رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سيلفي مع الملك".. أسرار وحكايات من داخل قصر عابدين

جريدة الدستور

لا شك أن الخيال تجاوز للواقع، ومحاولة لخلق صورة ذهنية ليس عليها قيود أو حدود، والخيال لا يقتصر على تصور المستقبل في صورة أبهى وأفضل من الواقع، لكنّ هناك خيالاً للماضي أيضًا، نلجأ إليه لنستعين به على تجاوز ما في الحاضر من ألم وحسرة.

تخيلت أن لدي آلة زمن تستطيع أخذي إلى الماضي، وكنت في حيرة؛ أي العصور أختار؟ فقد مضت عصور كثيرة على مصر أردت أن أعيشها جميعًا، أردت أن أزور القصور الفخمة وأتابع كيف شيدت، والبساتين الغَنّاء كيف نُسِّقت، وأمشي في الأسواق بين عامة الشعب، وأتفقد بضائع التجار، وأستمع لحديثهم بعضهم مع بعض، ليس ذلك فحسب، بل تمنيت الجلوس في حضرة أحد الحكام، وأن يدور بيننا حديث تاريخي يربط حاضري بحاضره، ولكن إلى أي العصور أذهب؟ ومَن مِن الحكام أختار؟ فأنا أريدهم جميعًا!

• القلادة تقودَني نحو المصير
في هذه اللحظة لمستُ قلادتي الفضية التي تحمل صورة الملك فاروق على عملة من فئة العشرين قرشًا (ريال)، شعرت أنها إشارة إلى أن أذهب إليه، فأنا أحب هذا الملك وأحترمه، ولكني أخشى عليه من معرفته بالمستقبل، لما سيحمله إليه من خيبة أمل وحزن وألم. ترددت لبضع ثوانٍ، ولكن شغفي بلقائه جعلني أتخطى هذا الشعور. سوف أبحث عنه، قد أراه يجول بسيارته، أو يمتطي حصانًا أراه الآن في حديقة قصره.. سوف أهبط بالقرب منه.
ها أنا في حديقة قصره، تحيطني زهور من كل جانب، تراقص النسيم على أنغام الحياة، وأرى أمامي نافورة مياه تلهو مع قطراتها طيور تغرد ضاحكة، وأرى قرص الشمس يفيض عليها بلؤلؤٍ منثور.
ما أجمل واقع الماضي؛ شاهدت رجلين يجلسان معًا يتحدثان، أدركت على الفور أن أحدهما هو الملك فاروق. ما أجمله! إنه ليس ذلك الرجل الذي نراه في الصور المرسومة، أو تلك بالأبيض والأسود؛ هو طويل القامة، جميل القسمات، نقي البشرة، بشوش الوجه.
سوف أغلق هاتفي حتى لا يصدر صوتًا، وأنتظر قليلاً إلى أن ينتهي حديثهما. لكني لا أجد شبكة هوائية ليلتقط هاتفي منها إشارة من الأساس، صحيح، فأنا في الماضي.
قلبي يخفق بشدة، ويداي ترتعشان؛ أخاف أن يراني رجال القصر ويلقون القبض عليّ، ظنًّا منهم أنني تسللت لغرض سيئ. أحاول أن أهدأ وأراقب في صمت، وأتخيل مرة أخرى ماذا سوف يحدث عندما يراني الملك، هل سيدرك أنني من المستقبل؟ أم سيعتبرني منجمة؟
أرى الرجل الآخر يغادر، فقد أدى التحية للملك. لم أتعرف عليه، ولكن لا يهم. الآن ماذا أفعل؟ هل أتقدم إلى الملك أم أقف أراقبه فقط؟ لا، سوف أتقدم إليه قبل أن يأتيه شخص آخر.

قدماي ثقيلتان مترددتان، وقلبي يخفق خوفًا، وعقلي متحمس؛ سوف أتقدم نحوه وألقي عليه التحية الملكية، فقد شاهدتها في الأفلام والمسلسلات.

اتجه نحوه. اهدأ يا قلبي أرجوك. أرى أنه انتبه لوجودي، وبدت عليه علامات الاستغراب؛ فقد كنت أرتدي بنطالا وقميصًا، وأحمل على ظهري حقيبة جلدية، وأرتدي حذاء جلديًّا كلاسيكيًّا بكعب عالٍ. ربما هذه أول مرة يرى الملك امرأة ترتدي ملابس تشبه ملابس الرجال.. أنا أمامه وجهًا لوجه.

