رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صُنِع فى أمريكا


لم يظهر المدعو عبدالله العراقى على وسائل إعلام قطرية، تركية، أمريكية أو غيرها، ليتباكى عن نجله الإرهابى. وكان سيفعل، بالتأكيد، لو تمكنت قوات الأمن من إلقاء القبض عليه، قبل أن يتمكن من الانتحار، بتفجير نفسه. وعلى اللحن نفسه، كان سيغنى العملاء، تنفيذًا للأوامر، أو البلهاء، لمجرد ادعاء المعرفة أو التثاقف، أو لأهداف أخرى.

المذكور، طبيب يقيم فى الولايات المتحدة، منذ ما يزيد على عشرين عامًا، ويحمل جنسيتها التى يحملها أيضًا نجله «الحسن»، الذى زرع عبوة ناسفة، بدائية الصنع، كانت تستهدف نقطة أمنية متحركة، أمام مسجد الاستقامة بالجيزة، وانفجرت خلال محاولة تفكيكها، فأصابت شرطيًا وعددًا من المواطنين. وبعد أن نجحت قوات الأمن فى تتبعه ومحاصرته فى محيط الجامع الأزهر، قام بتفجير نفسه، فانتحر واستشهد معه ٣ من أفراد الشرطة، وأصيب آخرون. ولولا ذلك، لولا انتحاره، الذى رأيناه لحظة بلحظة، لكانت بكائيات والده وأكاذيب الإرهابيين والمركوبين، على رأس أولوليات وسائل إعلام تنظيم الإخوان، وأخرى أمريكية، بريطانية، ألمانية، وفرنسية، تحركها أجهزة مخابرات دولها أو دول أخرى.

الإرهابى المنتحر «صنع فى أمريكا». وعليه كانت الخارجية الأمريكية، كما جرت العادة، ستصدر بيانًا تطالب فيه بالإفراج عنه، لأنه يحمل، كباقى أفراد أسرته، الجنسية الأمريكية: «سنستمر فى المطالبة بالإفراج عنه».. «نريد أن نراه يعود إلى أسرته ووطنه الولايات المتحدة الأمريكية»، وما بين التنصيص قالته «جين بساكى»، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، فى أكتوبر ٢٠١٤، عن إرهابى أمريكى آخر، اسمه محمد صلاح سلطان، أدين فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ«غرفة عمليات رابعة». والشىء نفسه، تكرر مع آخرين كثيرين، أبرزهم آية حجازى «الناشطة الأمريكية من أصل مصرى»، كما وصفها بيان صادر عن البيت الأبيض، فى ١٦ سبتمبر ٢٠١٦، طالب فيه أفريل هاينز، نائب مستشار الأمن القومى، السلطات المصرية، بإطلاق سراحها وإسقاط جميع الاتهامات الموجهة إليها.
لغز كبير أن تكون الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة، مفتوحة على البحرى للإرهابيين، وأن تمنح جنسياتها، بمنتهى السهولة، لقادة الجماعات والتنظيمات الإرهابية وأبنائهم، والمركوبين منهم والمتعاطفين معهم، ومن تدور حولهم شبهات. بل إن التاريخ سيذكر، فى غرائبه وعجائبه، أن أبناء رئيس مصرى، حملوا الجنسية الأمريكية وأصروا على الاحتفاظ بها، واستطاعوا بالتحايل أن يفلتوا من دعاوى قضائية ستلزمهم بذلك.
مكرهين، يحمل أعضاء جماعة الإخوان الجنسية المصرية أو غيرها، ولا مانع لديهم من التنازل عن هذه أو تلك، لو صدرت لهم الأوامر بذلك. لأن «الإخوانى» لا يدين بالولاء إلا لـ«الإخوان» ولا وطن له غير «الإخوان»، ولا دين له إلا «الإخوان». وبات فى حكم المؤكد أن المنتمين للجماعة الإرهابية الأم، أو للتنظيمات الفرعية، سيواصلون إرهابهم ما بقيت أوهام تحقيق أهدافهم قائمة. ولأنها ستظل قائمة طالما بقيت أصنامهم التى يعبدون على قيد الحياة، قلنا مرارًا ونكرر: اعدموا المربوط ولمّوا السائب. ولا يعنى ذلك أننا نطالب بمخالفة القانون، إذ إننا لا نطالب إلا بالعدالة الناجزة، التى لن تحقق إلا بإحالة تلك الأصنام إلى القضاء العسكرى.
نحن أمام تنظيم إرهابى مسلح، ثبت بشكل يقينى أن العدالة الناجزة لن يحققها القضاء العادى أو الطبيعى، فى ظل قلة عدد القضاة وعدم انعقاد دوائر الإرهاب بشكل دائم، بالإضافة إلى تلك البيروقراطية المقيتة التى تدار بها المحاكم. وحتى لا تعتقد أننا خرجنا عن «مِلّة» الدول المتقدمة، أو التى توصف بأنها كذلك، أحيلك إلى قانون أمريكى معروف بـ«قانون بوش»، حرصت إدارة أوباما على استمراره، ولم نسمع أن الإدارة الحالية تنوى تعديله، يتيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، دون الإفصاح عن الأسباب أو القرائن لو كانت ستضر بالأمن القومى.
لا مكان للإرهابيين إلا فى الجحيم، وتحت هذا العنوان، كنا قد أوضحنا، منذ يومين، أن تلك هى الصيغة التى تتعامل بها الولايات المتحدة والدول الأوروبية مع الإرهابيين الذين يحملون جنسيتها. واستندنا إلى أن الرئيس الأمريكى، نتيجة لتلك الصيغة، طالب الدول الأوروبية، الأحد الماضى، باستعادة مئات الإرهابيين، من مواطنيها، المعتقلين فى سوريا، مع تهديد صريح بإطلاق سراحهم وآخر ضمنى بتركهم يتغلغلون فى أوروبا. وعليه يكون السؤال المنطقى والبديهى: لماذا ترفض تلك الدول استعادة مواطنيها، الإرهابيين، المعتقلين هناك، وتستميت لاستعادة من يتم إلقاء القبض عليهم هنا؟!
الإجابة ستجدها فى تلك الحفاوة البالغة التى استقبلت بها دول بعينها إرهابيين يحملون جنسياتها بعد استعادتهم، والتى تقول بوضوح، مع الحياة الكريمة جدًا التى تنتظرهم هناك، إن هؤلاء صنعتهم أجهزة مخابرات تلك الدول على أعينها. ومعروف أن تكلفة صناعة العميل، كتربية العبد، تزيد بكثير على ثمن شرائه.