رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا مكان للإرهابيين إلا فى الجحيم



تلك هى الصيغة التى يتعامل بها الأوروبيون والأمريكيون مع الإرهابيين. وكنتيجة طبيعية لتلك الصيغة، طالب الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، يوم الأحد، الدول الأوروبية باستعادة مئات الإرهابيين، من مواطنيها، المعتقلين فى سوريا، مع تهديد صريح وآخر ضمنى.
كعادته، أكد الرئيس الأمريكى أن بلاده تفعل الكثير وتنفق الكثير. وأن الوقت حان لكى يتحرك الآخرون ويقومون بالمهمة التى هم قادرون تمامًا على القيام بها. وفى حسابه على «تويتر»، كتب ترامب: «الولايات المتحدة تطلب من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين استعادة أكثر من ٨٠٠ من مسلحى (داعش) الذين أسرناهم فى سوريا وتقديمهم للمحاكمة، لأننا سنضطر إلى إطلاق سراحهم». وأوضح أن بلاده «لا تريد أن تقف وتشاهد مقاتلى التنظيم المعتقلين فى سوريا يتغلغلون فى أوروبا التى من المتوقَّع أن يذهبوا إليها».
الكلام واضح وفاضح، ويعيدنا إلى تصريحات سبق أن أدلى بها رورى ستيوارت، وزير الدولة البريطانى لشئون التنمية الدولية، منذ شهور، وأعلنت الحكومة البريطانية أنها تتسق مع موقفها، وهى فعلًا كذلك. وكان من المفترض، فى الوضع الطبيعى، أنها لو نزلت على أقفية (جمع قفا) أصحاب نظريات أو «هلاوس» مواجهة الإرهاب بالحب والقبلات، أو الزاعمين بإمكانية احتواء الإرهابيين، لوصلت درجة حرارتها إلى «٤٥١ فهرنهايت»، ما يكفى وزيادة لإحداث «لسعة» يمكن رؤية أثرها بالعين المجردة. لكن يبدو أن هؤلاء صارت لدى أقفيتهم مناعة، جعلت النوازل (جمع نازلة) تنزل عليها بردًا وسلامًا، وإلا ما استمروا فى ترديد نظرياتهم، «هلاوسهم»، مزاعمهم، أو أى «كلام فارغ» مدفوع الثمن، أو ناتج عن أمراض نفسية.
أكثر من جريدة بريطانية اهتمت، وقتها، بتصريحات «ستيوارت» التى شدد فيها على ضرورة قتل أى بريطانى انضم لتنظيم «داعش»: القتل هو طريقة التعامل الوحيدة مع البريطانيين الذين انضموا لتنظيم «داعش»، فى كل الحالات تقريبًا، لأن ولاءهم لم يعد لبريطانيا، ولأنهم يمثلون خطرًا كبيرًا على أمن بريطانيا القومى. ومع تلك التصريحات التى نشرتها الـ«ديلى تليجراف» فى صدر صفحتها الأولى، قرأنا أن نحو ٨٥٠ بريطانيًا انضموا إلى «داعش»، عاد نصفهم إلى بريطانيا، وهناك مخاوف من عودة عدد أكبر.
الصورة اتضحت بدرجة أكبر، بتصريحات نقلتها «BBC» عن متحدث باسم الحكومة البريطانية، أكد فيها أن تصريحات ستيوارت تتسق مع موقف الحكومة البريطانية، وأشار إلى أن مايكل فالون، وزير الدفاع البريطانى، أعلن أن البريطانيين فى صفوف «داعش (هدف مشروع) للقوات الجوية البريطانية والأمريكية». كما سبق أن أعلنت تيريزا ماى، رئيسة الحكومة البريطانية، فى ٦ يونيو الماضى، أنها ستبذل مزيدًا من الجهد لتقييد حرية وحركة المشتبه فى كونهم إرهابيين، حتى لو لم تكن هناك أدلة كافية لمحاكمتهم. وبالنص قالت: «إذا كانت قوانين حقوق الإنسان لدينا تمنعنا من القيام بذلك، سنمزق تلك القوانين».
ما يثير الدهشة، أو يدعو للريبة، هو أن دولًا أوروبية عديدة، بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ما زالت تفتح أذرعها للإرهابيين، كقادة جماعة «الإخوان»، وتسمح لهم بالسيطرة على منابر المساجد وبامتلاك منصات سياسية وإعلامية، تمولها أجهزة مخابرات دول معروفة بدعمها للتنظيمات الإرهابية. وأمام تلك المعادلة المربكة، نكون أمام احتمالين: إما أن تلك الدول بـ«تستهبل» أى تدّعى الهبل، للتغطية على دعمها للإرهاب، أو أنها لم تتعلم أى درس أو استخلصت أى عبرة، من كل الحوادث الإرهابية التى شهدتها.
ليس أمامك احتمال ثالث حين تفاجأ، مثلًا، بأن السلطات الفرنسية، وأجهزتها الرقابية، ظلت نائمة طوال ثمانى سنوات، قبل أن تكتشف أن ١٠ إرهابيين، على الأقل، تحايلوا عشرات المرات على قرارات تجميد أرصدتهم المالية، وقاموا بتحويل أموال، عبر أحد البنوك الحكومية. وليس أمامك غير أحد الاحتمالين أيضًا، حين ترى رئيسة وزراء بريطانيا، نفسها، تعلن أن الإرهابى خالد مسعود، الذى قتل ٥ وأصاب عشرات، فى مارس ٢٠١٧، كان معروفًا للمخابرات البريطانية، وأنها حققت فى علاقته بجرائم متصلة بالإرهاب، وانتهت التحقيقات إلى أنه لا يشكل خطرًا.
.. وأخيرًا، إياك أن تصدق تهديد ترامب الصريح بأن قواته قد تضطر إلى إطلاق سراح الإرهابيين، الذين هدد، ضمنيًا، بإمكانية تركهم يتغلغلون فى أوروبا. إياك أن تصدق ذلك، لأن التهديدين، الصريح والضمنى، يتناقضان مع ما سبق أن أعلنه بريت ماكجورك، المبعوث الأمريكى للتحالف ضد «داعش»، بأن مهمته الأساسية هى ضمان مقتل كل مقاتلى التنظيم الأجانب. وطبعًا لن يكون لهذا الكلام أى أثر على «أقفية» لديها مناعة، قد تكون طبيعية أو مكتسبة مع مكتسبات أخرى يحصل عليها عملاء أو حلفاء الإرهابيين.