- صباح الخير جلالة الملك.
- صباح الخير! إنتي مين؟ وازاي دخلتي قصري؟
- هاحكي لجلالتك، وأرجوك صدقني، بستسمح جلالتك إنك تكون صبور عليّا وتِسمعني لدقائق.. أنا جيت من المستقبل يا مولانا، من عالم تاني زي ما بيقولوا، عالم بعد 72 سنة من دلوقتي؛ أنا جاية من سنة 2019 عن طريق آلة الزمن. وجلالتك دلوقتي في سنة 1945.
- شكلك غريب، ومفردات كلامك بتدل على إنك مختلفة، لكن أنا أسمعك ليه؟
- الفضول! جلالتك أكيد حابب تعرف إيه اللي ممكن يحصل بكرة؟ ما بالك بعد 72 سنة.
الملك مبتسمًا: معاكي حق، هفترض إنك صادقة وأعيش معاكي المستقبل.. احكي لي وانتي بتشربي معايا الشاي.. إنتي مين؟
- اسمي أماني، وبشتغل صحفية.
الملك: صحفية مصرية من المستقبل! شيء جميل.. تم تأسيس نقابة للصحفيين من 4 سنين، على يد علي باشا ماهر؛ أتمنى تكون أفادتكم؟
- بالتأكيد، نقابة الصحفيين أفادت كل صحفي مصري؛ أنا بشكر جلالتك، وبشكر صاحب المعالي علي باشا ماهر على تأسيسها.
- شيء عظيم.. اتفضلي، كملي كلامك.

• الملك يستفسر عن المستقبل
فجأة أصدر تليفوني صوت المنبه، وفيما أحاول أن أسكته سألني الملك ما هذا الشيء؟ وأجبته بأنه تليفون من دون أسلاك بدأ التعامل به في سنة 1997، وله امتيازات كثيرة غير الكلام، فيمكن أن نرسل من خلاله رسائل نصية، كما يمكن أن نلتقط به صورًا ونحتفظ بها دون الحاجة إلى تحميضها، بل يمكنه أن يعد فيلمًا مصوَّرًا، ويسجل أحاديث لفترات طويلة.

في هذه اللحظة رأيت أن الملك يريد أن يمسك به، وبالفعل أعطيته إياه، فسألني "فين الزراير؟" وأخبرته أنه يعمل باللمس، وبدأت أريه كيف نستخدمه. والتقطت صورة "سيلفي" مع جلالته، وبعد أن رآها تعجب وأبدى انبهاره، وبدأ يتمتم "سبحان الله! ما شاء الله! بديع جدًا هذا المستقبل".

أخبرته أن هناك المزيد من الأنواع التي تختلف في الشكل والمحتوى، كما أن لدينا ما يسمى بعصر التكنولوجيا، وهو يتضمن الكثير من الأجهزة الحديثة، مثل التليفزيونات التي أصبحت مسطحة ورقيقة مثل شاشات السينما، فيمكن لجلالتك أن تعتبر أن هناك شاشات سينما بأحجام متفاوتة في كل بيت، وهناك جهاز صغير يتحكم بها. ويوجد جهاز "اللاب توب"، وهو جهاز مقسم إلى جزأين، الأول شاشة مسطحة، والثاني لوحة مفاتيح، ونستخدمه كبديل عن الآلة الكاتبة، ويمكنه عرض بعض الملفات والصور والفيديوهات وتخزين بيانات كثيرة، وهناك المزيد من...

وهنا أدركت أن مهمتي أصبحت أسهل مع جلالته لكي نتحدث، ولكني أعتقد أن هناك مهمة مستحيلة تنتظرني حين أرغب في أن أسترد التليفون.

الملك: كملي كلامك لكن بشرط، وهو أن يكون اللقاء فيلمًا يمكنني أن أراه فيما بعد، مثل الصورة العجيبة التي التقطتِها منذ لحظات.
- حاضر.

