رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفرق بين أن نعيش وأن نحيا


جاءتنى إحدى صديقاتى، تشكو من شعورها الحاد بالملل. قالت إنها تستيقظ، فى الصباح، كل يوم، رغمًا عنها، وتذهب إلى عملها، بدون حماس. وحين تعود إلى البيت، تمارس أعمال المنزل، وهى مضطرة. أصبحت لا تطيق الكلام، مع ابنتها المراهقة. تشعر بأن زوجها عبء عليها. قالت صديقتى: «كل شىء، أصبح مملًا إلى حد الفزع».
صديقتى متزوجة منذ ثمانية عشر عامًا، بعد قصة حب، مع زميلها فى كلية التجارة. تعمل محاسبة، فى إحدى الشركات. لديها ابنة واحدة، فى الثانوية العامة. زوجها، يصغرها بعامين، يعمل فى أحد البنوك. وزوج صديقتى، رجل متفتح الأفق، يؤمن بـعمل المرأة، ويؤيد حقوق النساء. وهـو يعامل صديقتى، على قدم المساواة، ويحاول أن يدفعها دائمًا، للترقى، فى عملها. زوج صديقتى، «كائن بيتى». أى من نوع الرجال، الذى يفضل قضاء الوقت، فى البيت، عن الخروج، أو مقابلة الأصدقاء، فى مكان عام، أو ممارسة إحدى الهوايات. هو، كما يقولون: «من البيت للشُغل، ومن الشُغل للبيت».
بعد أن جاءتنى، صديقتى، لتشكو الملل، «المفزغ»، الذى أصابها، تأملت حالتها. اكتشفت، أنها، لا بد أن يفترسها الملل. أخذت أفكر، فى «نمط» حياتها، الذى تمارسه منذ زواجها، وعملها، أى منذ ستة عشر عاما. إنه «نمط» تكرره، دون تغيير، كل يوم دون انقطاع. والنتيجة الطبيعية، المنطقية، لهذا التكرار الطويل، هى الملل.
وأعتقد بدرجة كبيرة من الثقة، أن حالة صديقتى، ليست استثناء. أغلب الناس، يقعون فريسة الحياة، الروتينية، المنمطة، المُعلبة، المكررة. أو كما يعبر المثل «اللى يباتوا فيه، يصبحوا فيه».
صديقتى، حال غالبية الناس، خاصة فى مجتمعاتنا، لم تفكر يومًا، فى تغيير نمط الحياة الذى تعيشه.
إن الحياة مجموعة من العادات اليومية، والسلوكيات، والتجارب. المفروض، حتى لا يصيبنا الملل «المفزع»، أن نكسر الروتين اليومى، وأن نغير عادتنا اليومية.
المفروض، أن نجدد فى السلوكيات، والتجارب، التى تربطنا بالحياة. وأن نفتح آفاقًا جديدة، لدروب العيش.. إن الحياة ثرية، والعالم مفتوح. وليس من الحكمة، أن نظل «سجناء»، أفق واحد، مغلق، وأن نبقى «أسرى» لعادات يومية، جامدة، استنفدت أغراضها، وأصبح استمرارها خطرا كبيرا علينا.
إن الملل، هو أشرس أعداء الإنسان. وإذا سيطر الملل على شخص ما، يستطيع أن يمرضه بالاكتئاب، أو الإحباط المزمن. الملل، يجعل الأفكار المرعبة، تهاجمنا. يستطيع الملل، أن يضعف جهاز المناعة النفسية، والجسدية، وفى الحالات الشديدة، من الملل، قد يؤدى بالإنسان، إلى الجنون. إن الملل، فى درجاته القصوى، واكتمال أشكاله، يصبح ما نطلق عليه «السأم»، أو الضجر. و«السأم»، هو من أسوأ، وأخطر، المشاعر، التى يمكن أن يُبتلى، بها الإنسان.. هناك دائما، الجديد تحت الشمس. لكننا لا نفتح له، نافذة واحدة للدخول. بل إننا لا نراه أصلا. إن «السأم»، رغبة، يتكرر إحباطها. كذلك، يتضمن «السأم»، إحساس الإنسان، أن أهم، وأجمل، وأبدع، طاقاته، فى حالة، تعطل دائم. ومن أساسيات «السأم»، شعور الإنسان، بنوع من «التلبد» المعنوى، أو الخمول، الذى يغلف الحواس. لا شىء يحفزه.. لا شىء يدهشه.. لا شىء يثيره.. لا شىء يحركه.
«السأم» يشعر الإنسان، بأنه يعيش، وليس يحيا. والفرق هائل، بين أن نعيش، وأن نحيا. «السأم»، هو العيش «أداء واجب»، منزوع الإثارة.. و«الإثارة»، لا تحدث، مع أنماط الحياة، مغلقة الآفاق.
«الإثارة»، تتطلب التجديد فى التجارب، والمخاطرة، و«إبداع» أنماط حياة مختلفة. والفرار، من سجن العادات اليومية، وتحطيم قوالب الرتابة.
لا بد أن نقوم، بـ«غسل»، و«صنفرة»، «الحواس»، التى أصابها الصدأ. نتيح للعين أن ترى مناظر جديدة، للأذن أن تسمع أصواتًا جديدة.. نشم هواءً جديدًا، نلمس أشياءً جديدة، ونتذوق ما لم نتذوقه من قبل.. إن «التجديد»، فى الفكر الدينى، لا يمكن أن ينجح من خلال شعب لا يعرف كيف يقوم «بالتجديد» فى حياته التى أصابها الصدأ والتنميط والملل.. إن «الخوف» من الجديد سمة متأصلة فى جذورنا. وهو من أكبر معوقات التقدم، والاستمتاع بالحياة.
من بستان قصائدى
كهنة النقد.. يوزعون منشورات
تحظر دخولى إلى معابد الشِعر
فقصائدى لا تؤمن بآلهتهم
ولا تصلى كلماتى على أنبيائهم ورسلهم
ماذا يهمنى فى ذلك؟
لى آلهتى الخاصة.. أكفر بها كل يوم
ومشاعر مقدسة.. لا أقدسها كل يوم
وطقوس عبادات.. تنثر البخور وتلهمنى السطور.