رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة «فيشجراد».. والفرصة الضائعة


لا ردود أفعال عربية على إلغاء قمة رؤساء دول مجموعة «فيشجراد»، التى كان مقررًا أن تنعقد، يوم الإثنين، فى القدس المحتلة، بدعوة من رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، مع أن الدول العربية كانت ستخسر كثيرًا لو انعقدت هذه القمة.
إلغاء القمة، جاء بعد تصريحات أدلى بها «نتنياهو» خلال مشاركته فى «قمة وارسو» أساء فيها إلى بولندا، واتهم شعبها بمشاركة النازيين فى الجرائم التى ارتكبوها خلال الحرب العالمية الثانية. وبسبب تلك التصريحات تم استدعاء السفيرة الإسرائيلية لدى وارسو للتوبيخ، وأعلن ماتيوش مورافيسكى، رئيس الحكومة البولندية، اعتزام بلاده الانسحاب من القمة، كما أبدى الرئيس البولندى، أندريه دودا، استعداده لعقدها فى العاصمة البولندية، وارسو. وأخيرًا، قام أندريه بابيش، رئيس وزراء التشيك، بحسم الأمر وأعلن إلغاء القمة، ونقلت عنه وكالة الأنباء التشيكية أن مناقشات ثنائية ستجرى بين رؤساء دول وسط أوروبا الأربع، إلى أن يتم تحديد موعد آخر للقمة فى النصف الثانى من العام الجارى.
دول مجموعة «فيشجراد» الأربع، التى توصف بأنها «الفناء الخلفى» للاتحاد الأوروبى، كانت ضمن الكتلة الشيوعية، ومع انهيار الاتحاد السوفيتى التقى زعماء تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا، فى ١٥ فبراير ١٩٩١، فى مدينة «فيشجراد»، شمال العاصمة المجرية بودابست، وأعلنوا عن تشكيل تحالف، كان معروفًا باسم «مثلث فيشجراد»، وبانقسام تشيكوسلوفاكيا إلى التشيك وسلوفاكيا، صار المثلث مربعًا، وصار «V٤» هو الاسم المختصر للتكتل أو المجموعة التى صارت واحدة من أقوى التحالفات العسكرية والسياسية والاقتصادية فى أوروبا، بعد انضمام الدول الأربع فى أبريل ٢٠٠٤ إلى الاتحاد الأوروبى.
إلغاء قمة هذا العام، التى كان مقررًا أن تنعقد فى القدس المحتلة، يعنى ببساطة أن الدول الأربع لم تصدق مزاعم الحكومة الإسرائيلية بأن جريدة «جيروزاليم بوست» قامت بتحريف تصريحات نتنياهو حول القضية التى وصفتها بأنها «حساسة للغاية». إذ كان مكتب نتنياهو قد زعم فى بيان، أصدره الجمعة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلى قال فى وارسو إن «بولنديين تعاونوا مع النازيين»، وهى عبارة توحى بأن بعض البولنديين خلال الاحتلال الألمانى شاركوا فى قتل اليهود. بينما ذكرت الجريدة الإسرائيلية أنه قال «البولنديين»، ما يعنى أنه اتهم الأمة البولندية بأكملها.
هذا عن بولندا، أما بخصوص المجر، فلم نعرف بعد موقف رئيس وزرائها، فيكتور أوربان، من إلغاء القمة، فى ظل علاقته القوية برئيس الوزراء الإسرائيلى، التى قيل فى تفسيرها أن أوربان كان يراهن على وساطة نتنياهو من أجل إذابة الجليد بينه وبين الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب. ومع أن العلاقات متوترة بين أوربان وترامب، إلا أن الاثنين يتفقان على انتقاد جورج سوروس، الذى كثيرًا ما انتقده الرئيس الأمريكى واتهمه منذ أسابيع بتمويل مظاهرات ضد تعيين القاضى بريت كافانو فى المحكمة العليا. ولعلك تعرف أن «سوروس»، مجرى الأصل، وكان يتخذ من بودابست مقرًا لمؤسسته، حتى اضطر، فى أغسطس الماضى، إلى نقلها إلى «برلين»، بعد حملة أطلقتها الحكومة المجرية عنوانها «أوقفوا سوروس»، ظهرت خلالها ملصقات تهاجم الملياردير اليهودى، شبيهة بملصقات «اليهودى الضاحك»، التى استهدفت بها ألمانيا النازية اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
اللافت، هو أن دول المجموعة الأربع، كانت كغيرها من دول الكتلة الشرقية، قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، بعد حرب ٥ يونيو ١٩٦٧، لكن مع نهاية الثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضى، عادت العلاقات الدبلوماسية وتطورت العلاقات التجارية والاقتصادية، والثقافية، وخلال العامين الماضيين، منعت دول المجموعة قرارات ومبادرات مناهضة للسياسة الإسرائيلية، سعى الاتحاد الأوروبى إلى إقرارها. والإشارة هنا مهمة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، كان قد أعلن، خلال زيارته إلى لتوانيا، أنه يسعى إلى شق صف الاتحاد الأوروبى ومنع وجود إجماع على مواقفه بشأن عدد من الملفات، أبرزها إيران والقضية الفلسطينية. وعليه، فإن الدول العربية، كما استنتجنا، كانت ستخسر كثيرًا لو انعقدت القمة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر، تضع هذه المجموعة ضمن أولويات سياستها الخارجية. وفى ٢٠ ديسمبر ٢٠١٦ استقبل وزير الخارجية، سامح شكرى، وزراء خارجية دول المجموعة، لتثبيت آليات التشاور بين مصر والدول الأربع، فى ظل استراتيجية «فيشجراد + مصر». والأكثر من ذلك، هو أن الرئيس عبدالفتاح السيسى شارك، فى قمة يوليو ٢٠١٧ الاستثنائية، التى انعقدت فى بودابست، بدعوة من رئيس الوزراء المجرى، ليكون أول زعيم عربى يشارك فى أعمال القمة، ولتكون مصر هى ثالث دولة من خارج المجموعة تشارك فى القمة، بعد ألمانيا واليابان.