رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زلزال سياسى فى إسرائيل.. هل ينتهى عصر نتنياهو بعد اتهامات الفساد؟

جريدة الدستور

المستشار القضائى للحكومة الإسرائيلية اتهم نتنياهو بتلقى الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة
مؤيدو رئيس الوزراء مستمرون فى الوقوف خلفه ويرون الاتهامات مكيدة من اليسار
الجنرال السابق جانتس يحاول تدشين تحالفات من اليسار والوسط لتحقيق مفاجأة فى الانتخابات


أحدث قرار المستشار القضائى للحكومة الإسرائيلية، أفيحاى مندلبليت، أمس، تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بتهمة تلقى الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، زلزالًا داخل الوسط السياسى الإسرائيلى قبل الانتخابات المبكرة المقررة فى أبريل المقبل، إذ أظهرت استطلاعات الرأى الإسرائيلية الأخيرة اتساع الفجوة بين «الليكود» بزعامة «نتنياهو» وتحالف «كاحول لافان- أزرق وأبيض» بقيادة الجنرال السابق بينى جانتس، لصالح الأخير.
كيف سيكون شكل الخريطة السياسية فى إسرائيل؟، وكيف سيواجه رئيس الوزراء نتنياهو قرار المستشار القضائى للحكومة؟، وما الذى تحمله الأيام المقبلة من تحالفات؟.. هذا ما تحاول «الدستور» الإجابة عنه هنا.



رئيس الحكومة يتحدى: سأحكم لسنوات عديدة.. واستطلاع: تراجع شعبية «الليكود»



رغم الضغوط التى مارستها الحكومة الإسرائيلية، فإن المستشار القضائى للحكومة اتهم رئيس الحكومة بمخالفات فساد خطيرة، وقرر تقديم لائحة اتهام ضده وتقديمه للمحاكمة، بعد إخضاعه لجلسة استماع، بتهم تلقى الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وذلك بعد نحو عامين من التحقيقات، فيما تعهد الأخير بتفنيد كل الشبهات الجنائية ضده.
وأعلن «مندلبليت»، أنه أبلغ محامى «نتنياهو» قراره بتوجيه عدة تهم جنائية ارتكبت خلال فترة توليه منصب رئيس الحكومة، ومنصب وزير الاتصالات، فى الملفات المعروفة باسم «الملف ١٠٠٠، والملف ٢٠٠٠، والملف ٤٠٠٠».
ولفتت صحيفة «هآرتس» إلى أن هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها توجيه تهمة تلقى الرشوة إلى رئيس حكومة إسرائيلى (لا يزال يشغل منصبه رئيسًا للحكومة)، وذلك فى سياق التحقيقات بـ«الملف ٤٠٠٠»، الذى تضمن كذلك تهم الاحتيال وخيانة الأمانة.
وفى «الملف ١٠٠٠» (الحصول على منافع شخصية من رجلى الأعمال أرنون ميلتشين،وجيمى باركر)، قرر «مندلبليت» اتهام نتنياهو بـ«الاحتيال وخيانة الأمانة»، فيما شملت لائحة الاتهام ضده تهمة خيانة الأمانة فى إطار التحقيقات بـ«الملف ٢٠٠٠» (محادثات نتنياهو مع ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت أرنون موزيس).
ويتهم «نتنياهو» فى «الملف ٤٠٠٠»، بتلقى الرشوة على خلفية قيامه بدفع مصالح رجل الأعمال شاؤول ألوفيتش، مالك شركة «بيزك» وموقع «واللا»، مقابل تغطية إيجابية لأخباره فى موقع «واللا» الإخبارى واسع الانتشار.
