رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"زاوية ماء العينين" بالمغرب تحارب التطرف بالتصوف وترفع راية الإسلام الوسطى

زاوية الشيخ ماء العينين
زاوية الشيخ ماء العينين

تعتبر زاوية الشيخ ماء العينين، بالمملكة العربية المغربية، من أكبر الزوايا الصوفية، الضاربة فى أعماق وجذور التاريخ، ويعود تأسيس هذه الزاوية المباركة إلى الشيخ الصوفى المجاهد، ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن محمد الأمين "القلقلمى"، ويعتبر من أكبر المجاهدين الذين وقفوا بجانب الدولة، وتصدوا للاستعمار الفرنسى والإسبانى الذى حاول قديما احتلال المغرب وموريتانيا.

وتعطى السدة العلية بالمغرب، رعاية خاصة لزاوية الشيخ ماء العينين، نظرا لدورها المحورى فى التصدى للأفكار المتطرفة، ونشر الأفكار السمحة، فتنال الزاوية تأييد كبير من جلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين، خاصة أنها تعد من أكثر الزوايا نشاطًا وتصديًا للأفكار المنحرفة.

وكانت "الدستور" تجولت داخل زاوية الشيخ ماء العينين، فى زيارتها الأخيرة للمغرب، لكى تتعرف على هذا المكان المقدس الذى يذهب إليه آلاف الصوفية من المغرب وخارجه كل عام، وكان فى مقدمة المتواجدين بالزاوية الشيخ الشيخ ماء العينين لارباس القيم على الزاوية، والذى أكد لنا خلال المقابلة أن الزاوية تقوم بدور المدافع الأول عن الإسلام الوسطى فى مدينة السمارة ومناطق الصحراء المغربية، حيث أن وجود الزاوية الأم بالصحراء جعل منها منارة عرفانية كبيرة، لا يعلمها ولا يعرفها إلا الذين امتلأت قلوبهم ببركات وأنوار هذه الزوايا.

وأوضح "الشيخ لارباس" أن الزاوية ومؤسسة الشيخ ماء العينين للعلوم والتراث، تقوم بدور محورى فى نشر ثقافة السلام والتسامح الدينى، وهذا سببه الرئيسى التربية التى غرسها مولانا وشيخنا ماء العينين الأكبر فى أبنائه ومريديه الذين ينتشرون بصورة كبيرة فى كل من المغرب وموريتانيا وغيرهم من الدول الأفريقية.

وتابع: الزاوية تقيم العديد من الملتقيات الدينية كل عام، تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس، وهذا يدل على أن الزاوية دائمة نشيطة ومتحركة، لا تترك وقتا أو مجال حتى تقوم بدورها على أكمل وجه

صفاته وإشعاعه الثقافي
كان الشيخ ماء العينين عالما جليلا مؤلفا ومجاهدا، وكان يلجأ إليه الخائفون ويرد إليه الجائعون وكان مرشدا للمخطئين ورحيما بالضعفاء والمساكين، وكانت مدينة السمارة التي أسسها الشيخ ماء العينين عام 1898 محط أنظار طلاب العلم كما كانت سوق العلم بها رائجة، واقتنى الشيخ ماء العينين مكتبة من أعظم مكتبات شمال أفريقيا وأكثرها مراجع، كما شمل تأثيره كثيرا من الطلاب ممن أصبح لهم شأن ومكانة، وبلغ مريدوه إلى أزيد من 10000، وله العديد من الكرامات الربانية التي من خلالها نعرف قيمة هذا الشيخ العلامة النحرير، حيث مما يذكر من كراماته أنه ذات يوم كان هو وزيجاته وأبنائه في قافلة وعندما توقفوا لكي يستريحوا ذهب إلى خلوته كعادته فهجم بعض قطاع الطرق على القافلة، وقال لهم أحد العاملين بها إن اذهبوا إلى صاحب القافلة هناك فاستلوا سيوفهم وحلقوا حوله وقالوا إعطنا ما في القافلة، فقال يا أيتها الأرض امسكيهم فبدات تجرهم ثم عفا عنهم وأطلقتهم، فقال لهم اذهبوا يصلحكم الله قالوا وأين نذهب ونحن لا نعرف أحدا ولا نعرف من العمل إلا السرقة قال لهم اذهبوا فخرجوا وبالفعل فتح الله عليهم أبواب الخير وأصبحوا إما فقهاء أو عاملين يأخذون رزقهم بالحلال.

وهذا من أبرز تجليات العلم بالله والهيبة والتعلق بربه جل في علاه، ولم يكن يفرض على مريديه الطريقة المعينية بل كان يدرسهم الطرق الأخرى كالقادرية والتيجانية كل حسب ما يريد، كان حليما كريما شجاعا شديد البأس عند لقاء الأعداء رحيما بالناس كان كثير الصدقة، حيث إن في قدومه إلى مدينة تزنيت وزع 12000 ناقة على سكانها و6000 لتلاميذه.

الشيخ ماء العينين والجهاد
بنى مدينة السمارة واستقر فيها، ومنها قام بتنظيم وتأطير المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، ومع رجوع الشيخ من الحج بدأ الفرنسيون في استعمار موريتانيا والتوغل في أراضيها والاستعداد لجعل المغرب تحت القبضة الاستعمارية، في حين أحكم الإسبانيون قبضتهم على إقليم الصحراء، أما الجزائر فمنذ 70 سنة وهي تحت الحكم الاستعماري.
نظم الشيخ ماء العينين القبائل الصحراوية والموريتانية للدفاع لمقاومة المستعمر وسافر مرارا إلى السلطان المغربي ليسلح المقاومة، وبلغ عدد زياراته 7، أربع لمراكش وثلاث لفا، ووصل في المرة الثامنة إلى تادلة وهو في طريقه إلى فاس، ولأن الفرنسيين كانوا ملمين بنوايا الشيخ ماء العينين فقد أوعز إليه السلطان عبد الحفيظ بالرجوع من حيث أتى تحت ضغط الفرنسيين وخوفا من وقوعه بأيدي جنودهم، وقد استطاعت المقاومة أن تلحق بالفرنسيين خسائر كبيرة.