رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكذب والتقية.. رسالة حسن البنا إلى قتلة النائب العام


منفذو العملية اعترفوا بالجريمة ليحصلوا على نياشين البطولة ثم مارسوا التقية أمام المحكمة وأنكروا الاتهامات

عناصر الجماعة تفاخروا بالحادث ثم أطلقوا الأكاذيب وادعوا أن من أعدموا لم يقتلوا المستشار هشام بركات

قبل أن ندخل لهذا المقال يجب أن نعرف أولًا ما هى التقية؟ إذ إن للتقية مجالًا كبيرًا عند الإخوان، وقد اعتبرها الشيعة أصلًا من أصول العقيدة، ويقولون إن من لا تقية له لا دين له، والتقية معناها أن يكذب الشخص من أجل حماية دينه، فيقول للناس ما لا يعتقده، ويستدلون على ذلك بقوله سبحانه «إلا أن تتقوا منهم تقاة»، وقوله تعالى «إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان»، والمستدل من الآيات أنها ترخص بالتقية فى أوقات الضرورة القصوى، فهى ليست منهج حياة ولا أسلوب دعوة، ولكنها من أساليب مواجهة أعداء الدولة عند الوقوع فى الأسر، وبالتالى لا يُجيز أحد من أهل السنة استخدام التقية بين المسلمين فى حياتهم ونظام حكمهم، ولكن الشيعة يستخدمونها ويتعاملون بها فى كل الأوقات، ومنهم أخذ الإخوان فكرة التوسع فى استخدامها بحيث أنها أصبحت أصلًا من أصول الدين يجب أن يمارسه الأخ فى كل حياته، فيكذب ويقول إنه يريد السلمية، وهو يُعد للقتال، ويقول إنه لم يقتل وهو يخفى دماء القتيل التى تنساب من يديه.



للتقية والكذب قصة مع الإخوان بدأت منذ تأسيس الجماعة، وهذه القصة مستمرة إلى وقتنا هذا، بحيث لم يتخل الإخوان عن «تقيتهم» هذه فى أى لحظة من اللحظات، آمن حسن البنا بها واعتبرها أصلًا من أصول العمل الحركى للجماعة، وآمن بها كل من جاء بعده، وتقية الإخوان لا تختلف عن تقية الشيعة فى شىء، فهم يعتبرونها وسيلة من وسائل التمكين، يسلكون سبيلها ليتقوا «الكفار»! ويتوسعون فيها حتى أصبحت أصلًا، تقية الإخوان والشيعة هى هى، لا فرق بينهما، إذن ما قصة الإخوان تاريخيًا مع التقية؟.
يحدثنا التاريخ أن الجماعة عندما كانت فى بدايتها، وبينما الإنجليز يتلاعبون كما يشاءون بالملك فؤاد، ويحركونه كيفما شاءوا، يأخذون منه ما يريدون، ويسلبون إرادته حتى صار مطية لهم، فكرهه الشعب أيما كراهية، إلا أن الإخوان كانت لهم حاجة عنده وعند نظامه، فضلًا عن صلتهم بالإنجليز، تلك الصلة التى أوردها الإخوان فى تاريخهم تلميحًا، وأوردها الباحثون تصريحًا، لذلك استخدم البنا التقية مع فؤاد وهو يخاطب الجماهير، وقال إن الملك فؤاد هو «ذخر للإسلام»!، وإنه «خليفة المسلمين الذى سيستعيد الخلافة للمسلمين».
وبعد أن انتهى عهد فؤاد جاء عهد ابنه فاروق الأول، وإذ أراد البنا الاستحواذ على فاروق أرسل له فرق الإخوان المسلمين تصطف فى الطرقات لاستقباله ولتهنئته على سلامة العودة للبلاد لتسلم الحكم، وتمر السنوات ويقع فاروق فى أتون الفساد، فخرجت المظاهرات ضده، إلا أن البنا رسم لنفسه طريق التقية فوصف فاروق ساعتئذ بقوله إنه «ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه».
وعندما تحرك مصطفى النحاس، رئيس حزب الوفد وقتها، على المستويين الشعبى والبرلمانى مطالبًا بتقليص الصلاحيات الدستورية للملك فاروق، وخرجت المظاهرات الشعبية من كل الأحزاب والتوجهات السياسية تهتف «الشعب مع النحاس»، فإذا بمظاهرات إخوانية تخرج لهم وكأنها جحافل مختبأة فى كهوف سرية، والغريب أن هتافات الإخوان لم تنضم لمظاهرات الوطن، ولم تطالب بما طالب به الشعب، ولكنها انحازت لفاروق، فأخذت تهتف وكأنها تتعبد لله «الله مع الملك»!، وكأن البنا أخذ عهدًا على الله أن يكون الله مع الملك.
