رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطط «الأمريكية- الإخوانية» لتقويض الدولة المصرية



هل ننتبه أن المؤامرة ما زالت مستمرة؟ وأننا يجب أن نواجهها بكل قوة ووعى
أظن أن البعض اعترته الدهشة عندما وقفت أمريكا بكل قوتها مع الإخوان فى مصر بعد الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، فالإخوان قبل ذلك كانوا يحرقون العلم الأمريكى وينادون بمقاطعة بضائعها! ومع ذلك فها هى أمريكا التى وصفتها الإخوان بأنها عدوة الإسلام ورمز الصليبية تقف مع حركة تزعم انتسابها للإسلام وتريد أن تمكن لها فى الأرض! أليست هذه لوحة سريالية شديدة الغرابة تبدو مبهمة أو ملغزة! ولكن الأمر أبسط إن نظرنا إلى اللوحة بقدر من التعمق.
فالقصة لها جذور، وبريطانيا التى كانت تقود الإخوان منذ التأسيس آن لها أن تشرك أمريكا فى تلك القيادة، ولتأخذ كل دولة منهما نصيبها منها.
والحقيقة أن جماعة الإخوان كانت منذ تأسيسها طرفًا فاعلًا فى مؤامرة استعمارية شديدة الوضوح والمنطقية ضد مصر، وفى كل جيل كان يتم تفعيل تلك المؤامرة بما يتناسب مع ظروف هذا الجيل وهذا الزمن، أما المؤامرة الحالية فقد بدأت بعد حرب ١٩٧٣ وتداعياتها عندما وضعت أمريكا خطة تفصيلية لإدارة العالم، تقوم على «التفكيك المنضبط» لاقتصاد العالم، فكرة التفكيك هذه تقوم على إشاعة الفوضى الاجتماعية، والحروب الإقليمية بين الجارات، والحروب الأهلية فى الدولة الواحدة، وسيترتب على هذا زيادة نسبة الوفيات فى العالم، فيما يشبه الإبادة، وستكون هذه الإبادة بيد سكان كل منطقة، لا بيد الدول الصناعية الكبرى، ولكى يؤتى المشروع ثماره يجب أن يكون تفكيك دول المنطقة عن طريق إشاعة الفتن الدينية والعرقية والحدودية، فلينقسم الشرق الأوسط إلى «سنة» و«شيعة» ثم فلينقسم العالم السنى إلى أنصار الدولة الإسلامية وخصومها، ومن الأفضل تضخيم الروح العنصرية بين أبناء الدولة الواحدة، وليكن ما يكون.
ثم ماذا بعد؟ ما الذى سيحدث، وكيف سيستفيد «العالم الصناعى العملاق» وأمريكا وبريطانيا على وجه التحديد من هذا الأمر؟ ستقوم حروب فى المنطقة لا شك- وفقا لنبوءة خطة التفكيك- وستشتعل فتن طائفية وعرقية حينما تتم تغذية مدخلاتها، وأكبر تغذية ستكون بتولية الإسلاميين الحكم فى بيئة صالحة للاضطراب والاشتباك العقائدى، ولكن هل ستجنى أمريكا من تلك الحروب أرباحًا؟ الربح هو الذى يدير العقلية الأمريكية، هو المسيطر على طريقتها فى الإدارة، وسواء كان الحكم عندهم «جمهوريًا» أو «ديمقراطيًا» فهو هو، أمريكا - وتابعها الإنجليزى - فى كل الأحوال هى المرابى «شيلوك» بصورته الحديثة المتطورة، هى المرابى الذى يريد اقتطاع أرطال اللحم من جسد العالم، وفى الشرق جسد على أتم الاستعداد لتقطيع لحمه، فكيف ستكسب من سياسة تقسيم الشرق وتقطيع لحمه؟ ستكون أولا بعض الدول التى ستُجرى عليها التجارب، مثل السودان، والعراق، مرورا بسوريا وليبيا واليمن، ثم فلتكن الوليمة الكبرى بمصر أم الدنيا.
أما طريقة الاستفادة فواضحة، إذ ستصبح أمريكا بنكًا وشرطيًا ومصنعًا للسلاح، بنكًا يسيطر على اقتصاد هذه المنطقة وصولًا للسيطرة على اقتصاد العالم، وشرطيًا يحمى أمن إسرائيل ويتدخل وقتما يشاء لفض المنازعات الإقليمية أو التى تدور فى الوطن الواحد، ومصنعًا للسلاح يقوم بتوريد منتجاته للمتحاربين، بالإضافة إلى أن المنطقة بهذا الشكل ستكون مرشحة للانقسام إلى دويلات تقوم على أساس عقائدى، فتكون من ناحية مبررًا تاريخيًا لبقاء دولة إسرائيل الدينية، وتكون من ناحية أخرى عبارة عن دويلات هشة ضعيفة متهالكة لا تشكل أى تهديد لإسرائيل، ولتكن مصر مجموعة من الإمارات المتفرقة، إمارة سيناء الإسلامية وإمارة الصعيد، وإمارة بحرى، وإمارة الإسكندرية وصولا إلى ليبيا التى ستكون قد انقسمت هى الأخرى لعدة ولايات.
وهذا هو ما ورد فى نصوص خطة «رؤية أمريكا للمستقبل» التى وضعها بريجنسكى وكيسنجر وسيروس فانس عام ١٩٧٤ والتى قالت نصا (سينشغل العالم الشرق أوسطى بنفسه، وسيندمج فى صراعاته، ولن يلتفت لتطوير نفسه وتحديث معارفه، وسيعود حتمًا للوراء عشرات السنين، وبذلك سيظل فى حاجة شديدة إلى دعم أمريكا له عن طريق مؤسساتها، وسيظل تابعًا لا يستطيع أن يبرم أمرا إلا من خلالنا، وسيجبرهم صندوق النقد الدولى على اتباع السياسات الاقتصادية التى نريدها)، انتهى، ولكن مصر لا تنتهى، فقد قوضت مصر ٣٠٦ خطتهم، وأضاعت ثورتنا حلمهم، ثم قامت مصر وتقوم بدور ريادى للحفاظ على استقرار المنطقة كلها، وضرب جيوش الاٍرهاب الممولة والمدربة من أجهزة مخابراتهم، كل هذا جعل مصر فى مرمى نيرانهم، يحركون أذنابهم بخطط بديلة لتقويض الدولة بمؤسساتها الصلبة، ويبذلون فى سبيل ذلك جهودًا كبيرة حيث تقوم خطتهم على محورين، الأول هو تشويه شكل النظام واستغلال الإصلاح الاقتصادى فى صُنع حالة غضب لدى المواطن، والأمر الآخر صُنع مظلومية للإخوان تساعد على عودتهم للحكم ذات يوم، فهل ننتبه أن المؤامرة ما زالت مستمرة، وأننا يجب أن نواجهها بكل قوة ووعى، وبصيرة، فالأمر جد خطير، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.