجر فيه كما يقول العلم، وعندها سيكتب خبر صغير في صفحة داخلية في جريدة على كوكب بعيد، يقول: كان هناك كوكب على بعد كذا مليون سنة ضوئية وانفجر، ولن يقول أحد لا توفيق الحكيم ولا سيد مكاوي ولا غيرها.. إذن حكاية العراك من أجل المجد الشخصي والشهرة بتمجيد الذات حكاية زائفة، وأنا تربت على أن هذا عيب".

ربط شاعر العامية الراحل بين الرداءة والشهرة، فالشعر الرديء شاعره مشهور، والعكس، لذا انحاز للزهد، وابتعد عن تسويق نفسه وإبداعه، كي لا يفقد الصدق الفني، ويخون فكره وفنه، على حد قوله في حواره الصحفي لـ"العربي".

لم يضير "قاعود" التعتيم، أو قلة شهرته، بل كان سببًا في سعادته، فهو قابل ذلك التعتيم بالاحتقار؛ يقول: "ليس لدي أي مشاكل من أي نوع، ولست في حاجة لأحد، وتتوفر لدي أهم الأشياء في حياتي، الكتب والموسيقى، والذهاب للإسكندرية، والمشي في حي الزيتون، فأنا أحتقرهم وهم يعتمون علىّ ويتجاهلونني، وكلما زادوا في ذلك، أزيدهم احتقارًا، وهذه مساواة عادلة، أوافق عليها".

رؤية "قاعود" النقدية، في شعر وقيمة الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، شائكة، غريبة ومفاجئة، فقال في حواره: بعد أن سمعت أول قصائده نصحته بالقراءة والبُعد عن جو "العوالم" والإخلاص للشعر وحده، لكنني خُدعت، فبعد أسبوع واحد فقط، نبهني الشاعر أمل دنقل إلى أن "الأبنودي" لن يتغير، هو كده من يومه، لكن الحقيقة هو كان يعرف طريقه جيدًا"، حسب حواره المنشور بجريدة الجيل، 1999.

وأضاف "قاعود": الشعر يهرب من المحافظ المنتفخة والسيارات الفارهة، و"الأبنودي" دونما حديث عن هذه النقطة له تاريخ معروف ومفتوح يكفي مثلًا قصيدة "حرب الخليج" التي خالف فيها الوجدان العربي بأكلمه بمقابل مادي ضخم "100 ألف يورو" عن هذه القصيدة، ثم هل تعرف أن أغنية"مصر يا أول نور في الدنيا" كانت أغنية أعدها "الأبنودي" لختان ابنة أحد أمراء الخليج واسمها "فاطمة"، ثم تحولت بقدرة قادر إلى أغنية لمصر، تذاع ليل نهار، وعموما معروف أن "الأبنودي" يتقاضى ربع مليون جنيه عن أغنيات عيد الشرطة.

أما عن الشاعر أحمد فؤاد نجم، قال: "نجم شاب طلع ميعرفش الصح، لكن لما عرفه مسك فيه، نجم شاعر مهم فضلًا على أنه رجل بمعنى الكلمة، وعلى الرغم من أنه كسب أيام الشيخ إمام إلا أنه حاليًا لا يزال بالجلابية والشبشب، فهو يصفى جدًا مع الأيام، وصحيح أنه تعامل مع التلفزيون شوية، لكنه بيتحرك في حدود ولو طلبوا منه تأليف أوبريت زي أوبريتات "الأبنودي" مقابل مليون جنيه لرفض تمامًا، نجم فوق كل هذا شاعر مهم أثر كثيرًا بشخصه وشعره في الحركة الوطنية وهذا ما لم يحدث مطلقًا مع "الأبنودي".

وفي موضع آخر بجريدة العربي، 2001، قال "قاعود" في حوار له، إن شعر عبد الرحمن الأبنودي سطحي، وليس هناك أي كثافة في شعره.

وأثناء الحوار، وجه له الصحفي سؤالًا، أشار فيه إلى تصريح لـ"الأبنودي" بمجلة أكتوبر يقول فيه إن: صلاح جاهين هو شاعر العامية الوحيد الذي لميدخل السجن لأنه كان قريبًا من السلطة، بينما دخل هو السجن أيام عبد الناصر، لم يفلت "قاعود" الفرصة، ليلمح إلى علاقة"الأبنودي" بالشرطة، وكتابة الأشعار لصالحها، قال: الأبنودي مع الشرطة من أيام شعراوي جمعة حتى وزراء داخلية السادات ومبارك، أما صلاح جاهين فكان مؤمنًا بالثورة ومبدعًا حقيقيًا، واكتئاب وانتحر وقت النكسة، وتساءل: ما هو السجن الذي دخله "الأبنودي" كل المدة التي سجن فيها لا تتعدى 42 يومًا، وخرج صديقا للشرطة من يومها.