رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المؤلفة جيوبهم.. وإعدام الإرهابيين



نكتة يتبعها استنتاج تنفيه معلومة. تقول النكتة إن كثيرين ممّن كانت قضية عمرهم، بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، هى إعدام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وكل رجال نظامه، نقحت عليهم إنسانيتهم المفرطة بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأصبحوا يرفضون تطبيق عقوبة الإعدام من الأساس. والاستنتاج، هو أن عقول هؤلاء أتلفها الهوى، والهوى غلاب. بينما ترجّح المعلومة أن يكون سبب التحول، من الأصفر إلى الأخضر، هو أن إلغاء عقوبة الإعدام أصبح يتصدّر قائمة القضايا ذات الأولوية القصوى، لدى «جهات أجنبية» تدعم، بالتمويل والمشورة، حملات التشكيك فى الأحكام، سعيًا إلى تجميد العقوبة، ثم إلغائها.
ما يقطع بنفى الاستنتاج، ويؤكد ما ترجحه المعلومة هو أن كثيرين من المؤلفة قلوبهم أو جيوبهم، الذين نراهم ينتفضون ويتشنجون مع صدور أو تنفيذ أحكام بالإعدام ضد إرهابيين، لم يكونوا معنيين بالأمر، ولم تزعجهم مئات أحكام الإعدام، التى صدرت قبل ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وقبلها صدر بالفعل ١٤٢٩ حكمًا بالإعدام، أصدرها القضاء المصرى، فى جرائم قتل عمد، قتل مقترن بسرقة بالإكراه، اختطاف، اغتصاب، مخدرات، و.. و.. ونشير بالمرة، إلى أن قانون العقوبات المصرى يتضمن ٥٩ مادة تعاقب بالإعدام على أكثر من ١٠٠ جريمة.
مع ذلك، لا أعتقد أنك سمعت أصوات المتشنجين المعترضين على العقوبة أو الرافضين لها، إلا منذ ٢٠١٤ مع بدء صدور أحكام ضد إرهابيين. وقبل ذلك، كان بعض هؤلاء يرفعون لافتات ويرددّون هتافات تطالب بتطبيق عقوبة الإعدام، كتلك التى نقلتها وكالات أنباء وصحف ومواقع إلكترونية دولية. ومن لم يرفعوا اللافتات أو يرددّوا الهتافات، صفقوا للرافعين والهاتفين، أو على أقل تقدير التزموا الصمت. ويمكنك أن تجد بسهولة تقريرًا عنوانه «فى الذكرى الأولى للثورة: الشعب يريد إعدام المشير»، نشره الموقع العربى لشبكة «CNN» فى ٢٤ فبراير ٢٠١٢. ومع التقرير، نشر الموقع صورة للافتة ضخمة يلتف فيها حبل المشنقة حول رقبة مبارك ورقاب آخرين، وتحتها عبارة «حكم الشعب»!.
قبل هذا المشهد، شهد ميدان التحرير، فى ٧ مايو ٢٠١١، محاكمة شعبية «عبثية» انعقدت برئاسة المستشار محمود الخضيرى، رئيس نادى قضاة الإسكندرية الأسبق، المسجون حاليًا. وخلال تلك المحاكمة قام بعض الأشخاص برفع «مشنقة»، أعلى المنصة التى أُقيمت بساحة الميدان. ولم تكن تلك هى المحاكمة العبثية الوحيدة، بل تلتها محاكمات كثيرة شبيهة، وكلها صدر الحكم فيها بـ«إعدام» الرئيس الأسبق وجميع المتهمين!.
ضد عقوبة الإعدام.. أم ضد إعدام الإرهابيين؟!
السؤال، كان عنوان مقالنا المنشور فى «الأهرام»، منذ سنة تقريبًا، وكانت الإجابة محسومة، استنادًا إلى ما سبق، وإلى شواهد كثيرة أكدت أن غالبية أصحاب القلوب الخضراء، الذين يرددّون أغنيات «صرخة الحرية»، كلما صدر حكم بالإعدام أو تم تنفيذه ضد إرهابيين، كانت قلوبهم سوداء أو صفراء حين أيدوا العقوبة ذاتها باللافتات والهتافات. والغريب، هو أنك لا تسمع لهؤلاء صوتًا ولا ترى لاخضرار قلوبهم أثرًا، حين تصدر أحكام ضد غير الإرهابيين ويتم تنفيذها. ويمكنك، عبر محرك البحث، أن تعرف عدد الأحكام التى تم تنفيذها ومرت فى هدوء دون أى تشنجات، خلال العام الماضى، مثلًا!.
ألبوم «صرخة الحرية» أو «Freedom Cry»، تم إنتاجه بتمويل من الاتحاد الأوروبى، وضم عددًا من الأغانى أدّاها محكوم عليهم بالإعدام، وظل محتواها أو مضمونها بعيدًا عن آذاننا، ولم نسمعها إلا بعد ثورة ٣٠ يونيو، عبر المؤلفة قلوبهم أو جيوبهم. وعليه، دعك (أى سيبك) من أى نقاش موضوعى بشأن إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها، وتجاهل ضمانات إصدار الأحكام أو ضوابط تنفيذها، فما يعنينا الآن هو فك لغز تأليف تلك القلوب وتحوّل لونها من الأسود أو الأصفر إلى الأخضر، والعكس. ولا أعتقد أنك ستكون آثمًا لو أطلّت من رأسك الظنون، تلومك وتشدّ أذنك، لأنك لم تربط ذلك بتأليف الجيوب، واخضرارها هى الأخرى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن عقوبة الإعدام لا تزال موجودة فى دول عديدة، بينها الدول الأربع الأكثر سكانًا: الصين، الهند، إندونيسيا.. والولايات المتحدة، التى تتصدر قوائم ما توصف بـ«منظمة العفو الدولية» لأبرز خمس دول تطبيقًا للعقوبة. ومع إن تلك المنظمة لديها اعتقاد بأن الصين هى الأكثر تطبيقًا للعقوبة، فإنها لا تدرجها فى قوائمها لعدم توافر أرقام. أما الأرقام الخاصة بالولايات المتحدة فتقول إنها شهدت العام الماضى، عام ٢٠١٨ إعدام ٢٥ حالة، مقابل ٣٩ فى ٢٠١٧ و٣١ حالة فى ٢٠١٦، ولا عزاء لجهود وأموال «الجهات الأجنبية»، الأمريكية تحديدًا، التى تدعم حملات التشكيك فى أحكام إعدام الإرهابيين، الإرهابيين فقط!.