رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجوع المادى والمعنوى


تلقى أحد المذيعين الماكرين رسالة من سيدة، قالت فيها، إنها لم تتناول الطعام منذ أربعة أيام.. وفى نفس اليوم، تلقى المذيع اتصالًا من جهة مهمة، تخبره بأنها ستتولى أمر السيدة الجائعة. وهو الأمر الذى يجعلنا نفكر فيما تطرحه أجهزة الإعلام، ربما بمكر أو بحسن نية.
ربما لا يعلم البعض أن تكاليف الاتصال التليفونى بتلك القناة، ومحاولاتها (السيدة) المتكررة، حتى يكلمها المذيع، تزيد على تكاليف وجبة فاخرة فى مطعم راقٍ. ولكنها فضلت أن تتصل ويظهر صوتها، لتقول للعام كله إن فى مصر جياعًا لا يأكلون!.
فمن هو الماكر، المرأة الجائعة، أم المذيع، أم الجهة المهمة؟.
الحقيقة، كلهم ماكرون. ولا يحسنون التعامل مع الظواهر الاجتماعية. وليس لديهم أى ولاء للوطن.
المرأة ماكرة، لأنها أعلنت عن جوعها على الملأ، وكان واضحًا من حديثها أنها تحسن الحديث، وعلى درجة من الوعى، كانت تتكلم بثبات، ولم يظهر على نبرات صوتها أى نوع من الخجل، أو الإحراج، أو حتى إرهاق الجوع، وهى تتحدث بثبات عن جوعها منذ أربعة أيام. وهو ما ينبئ عن تمرسها على هذا النوع من التسول.
والواقع، أن فكرة أن تبقى امرأة جائعة لمدة أربعة أيام متتالية فى مصر، أمر يدعو إلى الريبة، فى ظل تدنى أسعار الطعام فى بلدنا، مع أنها لو استغلت الأموال التى أنفقتها فى محاولات الاتصال بالقناة، فى إطعام نفسها، فإنها ستأكل طعامًا فاخرًا، وليس طعامًا بسيطًا.
أما المذيع الذى عرض حالتها على الملأ، وعلى كل مشاهديه فى مختلف دول العالم، فهو لم يكن ساذجًا ولا غافلًا، ولا بريئًا عما يفعله. فهو ينقل رسالة إلى العالم، عبر تلك المرأة الجائعة، بأن الجوع متفشٍ فى مصر، وأن الحالة العامة فى مصر متدنية، مما يوحى بأن كل خطط تحسين الاقتصاد باءت بالفشل.
وهى رسالة إعلامية تبناها بعض المذيعين، خلال فترة ما بعد ثورة يناير، وأثناء حكم الإخوان، وبعضهم سافر للخارج، وعمل فى قنوات إعلامية تحض علنًا على كراهية الدولة، لصالح جماعة الإخوان.
أما الجهة المهمة التى أعلنت عن تبنيها جوع السيدة، وتكفلها بها، فهو أمر تكرر كثيرًا وشاهدناه، فى كثير من القنوات التليفزيونية، أن يرسل أحد المواطنين شكوى إلى القناة، ويطلب المتصل وظيفة حكومية أو مساعدة، وعلى الفور يظهر وزير ويعلن أنه ينتظر المتصل فى مكتبة لينهى له مشكلته.
وهو ما تزامن مع ما نشرته إحدى الصحف، فى أبريل ٢٠١٧ نقلًا عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المصرى، أن ٢٧.٨٪ من السكان فى مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره، كما احتلت الدولة المرتبة الـ٥٩ عالميًا والـ٣عربيًا فى مؤشر الجوع العالمى لعام ٢٠١٦. كما نشرت الصحيفة أن مصر من أكثر بلدان العالم التى تعانى من سوء التغذية وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة «فاو».
ربما يقودنا هذا إلى التفرقة بين الجوع المادى، والجوع المعنوى.
فالجوع المادى، وهو عدم القدرة على توفير الوجبات الرئيسية، وهو يندر حدوثه مع وجود جمعيات خيرية، ومظاهر التكافل الاجتماعى الذى تقدمه تلك الجمعيات، التى تقوم بتقديم المساعدات لكل من يطرق أبوابها، وكل من لا يجد قوت يومه.
أما الجوع المعنوى، فهو الخوف من الجوع، أو عدم القدرة على الإنفاق على متطلبات العصر من كهرباء وتليفونات، والخوف من الفقر، وهو الهاجس الذى يهيمن على كثير من أفراد الطبقة الوسطى فى مصر.