وضعتُ التليفون في مكان مناسب، وبدأت حديثي: 
في البداية أحب أقول إن أي أخبار بنقرأها عن جلالتك وعن الأسرة بتكون مصدر بهجة لينا، أنا أعرف إن لجلالتك أربع شقيقات، صاحبات السمو الملكي الأميرات فوزية وفايزة وفائقة وفتحية.. احكي لي جلالتك، كيف هو يومهم كأميرات؟
- كانت عناية والدي رحمه الله بالأميرات في التربية والتعليم لا تقل عن عنايته بي، فقد تعهد رحمه الله بتثقيفهن وتهذيبهن، خاصة من الناحية القومية، وبعد رحيل والدي تعهدت بالاهتمام بشؤونهن الصغيرة قبل الكبيرة. يبدأ يوم الأميرات من السابعة صباحًا؛ بمجرد الانتهاء من وجبه الإفطار يبدأن في تلقي دروسهن طبقًا للبرنامج الذي وضعه والدي، فبعد الانتهاء من دروسهن الصباحية يمارسن بعض الألعاب الرياضية، ومنها ركوب الخيل؛ فهن يحببن هذه الرياضة - وهي هوايتي التي انتقلت إليهن- وكذلك التنس البينج بونج. الأميرتان فوزية وفائزة بدأتا تعلُّم قيادة السيارات، وهما بالمناسبة تحبان التصوير الفوتوغرافي أيضًا، وهذه هواية استمدتاها من والدتي، فهي تهوى التصوير، وكثيرًا ما تصورني في أوضاع عفوية مختلفة.

في تمام الواحدة بعد الظهر، يتناولن الغداء ثم يذهبن إلى غرفهن للراحة حتى الساعة الثالثة، وتستأنفن الدراسة مرة أخرى حتى السابعة مساء. وفي الثامنة يتناولن العشاء، ثم يقصدن جناح الملكة لقضاء بعض الوقت معها قبل نومهن.

• ما السن التي يبدأ فيها التعليم؟ وما المواد التي يدرسنها؟
- بدأت الأميرات دراساتهن في سن مبكرة، البداية تكون مع مربية القصر "مسز نيلور" التي تعلمهن الإنجليزية بطريقة الحديث المباشر بدءً من سن الرابعة وحتى السادسة. يبدأن بعد ذلك عهدًا دراسيًّا جديدًا، يشمل اللغات والعلوم والرياضيات والبيانو والرسم والأشغال اليدوية، إلى جانب دراسة الدين، حتى تكون ثقافتهن على أساسه وطبقًا لقواعده وتعاليمه. بعد رحيل "مسز نيلور" إلى بلدها حلت محلها "مسز أليس"، وكذلك كانت هناك السيدة عليّة عبد الكريم، والآنسة كريمة السعيد، كما أنهن يدرسن آداب اللغة الفرنسية على يد " ديموزيل آجريل"، وهي إحدى مدرِّسات كلية البنات، ومن خريجات جامعة السوربون الباريسية.

توجد أيضًا الآنسة نعيمة يوسف المتخرجة في جامعات إنجلترا، وهي تدرب الأميرات على الألعاب الرياضية كالتنس والبنج بونج، وبعض الألعاب السويدية الخفيفة. وأيضًا الأستاذ أحمد يوسف بك الذي يتولى تعليمهن اللغة العربية والديانة. يتكون البرنامج التعليمي للأميرات من 36 حصة، بمعدل 6 حصص في اليوم، عدا يوم الجمعة، فهو يوم عطلة لهن.

• هل تتدخل في اختيار صديقات الأميرات؟
- لا، فأنا أثق فيهن وفي اختياراتهن، فضلاً عن أن جميع صديقات الأميرات من بيوت عريقة، ومنهن زوجتي الملكة فريدة، والأميرتان كريمتا الأمير عزيز حسن، والآنسات كريمات حسين صبري باشا وشريف صبري باشا، والسيدة ملك ذو الفقار، كريمة معالي كبير الأمناء.

• كيف رأيتُ الملكة فريدة زوجتك بعد ذلك؟
- هي بسيطة في كل شيء، ملابسها المحتشمة، وزينتها الرقيقة، كما أنها لا تميل إلى وضع المساحيق الملونة على وجهها، فهو جميل دائمًا.