وبدأت حملة «نتنياهو» الدعائية فى النشاط عقب القرار مباشرة، وكعادته شكك فى نزاهة التحقيقات والأدلة، وصوّر الأمر كأنها حرب عليه من معسكر اليسار، رغم ما ينطويه هذا من تشكيك فى عمل الشرطة والقضاء اللذين يتولى رؤساؤهما مناصبهم بناء على تعيين منه.
وقطع «نتنياهو» رحلته إلى موسكو، وعقد فى نفس يوم نشر اللائحة مؤتمرًا صحفيًا قال فيه إن اليسار شرع فى «حملة صيد» ضده، لإسقاط حكم اليمين بقيادته.
وقال: «أنا خدمتكم لسنوات عديدة. القرار لا يتوقف على منظومة القضاء، بل على الشعب»، ووصف تقديم الاتهام بـ«التصرف الحقير ضد أشخاص مخلصين».
وقال: «حاليًا لا شىء ضدى.. وهم أيضًا يواصلون سفك دم زوجتى ويطاردون ابنى منذ ثلاث سنوات، وحملة الصيد هذه شملت ستة ملفات بالرشوة، لكنها بدأت تنهار... فمنذ الآن انهارت خمسة منها، وسينهار الباقى عندما أواجه المدعى العام للدولة».
وشدد على أن «القضايا ستسقط»، وقال: «أنا أعتزم أن أواصل خدمة الدولة من منصب رئيس الحكومة، سأحكم لسنوات عديدة».
أما المنافس القوى له بينى جانتس، رئيس الأركان الأسبق، فألقى خطابًا استشهد فيه بكلام «بيبى» عن رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، عندما طلب منه الاستقالة بعد إدانته، ودعاه إلى الانسحاب من السباق الانتخابى وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، متمنيًا له البراءة.
أما الرأى العام، وحسب استطلاع رأى نشرته صحيفة «هآرتس»، فإن المؤيدين لـ«نتنياهو» يستمرون فى تأييده، ويرون أن هذه الاتهامات كاذبة ومكيدة من اليسار للفوز بالحكم.
ومن الجانب القانونى، فـ«نتنياهو» ما زالت له صلاحية فى الاستمرار فى السباق الانتخابى، وبإمكانه الفوز بولاية جديدة، ثم سيُطلب لـ«شموع» أو جلسة استماع بين النيابة ومحامى «نتنياهو»، وستكون فى عام ٢٠٢٠ ومن الممكن وقتها أن تبدأ المشكلات تحاصره وستبدأ المحاكمة.
وبهذا سيكون أمام «نتنياهو» سيناريوهان، الأول هو أن يخوض السباق الانتخابى وبعد فوزه وتشكيله الحكومة الجديدة يقوم بتمرير القانون الفرنسى، الذى يمنع محاكمة أى رئيس وزراء أو وزير أثناء وجوده فى الحكم، وبهذا سيتم تأجيل النظر فى القضية ٤ سنوات أخرى، وهى مدة الولاية.
أما السيناريو الثانى، فهو أن يخوض الانتخابات وبعد الفوز أن يقوم بتدشين ائتلاف مع اليسار والوسط، ويعلن صفقة القرن ويتحدث عن السلام، ويعلن أنه بهذه الطريقة سينهى حكمه، لكنه أمر مستبعد قياسًا بشخصية «نتنياهو» الذى لن يتنازل بسهولة ويتحد مع اليسار.
وتشير سيناريوهات القضية إلى أن محاكمة «نتنياهو» قد تطول، وأنه لن يدخل قفص الاتهام العام الحالى، وأنه قد يعود رئيسًا للوزراء بعد الانتخابات المقبلة، وبذلك سيكون من الصعب إجراء المحكمة، كما تم حظر نشر أى معلومات عن التحقيق إلى ما بعد الانتخابات.
وأظهر آخر استطلاع أجراه راديو «١٠٣ FM» تراجعًا كبيرًا فى شعبية حزب الليكود، وتقدمًا واضحًا لتحالف «أزرق أبيض».
وعن نتائج الاستطلاع، فقد تصدر حزب «جانتس» وحل فى المرتبة الأولى بحصوله على ٣٧ مقعدًا فى حال أجريت الانتخابات الآن، يليه حزب الليكود بحصوله على ٢٥ مقعدًا فى تراجع كبير عن نتائج الاستطلاعات السابقة.




