رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجموعة الأمريكية التى تحذر من مشروع قطر الإخوانى«2»


لا زلنا بصدد استكمال الورقة البحثية، التى صدرت عن «مجموعة الدراسات الأمنية» والتى يرمز لها اختصارًا بـ«SSG»، باعتبارها أحد أشهر المراكز البحثية الأمريكية، وهى تقدم فى السادس عشر من فبراير الماضى ما اسمته سؤالًا مهمًا تكشفه للإدارة الأمريكية الحالية. وهو: «لماذا يجب أن نهتم بتأثير قطر؟»، بالنظر إلى مجموعة من الاختراقات تمكنت إمارة قطر فى تحقيقها، داخل أروقة صنع القرار الأمريكى والنقاط الأكثر تأثيرًا فيه.
تناولنا بمقالنا السابق، الجزء الخاص والمعنون فى ورقة المركز بـ«شراء اللوبيين والمؤثرات»، ورغم ما تناولته من فضائح وما أطلقت عليه بالمواقف والأفعال الشائنة والتى تدعو فى البعض منها للسخرية. إلا أن العنوان التالى بالورقة «حملات القرصنة والتجسس الإلكترونى فى قطر»، يحمل هو الآخر ما يتجاوز المذكور سابقًا والموصوف بالشائن، حيث تعنى الورقة بكونه أمرًا يحتاج إلى التوقف وإعادة النظر فيما يجرى. لذلك المركز البحثى الأمريكى يعترف بداية بأن هناك الكثير مما كتب فى الولايات المتحدة عن جمال خاشقجى، وفائدته كأداة للحملات الإعلامية التى تعود بالفائدة على كل من قطر وحليفتها الإسلامية تركيا. لكنه وصفها بأنها ليست المرة الوحيدة التى تشن فيها قطر حملة سيئة فى الولايات المتحدة ضد أعدائها. وباعتبار التجسس الإلكترونى هو اختراق، أو سرقة الاتصالات الإلكترونية المستهدفة، وقد اعتدنا على التفكير فى ذلك فى عالم التجسس، كونها أشياء ثمينة مثل سرقة أسرار بلد ما، أو التلاعب أو تخريب المنتجات، أو أنظمة الأسلحة. ومع قيام معظم الأشخاص بإجراء الأعمال التجارية عبر الإنترنت، أو عبر النصوص أو البريد الإلكترونى، لذلك يمكن لحملات التجسس الإلكترونى المستهدفة، أن تلحق ضررًا هائلًا بالمواطنين أو البلدان.
وبالنظر إلى أن هناك تأكيدًا حول أن قطر كانت وراء قرصنة أكثر من «١٠٠٠ شخص» بارز، بداية من لاعبى كرة القدم ونجوم بوليوود، وصولًا إلى خبراء فى مجال الفكر والعديد من الصحفيين. ووفقًا للإيداع الأخير فى دى سى كورت، فإن نيك موزين وجوى ألهام، مديرى مجموعة الضغط «ستونينجتون ستراتيجيز»، كانا وراء قرصنة وتوزيع رسائل البريد الإلكترونى التى تخص «إليوت برودى»، وهذا الأخير يعد صوتًا بارزًا فى جمع التبرعات للجمهوريين، مع تمتعه بسجل طويل من العمل ضد الإسلاميين والإرهاب. وبطبيعة الحال كان «إليوت برودى» الهدف الرئيسى للجهود القطرية داخل الولايات المتحدة، وكان العمل على إسكات جهوده لمكافحة قطر أمرًا فى غاية الأهمية، سواءً بالنسبة إلى جماعات الضغط ولمقدمى رواتبهم فى الدوحة. ولذلك تقرر أنه سوف يتم إسكاته من خلال حملة إعلامية للترهيب، كما تزعم الدعوى القضائية، خاصة أن «جريج هوارد» من «شركة ميركورى للشئون العامة»، وهى شركة ضغط وشئون عامة مسجلة، ثبت أنها تدير أعمالًا لوكلاء كعملاء أجانب من قطر فى الولايات المتحدة، عمل جاهدًا لنشر محتويات مختارة من رسائل البريد الإلكترونى للصحفيين، المتلهفين لتقويض الحليف الجمهورى المقرب من دونالد ترامب، حيث تم استخدام نفس الطريقة التى تم بها تسليح الجهود التى بذلت فى قضية جمال خاشقجى، واستغل الهجوم الإعلامى ضد برودى من الصحافة الفاسدة تمامًا، حينما تبين أنها على استعداد للتشغيل مع المعلومات المنجزة والمقرصنة، طالما أنها تتناسب مع روايتهم.