• كيف تقدمت لطلب يدها جلالة الملك؟
- أراح ظهره قليلا، وبدأ يعود للماضي: أتذكر كلماتها عندما طلبت يدها للزواج "ده شرف عظيم يا مولاي"، لتكون هذه الكلمات بداية لحياة جديدة أنعم الله عليّ بها، اصطحبتها من منزل والدها بالإسكندرية إلى منزل خالي حسين صبري باشا، لمقابلة والدتها، حيث كانت تقضي سهرتها مع أسرته، وما أن سمعت بالخبر حتى طفرت من عينيها دموع الفرح، وقالت "هذه نعمة من الله وشرف"، بعد ذلك قصدنا قصر المنتزه لمقابلة والدتي وإخبارها، وقد قابلت الخبر بالفرح والدعاء لنا بالهناء والتوفيق، وقبّلتنا، ولكن تعذرت مقابلة والدها وإخباره، فقد كان في بورسعيد ليبحر منها إلى لبنان، وما كان منه عند سماع طلب زوجته منه العودة سريعًا وإلغاء السفر إلى لبنان، إلا أن ترك كل شيء وعاد إلى الإسكندرية وهو في غاية القلق، لأن زوجته لم تخبره عن سبب طلبها، وحين علم بخبر الزواج رحب، وتم إعلان الخطبة رسميًّا.

• أسميتها "فريدة"
يواصل الملك سرد روايته: بعد ذلك فكرت في تغيير اسمها "صافيناز"، لأنه اسم تركي، وأنا كنت أرغب في أن اختار اسمًا يبدأ بحرف الفاء، لتفاؤلي به، وتم عرض أكثر من اسم، مثل "فاتن"، إلا أنني رأيت أنه من "الفتنة"، وكذلك اسم "فردوس" الذي رغم إعجابي به استبعدته لكي لا ينطقه العامة بفتح الفاء فتضيع بهجته، وفي النهاية استقريت على اسم "فريدة"؛ فهو اسم شعبي، وأنا أحب الأشياء التي لها شعبية والمتصلة بالشعب.

• مفاجآت الملك الثلاث للفريدة
يقول: في أول زيارة إلى بيت خطيبتي بعد إعلان الخطبة، اصطحبت معي ثلاث مفاجآت، الأولى خاتم الخطبة، وهو الخاتم نفسه الذي تقدم به والدي لخطبه والدتي. والثانية هي براءة الباشاوية، لحضرة يوسف بك ذو الفقار، والد خطيبتي. والثالثة فهي براءة الوشاح الأكبر من نيشان الكمال، لحضرة السيدة والدة خطيبتي. أما الهدايا التي قدمتها لخطيبتي، فكانت سيارة كاديلاك في عامها السادس عشر، ومصحفًا يعتبر تحفة فنية، فضلا عن الهدايا اليومية من الزهور النادرة والفواكه حديثة الظهور، وكذلك الطيور والأسماك التي أصطادها بنفسي.

عقب إعلان الخطبة، وجدت أن صور خطيبتي قد تسربت للصحف، وما كان مني إلا أن اتجهت إلى منزل يوسف باشا، وطلبت بكياسة جمع صورها كلها في صندوق، ثم احتفظت به، واستدعيت أحد المصورين المهرة لأخذ عدة لقطات لخطيبتي، سمحت بتداول اثنتين منها في الصحف.

من هوايات خطيبتي العزف على البيانو والرسم، وقد ورثتهما عن والدها، كما أنها تهوى الألعاب الرياضية، خاصة التنس والبنج بونج؛ وتظهر فيهما تفوقًا كبيرًا. وكانت في صغرها تحب ركوب البسكليت والقوارب الصغيرة والتجديف، وأذكر شغفها بعصافير الكناري وعنايتها بها، حتى أنها تبحث وتقرأ عن طرق تربية الطيور وكيفية العناية بها وإطعامها بنفسها؛ وقد أحضرتها إلى السراي فيما بعد.

• كيف كانت العلاقة بينك وبين الدين الإسلامي؟
- لقد تلقيت بعض الدروس في الدين والشريعة، على يد فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وأمرتُ بأن تُلقى هذه الدروس في حلقات يستفيد منها أكبر عدد من المسلمين، وأقيم أولها في مسجد الأباصيري بالإسكندرية، ولاحظت أن من حضروا كانوا فقط من الأعيان، كما أنهم حضروا بالردنجوت (البدلة الرسمية)؛ لذلك أمرت أن تكون الدعوة عامة للجميع، كما أمرت بإذاعة هذه الدروس في الراديو لكي تصل إلى أكبر عدد من عامة الشعب.

