رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مساع إلى "أنسنة" التكنولوجيا من أجل دمج الأطفال ذوى الاحتياجات

جريدة الدستور

"ذوو الاحتياجات الخاصة" هم فئة من فئات المجتمع احتياجاتهم خاصة بدنيا ونفسيا واجتماعيا فى النواحي التربوية والتعليمية، الأمر الذي يجعلهم في حاجة إلى نوع مختلف وخاص عما يتطلبه أقرانهم الطبيعيون من المساندة، فهم أفراد تجمعهم بالأسوياء صفات متعددة ومشتركة، لكنهم يحتاجون إلى وسائل وأدوات تعينهم على التعلم والتواصل مع البيئة المحيطة، وقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة الفرصة للمساندة في تعليم هذه الفئة ومساعدتهم في التغلب على عجزهم.

وأدى الإصرار على نجاح ذوي الإعاقة في استخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة إلى تغيير نظرة المجتمع لهم من العطف إلى اعتبارهم طاقة إنتاجية كبيرة، لها حق المشاركة مع الأسوياء في العمل والدراسة في ظل ما أثبتته بعض التجارب من تفوقهم في بعض الأحيان على الأصحاء (تنافسات الأولمبياد الخاص).

وتعرف التكنولوجيا التعليمية الخاصة بذوى الاحتياجات الخاصة بأنها "تكنولوجيا مساندة"، وهى عبارة عن أي مادة أو برنامج، أو نظام منتج، أو معدل أو مصنوع وفقا للطلب بهدف زيادة الكفاءة العلمية والوظيفية لهذه الفئة المحرومة من أحد الحواس، ويكاد يجمع المتخصصون في هذا المجال على هذا التعريف الذي يشير إلى أن مسمى التقنيات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة لا يقتصر فقط على التقنية بمفهومها، ولكنه يعني أية مادة تستخدم لتعليمهم وتجعلهم يتعايشون مع إعاقاتهم سلميا، أى أن المقصود ليس الأجهزة والإلكترونيات فقط، وإنما الوسائل التى تسهل الممارسات الحياتية لذوي الاحتياجات الخاصة، فالإعاقة بكافة أنواعها المختلفة (السمعية واللفظية والصم والبكم والفكرية والبصرية)، لها مشكلات جمة يمكن أن تواجه أصحابها وأبرزها صعوبات الاندماج الاجتماعي وتأمين فرص عمل لهم بما يتناسب ودرجة العجز لديهم.

ومتطلعا فى أن تساهم جهوده في التعرف على هذه التقنيات المساعدة والتوعية بأهميتها وحث المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على توفيرها لكل من يحتاجها كى يكون قادرا على الاندماج في مجتمعه ومشاركا في تنمية وطنه، يعمل المجلس العربي للطفولة والتنمية فى إطار توجه الاستراتيجي لما بعد عام 2020 على تنفيذ مكون دمج الطفل العربي ذي الإعاقة في التعليم والمجتمع باستخدام "التكنولوجيا المساندة" التي تعد أحد المجالات التطبيقية لنموذج "تربية الأمل" الذي وضعه المجلس بهدف تمكين الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة بالقدرات والمهارات التي تؤهلهم لاستخدام التكنولوجيا والوصول إلى المعارف والتعليم والتعلم وغرس القيم الإنسانية فى نفوسهم من أجل بناء نسق فكري مفتوح لتهيئتهم للمستقبل.

ومن منطلق امتلاكه الدوافع الإنسانية التى غرسها فى رسالة المجلس مؤسسه الراحل الأمير طلال بن عبد العزيز، قام المجلس بتقديم الخبرة والمعرفة في هذا المجال من خلال إصدار مجموعة من الأدلة الإسترشادية، وعقد سلسلة من ورش العمل الإقليمية التدريبية بمشاركة متدربين من مختلف الدول العربية، تحت عنوان "التكنولوجيا المساندة لدمج الطفل العربي ذي الإعاقة في التعليم والمجتمع"، والتي ينظمها المجلس لإحراز هدف رئيسي يغرس الأمل في نفوس المعاقين ويؤكد لهم "أن غدا ستشرق الشمس بكم".

وعلى مدى الأيام الخمسة الماضية عقدت أولى هذه الورش، بالتنسيق والتعاون بين المجلس وبرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند"، وإدارة المرأة والأسرة والطفولة بجامعة الدول العربية، والمنظمة الكشفية العربية، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم "إيسسكو"، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، حيث انطلقت الجلسة الافتتاحية من مقر المجلس، فيما استضاف مقر المنظمة الكشفية أيام عمل الدورة الأربعة التي تضمنت محاضرات نظرية وبرنامج تدريبى عملى.