تحت عنوان «بروكنجز ومؤسسة قطر»، قدمت الورقة البحثية الأمريكية بعضًا من التحليلات على ذات المشهد، وفى قضية خاشقجى كمثال حى ما زال طازجًا فى عقول المتابعين الأمريكيين. فهو ككاتب فى الصحيفة الأكثر قراءة وأهمية فى واشنطن أهم مدينة فى العالم، تمكن جمال خاشقجى من الوصول إلى جمهور قيم للغاية: صانعى السياسات، ومجموعة «التفكير الذكى»، وناشطى الخبراء والمسئولين الحكوميين، الذين بالتأكيد يحرصون على قراءة صحيفة «واشنطن بوست» اليومية. لكن ما أثار انتباه المتابعين أنه على الرغم من تأبين خاشقجى فى الصحافة بعد وفاته، إلا أنه تبين ضعف لغته الإنجليزية للغاية، لدرجة أنه احتاج العديد من المحررين، الذين استند إليهم للمساعدة فى كتابة أعمدته الصحفية، وكشف لاحقًا عن أن خاشقجى كان لديه ما يمكن وصفه بأنه «معالج»، لصياغة رسالة مقالاته فى صحيفة واشنطن بوست. وقد ذكرت إحدى الموظفات فى «مؤسسة قطر» للصحافة الأمريكية أنها «صممت» المقالات التى كان يكتبها خاشقجى للجمهور الأمريكى.
وتختتم الورقة الأمريكية تحليلها بالقول عن «مؤسسة قطر»، أنها تميل إلى التفكير فى المؤسسات على أنها أنواع من الأعمال غير ربحية وغير حزبية. لكن «مؤسسة قطر» تبدو مختلفة تمامًا، فهى بالأساس موجودة لتعزيز أولويات الدولة القطرية ونظام حكمها، حتى مع انتقادها بشكل روتينى بسبب الترويج للتطرف الإسلامى، بما فى ذلك معاداة السامية. فإن «مؤسسة قطر» كانت منذ نشأتها طريقة للإمارة لإبراز قوتها الناعمة، فهى عادة ما تؤثر بطريقة أو بأخرى فى خدمة مصالح العائلة الحاكمة. فما هو معلوم بالواقع أن المساهمين الثلاثة فى المؤسسة هم أعلى رتبة فى العائلة الحاكمة فى الدوحة، أمير قطر تميم بن حمد آل ثانى، ووالده الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثانى، وقرينته الوالدة موزة بنت ناصر. وتمتلك «مؤسسة قطر» حرفيًا مركز بروكنجز الدوحة، الفرع الذى يقع مقره فى قطر فى واحدة من أقدم مؤسسات البحوث الفكرية فى العالم. وتعنى ملكية المؤسسة لحصة ١٠٠٪ المدرجة فى المؤسسة، أن مركز بروكنجز الدوحة يسيطر عليه فعليا رؤساء دول قطر. وهذا ما دفع «سليم على» وهو زميل زائر سابق فى مركز بروكنجز الدوحة، للقول إلى صحيفة التايمز: «لقد كانت هناك منطقة محظورة؛ عندما يتعلق الأمر بانتقاد قطر، وإذا استخدم أحد أعضاء الكونجرس تقارير بروكنجز، فيجب أن يكون على علم بأنهم فى كل الأحوال لا يحصلون على القصة الكاملة».