ويستمر التاريخ فى فضح تقية الإخوان، تلك التقية التى استخدموها فى مواجهة المجتمع المصرى بأكمله، حتى إن المؤرخين المحسوبين على جماعة الإخوان، والذين تحالفوا معها فى أوقات كثيرة، ومنهم المستشار طارق البشرى، أبدوا استعجابهم من موقف الإخوان الذى كان مؤيدًا ومتحمسًا لرئيس وزراء مصر، إسماعيل صدقى، الذى كان ملقبا بـ«عدو الشعب» وعن التحالف بين البنا وإسماعيل صدقى يقول طارق البشرى: «مع كل ذلك، يبقى تأييد الإخوان لإسماعيل صدقى عصيًا على التبرير، فصدقى بأى معيار من المعايير هو رجل المصالح الأجنبية فى مصر».
لم يستطع البشرى تفسير تحالف البنا مع إسماعيل صدقى، مع أن طارق البشرى نفسه تحالف مع الإخوان فى كتابة تعديل الدستور، الأسوأ فى تاريخ مصر!، حتى إن كثيرًا من الكتاب وأنا منهم أطلقوا عليه «عدو الشعب» ولكن الذى لم يره البشرى أن البنا تحالف باللسان والعمل مع إسماعيل صدقى من باب التقية، حتى يستطيع من خلاله الوصول إلى التمكين الذى يراه، تمامًا مثلما تحالف الإخوان مع البشرى ليضع لهم مادة فى الدستور تمنع الطعن على قرارات لجنة الإشراف على الانتخابات حتى يسمح للإخوان بالتزوير من خلال آلتهم البشرية الضخمة، فإذا ما تم التزوير عجز الشعب عن الطعن قضائيًا على تغيير إرادته، ووصل الإخوان للتمكين الذى يريدونه.
وعندما قتل الإخوان المستشار الخازندار، ماذا قال الإخوان وقتها؟ خرج حسن البنا للإخوان فى لقاء الثلاثاء، وهو لقاؤه الأسبوعى بالجماعة، ليخطب فيهم خطبة تقوى إيمانهم، وفى هذه الخطبة أنكر البنا قيام الجماعه باغتيال المستشار الخازندار! وأقسم فى خطبته على أن الجماعة لا علاقة لها بتلك الجريمة، وبكى أثناء الخطبة من هول ما نُسب للإخوان، وبعد ذلك كتب كبار الإخوان مذكراتهم وقالوا فيها إنهم قتلوا المستشار الخازندار لأنه فى نظرهم كان خائنًا للبلاد ومواليًا للإنجليز، وتلك كذبة كبرى انطلت، ولا تزال تنطلى، على صغار الإخوان، واتضح من مذكراتهم أن حسن البنا هو الذى أمر بقتل المستشار، وثار خلاف حول هل عبدالرحمن السندى، رئيس التنظيم الخاص، فهم أمر القتل الصادر من البنا بشكل خاطئ وأن البنا لم يكن يقصد القتل. أم أن البنا كان يقصد القتل فعلًا؟.
أما القصة الواضحة التى تظهر عقيدة التقية لدى الإخوان فهى تبدأ بعبارة شهيرة قالها البنا هى: «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين» ولهذه العبارة قصة، وهى قصة مرتبطة باغتيالات وتخريب وحرق وقتل، إذ كان الإخوان قد قتلوا النقراشى باشا، رئيس وزراء مصر آنذاك، ثم تم القبض على أفراد خلية إخوانية وهم فى سيارة «جيب» يحملون مفرقعات وخططًا لحرق القاهرة، وبدأت النيابة العامة فى التحقيق فى هذه القضية التى عُرفت بقضية السيارة الجيب، ولأن القضية كانت بمثابة مسمار فى نعش الجماعة فى هذا العهد، لذلك حاولت التخلص من أدلتها، فتحرك النظام الخاص وقام بمحاولة تفجير المحكمة التى يوجد بها ملف القضية، وانكشف الأمر أمام جهات التحقيق والرأى العام، وأمام هذه المشكلة الكبيرة قام حسن البنا بإصدار بيان يتبرأ فيه ممن قاموا بهذا الفعل، وقال فى بيانه عنهم إنهم: «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، وعندما وصل خبر هذا البيان للإخوانى الذى قتل محمود فهمى النقراشى، رئيس وزراء مصر آنذاك، فما كان منه إلا أن بادر بالاعتراف الكامل بجريمته وبالمحرضين والمساهمين والمشتركين معه، وعن هذا البيان ونفسية القاتل «عبدالمجيد أحمد» يقول محمود الصباغ أحد كبار رجال النظام الخاص: «وقد هللت أجهزة الحكومة مدعية أن الغرض كان نسف المحكمة، وبالغت أبواق الاتهام تهيئ الجو للقضاء التام على الإخوان المسلمين، مما اضطر المرشد العام إلى إصدار بيانه ‪)‬ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين‪(‬ ليساعد على تخفيف حدة الضغط على الإخوان، وهو أمر جائز شرعًا فى الحرب ويعد من خدعه، كما أوضحنا عند ذكر سرايا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لاغتيال أعداء المسلمين، ولكن الأخ عبدالمجيد أحمد حسن لم ينتبه إلى ذلك، وتأثر بالبيان تأثرًا قاده إلى الاعتراف على إخوانه».