جانتس يراهن على الرغبة فى التغيير لحسم الصراع الانتخابى


بحسب استطلاع رأى، نشرته «هآرتس»، فإن نحو نصف الإسرائيليين لا يرغبون فى رؤية بنيامين نتنياهو رئيسًا للحكومة مرة جديدة، وهو ما يفتح الباب أمام «جانتس»، لحسم الصراع لصالحه.
وعلى عكس رهان «نتنياهو» على تكتل اليمين وكسب أصوات مؤيدى الأحزاب الدينية، يحاول «جانتس» اللعب على فكرة الوجه الجديد القادم من خارج اللعبة السياسية، بكل ما يحمله ذلك من غموض فى المواقف، ليكرر بذلك نجاحات رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، الجنرال إيهود باراك، الذى استطاع عام ١٩٩٩ هزيمة «نتنياهو»، والفوز برئاسة الحكومة، ويستفيد من تشابه التجربة مع الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب.
ورغم فرص «جانتس»، الذى يعد فعليًا المرشح الأقوى أمام «نتنياهو» حاليًا، إلا أنه يصعب مقارنة تاريخه العسكرى بتاريخ جنرالات من أمثال إيريل شارون وإيهود باراك، الذى جعلهما محل ثقة وتقدير، قبل دخولهما عالم السياسة بسنوات طويلة.
وبحسب محللين، فإن سر نجاح «جانتس» الوحيد فى المنافسة قد يكون هو الأشخاص الذين يئسوا من حكم «نتنياهو»، وخاب أملهم من ضعف خصومه فى المنظومة السياسية، لذا وصف الكاتب «ألوف بن» ظاهرة «جانتس» بأنها تقوم على تخدير الخصوم فى تيارات الوسط واليسار، والاعتماد على التاريخ العسكرى والتصريحات المثيرة للجمهور، ما جعل الجميع مرتبطًا به بشكل أو آخر.
وفى الإطار نفسه، كتب تسفى بارئيل، فى مقاله بجريدة «هآرتس»: «إن جانتس يبدو للجمهور كزعيم لليسار، لكن الجمهور لا يعلم حتى اليوم كيف ينوى الجنرال إخلاء المستوطنات أو معرفة حتى موقفه تجاه خريطتها، وأين تقع القدس الموحدة بالنسبة إليه؟ وما التعديل الذى وعد الدروز بالقيام به بشأن قانون القومية؟».
وفى خطوة مشابهة لما فعله «نتنياهو» فى توحيد صفوف اليمين، حاول «جانتس» تكوين اتحاد بين حزبه «الحصانة لإسرائيل» وحزب «يوجد مستقبل» برئاسة يائير لبيد، والكتلة التى يقودها وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، وكذلك كتلة الجنرال جابى إشكنازى.
ونجحت جهود «جانتس» فى تشكيل قائمة مشتركة، تحمل اسم «كحول.. لفان»، كما أعلن أن الاتفاق تضمن أن يجرى تناوب لرئاسة الحكومة، حال النجاح فى تشكيلها، على أن يشغل «جانتس» الجزء الأول من رئاسة الحكومة لمدة عامين ونصف، ويليه «لابيد» لنفس المدة، فيما تقرر أن يشغل «يعلون» و«أشكينازى» منصبى الرجلين الثالث والرابع فى الحكومتين.
واستكمالًا لذلك، أجرى «جانتس» اتصالات لضم حزب «الجسر» برئاسة «أورلى إبكاسيس»، إلى جبهته، فيما تستمر مفاوضاته مع حزب «كلنا» برئاسة «موشيه كحلون»، الذى أكد استعداده للانضمام إلى حكومة تحت رئاسة الجنرال، رغم طلبه تلبية بعض الشروط على الموافقة على ذلك.



المرشحان تجاهلا ملف السلام مع الفلسطينيين.. وكاتب: لا فروق بينهما بشأن القضية


فى الوقت الذى يبحث فيه «نتنياهو» عن الفوز للتخلص من تهم الفساد التى يواجهها، ويحاول منافسه «جانتس» سحب البساط من تحت قدمه، والفوز برئاسة الحكومة، لاتزال الولايات المتحدة تؤكد نيتها طرح «صفقة القرن» لإحداث تسوية نهائية للقضية الفلسطينية عقب الانتخابات.
ورغم أن حملات المرشحين الأساسيين فى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة لا تتضمن حديثًا مباشرًا حول ملف السلام مع الفلسطينيين، بعد غياب الملف عمدًا عن حملاتهم، إلا أنه لا يمكن إغفال أهمية التعرف على مواقفهما المختلفة من ملفات التسوية، فى ظل التوجه الأمريكى، وتأثير ذلك على احتمالات تحقيق السلام فى السنوات المقبلة.
ووفقًا لذلك، طرح بعض المراقبين تساؤلًا مفتوحًا حول أيهما الأفضل بالنسبة للفلسطينيين: جانتس أم نتنياهو؟، وأكد كثيرون أن الإجابة عن السؤال ليست سهلة على عكس ما تبدو عليه للوهلة الأولى.
فإذا كانت التوجهات السياسية لرئيس الوزراء الحالى معروفة، فى ظل عدم قدرته على تحقيق السلام طيلة سنوات توليه لرئاسة الحكومة فى إسرائيل، فإن منافسه «جانتس» ليس أفضل كثيرًا فى توجهاته، فى ظل كونه رئيس الأركان الذى قاد حرب غزة ٢٠١٤، وتفاخر فى حملته الدعائية بعدد الفلسطينيين الذين صفاهم وعمليات الاغتيالات التى أشرف عليها بنفسه.
كما أن خطابات «جانتس» لم تتضمن حتى الآن أى حديث عن دولة فلسطينية، ولا عن ملفات التسوية والسلام وعودة اللاجئين، وغيره من الموضوعات التى ينتظر الفلسطينيون والإسرائيليون سماع آرائه عنها.
وفقًا لما كتبه «حيمى شليف» فى مقاله بجريدة «هآرتس»، فإن الانتخابات القادمة لا تتعلق بحسم أى قضية جوهرية مثل السلام والأمن والمجتمع والاقتصاد، بل هى صراع بين نتنياهو ومعارضيه.
وقال الكاتب: «كلما تعززت مكانة جانتس كرئيس لمعسكر معارضى نتنياهو، فإن الانتخابات تكف عن أن تكون استفتاء عامًا شخصيًا على رئيس الوزراء كما يصفها البعض حتى الآن».
وأضاف: «رغم الفروق بينهما على الأرض، فإنه لا توجد حتى الآن خلافات حقيقية فى مواقفهم نحو الفلسطينيين».