• أشارك شعبي الصلاة.. وأنا مثلهم سواء
يتابع الملك حديثه: كما شرّعت طائفة من السنن الحميدة التي لم تكن معروفة قبل عهدي، فبعد أن كان الولاة لا يشاركون الشعب في الصلاة بالمساجد إلا في المناسبات الدينية السنوية، صار شعبي يراني في صلاة الجمعة كل أسبوع، وفي مساجد مختلفة، وقد أبيت أن تفرش لي سجادة خاصة أصلي عليها، وفضلت أن أصلي وأجلس على ما يصلي ويجلس عليه كل المصلين، ممسكًا بمسبحتي أذكر الله وأسبّح بحمده وأشكره على نعمه، فكلنا أمام الله سواء. وأمرت بفرش الجامع الأزهر الشريف بأغلى أنواع السجاد على نفقتي الخاصة، على أن تكون المواد الخام مصرية، وأن تصنع بأيادٍ مصرية، بعد أن كان الجامع يفرش بالحصير طوال ألف عام. كما أنني رفضت أن يرافقني الحراس داخل المسجد، وقلت لهم "لا داعي لهذه الحراسة، فنحن هنا في حراسة الله".

أيضًا أحب أن أستهل شهر رمضان بمخاطبة شعبي من خلال الراديو، مهنئًا إياهم بحلول شهر رمضان، بادئًا حديثي معهم بـ"إخواني المسلمين"، كما شرّعت للمرة الأولى أن يضع الوزراء والمستشارون الجدد أيديهم على المصحف عند تأديتهم اليمين الدستورية.

• يعني هكون رمز!
فجأة قطع الملك حديثه، وسألني:
- إنتي لابسة ريال في رقبتك ليه؟
- لأنه أصبح رمز يا مولاي.
- رمز! ليه؟
- فيه أحداث كتير عدت على مصر، كانت نتيجتها إن عملة العصر ده عمومًا تكون رمز.
- يعني أنا كمان هكون مجرد رمز؟
- للأسف أيوه جلالتك، رمز للزمن الجميل يا مولاي!
- زمني الجميل! وزمنك انتي مش جميل؟ المفترض لو زمني جميل يبقى زمنك أجمل؟
- الجمال أصبح في الحواديت عن الماضي، التي تقصها لنا أمهاتنا وأجدادنا، عن فخامة المباني، والرقي سواء في الشكل أو في مصطلحات الكلام، والتسامح الديني والمحبة بين المسلمين والمسيحيين واليهود، اليهود اللي عددهم في مصر أصبح 8 سيدات فقط، هما ممتوش، لكن أجبِروا على ترك مصر. والكلام عن المجتمع المتحضر والأناقة وحرية المرأة في لبسها، من غير ما حد يزعجها وينتقدها.

مش بس كده، عدد سكان مصر قرّب من 100 مليون، في حين إن سكان مصر في عهد جلالتك لم يتجاوز 18 مليون؛ لك أن تتخيل حجم الكارثة وعواقبها، سعر الجنيه الذهب أصبح 5100 جنيه، وفي عهد جلالتك بـ38 قرش. سعر الدولار أصبح 18 جنيه، وفي عهدك 25 قرش. تاكسي العاصمة أصبح كئيب شكلًا ومضمونًا إن وُجِد، على عكس تاكسي العاصمة الكاديلاك في زمنكم، زمن الصيانة والمسؤولية والانضباط في كل شيء، خاصة المواعيد. دا غير الالتزام بالزي الرسمي النظيف والأنيق للبوسطجي والكمسري والمفتشين والسعاة، الالتزام بنظافة وكنس ورش وغسل الشوارع والميادين يوميًّا، الالتزام بمواعيد القطارات، وصيانة القصور القديمة، والمحافظة على تنسيق الحدائق.

للأسف الفساد تفشى، ويد الإهمال طالت الصحة والتعليم، وأفسدت الموظف الحكومي.. وحتى الجريمة، الابن بيقتل أمه، والأب بيغتصب بناته ويقتلهم، والستات بتتقتل وتُغتَصب في الشارع والناس واقفة تتفرج، الأطفال الرضع بيغتصبوهم ويقتلوهم.. وفيه كمان الإرهاب، وده مالوش دين، بيفجّر جوامع وكنائس، ويموِّت مسلمين ومسيحيين وهما بيصلّوا، ويقتل مُجنَّدين في شهر رمضان، ويموِّت سُياح أجانب؛ ويدمر اقتصاد مصر أكتر وأكتر.. هذا قليل مما تشهده مصر!
- أحمد الله أني لست ملك مصر في زمانكم.