هذا هو الرأى الذى وضعه محمود الصباغ تبريرًا لبيان حسن البنا «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، كلماته واضحة بأن حسن البنا استخدم التقية، أو الخداع والكذب، ثم يقول إن التقية هنا جائزة لأنها «أمر جائز فى الحرب»، وأجرى محمود الصباغ، القطب الإخوانى التاريخى، مقارنة فقهية بين قتل الإخوان لمحمود فهمى النقراشى، المصرى المسلم الوطنى، الذى كان من قادة الشباب فى ثورة ١٩١٩، وبين سرايا أرسلها الرسول، صلى الله عليه وسلم، لقتال أعداء المسلمين، وعاب الصباغ على عبدالمجيد، أنه لم يفهم التقية وغابت عنه فاعترف.
كان هذا فى ماضى الإخوان، ومع ذلك فإننا لا بد أن نترك التاريخ القديم لندخل إلى حاضر تلك الجماعة، فقبل ثورة يناير وبعدها حين كشف بعضهم للرأى العام أن الإخوان عقدوا صفقة مع نظام مبارك عام ٢٠٠٥ خرجت القيادات تقسم بالله العظيم، والعيش والملح «وتـُربة أبوهم»، على أن الإخوان لم يعقدوا صفقة وأنهم أبرياء من هذه الفرية اللعينة والكذبة المفضوحة، ثم بعد أن مر على السنين سنون، وقامت الثورة المصرية، خرج المرشد السابق، الرجل الصريح، مهدى عاكف، وقال: نعم عقدنا صفقة مع النظام السابق عام ٢٠٠٥، وجلسنا مع شخصيات أمنية كبيرة واتفقنا على كل شىء، ثم التزم نظام مبارك بالصفقة فى المرحلة الأولى للانتخابات وقتها، ثم نكل عن الاستمرار فى الصفقة فى المرحلتين الثانية والثالثة!.
هل تريدون المزيد من الحكايات الطريفة عن تقية الإخوان وموقفهم، عندما يفتضح المخبوء فى أقبيتهم؟ عندك صفقة بَيعة الإخوان لمبارك عام ١٩٨٧، إذ وقف المستشار مأمون الهضيبى، وقت أن كان رئيسًا للهيئة البرلمانية، ليعلن بيعة الإخوان لمبارك، وقال فى بيعته: «وجدناك شريفًا فبايعناك، ووجدناك أمينًا فبايعناك، ووجدناك وطنيًا فبايعناك»، قال ذلك وهو يرتب الأمور مع خيرت الشاطر من أجل التمكين، وهو الأمر الذى تم الكشف عنه فى قضية سلسبيل عام ١٩٩٢، إذ اتضح منها أن إشارة البدء فى تنفيذ خطة التمكين كانت خطبة مأمون الهضيبى فى البرلمان، التى أعلن فيها تأييد الإخوان لمبارك.
ونتقدم للأمام قليلًا، فعندما وعد مرشد الإخوان، محمد بديع، الشعب المصرى بأنه لن يترشح أحد من الإخوان فى انتخابات الرئاسة، إذا بالجماعة بعدها تقرر خوض انتخابات الرئاسة، وهو الأمر الذى يعتبر نكولًا عن الوعد، فكتب أحد شيوخ الإخوان، ويدعى الشيخ فوزى شداد، فى موقع «إخوان أون لاين»، يوم ٢١٤٢٠١١، دراسة شرعية تدور حول جواز النكول عن الحلف والوعد ثم أداء الكفَّارة!!.
ونصل بعد ذلك إلى اغتيال نائب عام مصر، المستشار الشهيد هشام بركات، الذى قتلوه فى رمضان وهو صائم، ثم عندما وصلت الشرطة للفاعلين بعد ستة أشهر من الجريمة إذا بشباب الإخوان يعترفون ليحصلوا على نياشين البطولة والجهاد، ثم إذا بهم أمام المحكمة يمارسون التقية ويقولون إنما اعترفوا لأن إكراهًا وتعذيبًا وقع عليهم، وإذا بالإخوان الذين تفاخروا فيما بينهم بتلك الجريمة البشعة يستخدمون التقية، وهم يطلقون الأكاذيب ويقولون إن القتلة الذين أعدموا لم يقتلوا، ولن ننتظر كثيرًا، فبعد عام أو عامين سيكتب الإخوان بكل فخر أنهم هم الذين رتبوا هذا الاغتيال وهم الذين دفعوا شبابهم المغيب إلى ارتكاب هذه الجريمة، وسيعتبرونها جهادًا فى سبيل الله، فمن رحمة الله بنا أن جعل الإخوان فى كل جيل يكشفون لنا جرائمهم.
وقد نستمر فى الكتابة ولا تفرغ أكاذيب الجماعة وتقيتها، ولكن يجب أن يعلم القارئ أن ما ذكرته كان نقطة فى بحر أكاذيب الإخوان.