وأكد الدكتور حسن البيلاوى الأمين العام للمجلس أن الورشة التدريبية تتماشى مع مقتضيات الثورة الصناعية الرابعة التي نشهدها باعتبارها ثورة وعي كوني لها تأثيرات كبيرة متعاظمة على البشر وتشكل مستقبلا جديدا في العالم بأسره، فيما أكد جبرين الجبرين مدير المشاريع ببرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" أن الورشة ألقت الضوء على الجديد فى التكنولوجيا الحديثة من أجهزة ومعدات وبرامج متقدمة تساعد فى دمج تأهيل ذوي الإعاقة في المجتمع والسلم التعليمي، وتزيل المعوقات التي تمنع دمجهم وتمكينهم للمشاركة في مجتمعاتهم.

وقال الدكتور عاطف عبد المجيد أمين عام المنظمة الكشفية العربية إن الشراكة الإستراتيجية بين المنظمة والمجلس تأتي في صميم رؤية وإستراتيجية المنظمة التي تسعى إلى تكوين مؤسسة تربوية شبابية رائدة في العالم، وتعمل على تمكين 100 مليون شخص بحلول عام 2030، ويشمل ذلك كل فئات المجتمع بما فيهم ذوي الإعاقة، مشيرا إلى أن دمج ذوي الإعاقة باستخدام التكنولوجيا المساندة سيقود إلى إحداث التغيير في مجتمعاتنا المحلية وفي العالم.

في حين أشار الدكتور أشرف مرعي أمين عام المجلس القومي لشئون الإعاقة في مصر إلى أهمية قضية التكنولوجيا المساندة التي تساعد ذوي الإعاقة على التغلب عن المشكلات، لافتا إلى تقرير الأمم المتحدة حول الإعاقة والتنمية للعام 2018، والذي كشف عن ارتفاع معدلات الدمج من ١٧ فى المائة فى عام ٢٠١٣ إلى ٤١ في المائة في عام ٢٠١٧، مشيرا إلى أن واحدا من بين كل ٣ أطفال من ذوي الإعاقة لا ينخرطون في التعليم في المرحلة الابتدائية مقارنة بـ 1 من 7 أطفال من غير ذوي الإعاقة، مما يشير إلى أنه لا يزال أمامنا الكثير لتحقيق الدمج المجتمعي للأشخاص ذوي الإعاقة.

ووصفت الدكتورة سهير عبد الفتاح الخبيرة بالمجلس العربي ومقررة الورشة التدريبية التجربة بأنها خطوة من أجل أنسنة التكنولوجيا وإزالة المسافات التي تفصل بينها وبين الإنسان، وتمكنه من أن يرى ويسمع ويفكر وينجح ويحب الحياة، مشيرة إلى إنه على مدار أيام عمل الدورة تم تقديم مدخل نظري وتطبيق عملي يقوم على الاستفادة من هذه التكنولوجيا المساندة للطفل ذي الإعاقة عبر عدد من الأدلة الاسترشادية والتدريبية بالتطبيق على عدد من الإعاقات الشائعة مثل الإعاقة الذهنية والسمعية والبصرية والحركية ومتلازمة ارلن وضعف الإدراك السمعي وصعوبات التعلم.

وأثبتت دراسات فاعلية البرنامج الحاسوبي في تحسن بعض السلوكيات المصاحبة للنشاط الزائد كتشتت الانتباه والاندفاعية وفرط الحركة والنشاط الزائد لدى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى فاعلية البرمجيات التعليمية في تعليم القراءة والعصف الذهني للأطفال ذوي الإعاقات السمعية.

ومن الناحية الاجتماعية، أشارت كثير من الدراسات العلمية إلى أن استخدام بعض التقنيات كالحاسوب، ساعد كثيرا في تكوين صداقات عديدة بين التلاميذ من ذوى الاحتياجات الخاصة عندما يعملون كمجموعات، أو يتبادلون الخبرات والمعلومات بينهم، أي أن التقنيات ساهمت في خروجهم من العزلة والانطوائية، ونمت فيهم روح العمل الجماعي وحب المشاركة وعلمتهم كثيرا من القيم الاجتماعية من خلال احتكاكهم وتفاعلهم مع غيرهم من الأطفال.