رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" تكشف سجل مخالفات عمرو كمال فى البنك العقارى المصرى العربى

جريدة الدستور

حصلت «الدستور» على وثائق ومستندات تكشف بالتفاصيل وجود تلاعب ومخالفات فى أوراق بعض الكيانات التابعة لـ«البنك العقارى المصرى العربى»، خاصة «شركة العقارى للتنمية السياحية» المعروفة باسم «أديت»، والتى تملك فندق «لونج بيتش» الغردقة.
وتشير المستندات الرسمية، التى تنفرد «الدستور» بنشر نسخة منها، إلى تورط بعض مسئولى البنك، وعلى رأسهم عمرو كمال، رئيس مجلس الإدارة، فى عمليات إهدار المال العام، مع وجود شبهة تزوير لبعض المستندات من أجل التغطية على استغلال المناصب من أجل تحقيق مصالح شخصية. كما ترصد المخالفات تحويل الكيانات التابعة لـ«البنك العقارى المصرى العربى» إلى ملكية خاصة، تخضع للإدارة العشوائية للمسئولين بما يتضمنه ذلك من شراء نفس قطع الأراضى أكثر من مرة، بالإضافة إلى حصول بعض أصحاب الحظوة والأقارب على امتيازات خاصة، على حساب شركات البنك.

التلاعب يبدأ من المحاضر الوهمية لمجالس إدارة «أديت».. والقرارات تتخذ فى «اجتماعات على الورق»
أولى المخالفات التى ترصدها «الدستور» تتعلق بالتلاعب فى الأوراق الرسمية التى تخص اجتماعات مجلس إدارة شركة العقارى للتنمية السياحية «أديت»، المالكة لفندق «لونج بيتش الغردقة»، التى تتبع البنك العقارى المصرى العربى.
ويكشف المستند الأول، الموقع من عمرو كمال، رئيس مجلس إدارة البنك، رئيس مجلس إدارة الشركة بالتبعية، عن حضوره الاجتماع الأول لمجلس الإدارة الجديد لشركة «أديت» الذى انعقد يوم الأحد الموافق ١٧ ديسمبر ٢٠١٧، فى مقر البنك الكائن بـ٧٨ شارع جامعة الدول العربية - المهندسين- الجيزة.
والمفاجأة أن محاضر مجلس الإدارة الموثقة والمختومة بختم النسر، والموقعة أيضا من عمرو كمال، تذكر أن هذا الاجتماع الأول لمجلس الإدارة انعقد يوم الخميس ١٤ ديسمبر ٢٠١٧، بمقر الشركة فى ٥ شارع النصر – مدينة نصر – القاهرة، والفارق بين التاريخين هو ٣ أيام كاملة.
والغريب أن محضر اجتماع يوم ١٤ تضمن فى الصفحة الثالثة الإفادة التالية: «أقر أنا عمرو فؤاد كمال، رئيس الاجتماع، بأننى مسئول مسئولية قانونية كاملة عن صحة ما ورد فى هذا المحضر من بيانات ووقائع وإجراءات انعقاد، وذلك فى مواجهة الغير والمساهمين أو الشركاء بالشركة والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة».
هذا التلاعب فى التاريخين وفى مقرى الاجتماعين، لا يمكن اعتباره مجرد مخالفة إجرائية بسيطة، بل يكشف عن محاولة لإخفاء شىء ما عن العيون، خاصة أنه من غير المعقول أن ينعقد مجلس الإدارة المذكور مرتين خلال ٣ أيام فقط، دون داعٍ واضح يجب إثباته بالمستندات والمحاضر.
ولفهم ما يعنيه التضارب بين التاريخين، تأكدنا- عبر مصادرنا- أن الخميس الموافق ١٤ ديسمبر ٢٠١٧، لم يشهد انعقاد اجتماع لمجلس الإدارة من الأساس، كما أنه وعلى مدار عام كامل لم يشهد مقر الشركة الكائن فى ٥ شارع النصر– مدينة نصر– القاهرة، عقد أى اجتماعات على الإطلاق.
كما تأكدنا أن جميع اجتماعات مجالس الإدارة بلا استثناء تنعقـد على أرض الواقع بمكتب رئيس مجلس إدارة البنك العقارى المصرى العربى، الكائن فى ٧٨ شارع جامعة الدول العربية- المهندسين- الجيزة.
ورغم ذلك، فإن الثابت بالمستندات، من واقع صورة الصفحة الرابعة من السجل التجارى للشركة، أن الدعوة لانعقاد أول اجتماع لمجلس الإدارة الجديد للشركة مؤرخة بتاريخ ١٣ ديسمبر ٢٠١٧، ومزيلة بتوقيع عمرو فؤاد كمال، رئيس مجلس الإدارة، وأنها تضمنت صورة من كشف حضور الأعضاء لمجلس الإدارة فى جلسته التى انعقدت بتاريخ ١٧ ديسمبر ٢٠١٧.
كما تثبت المستندات أيضا وجود صورة لمحضر اجتماع مجلس الإدارة المنعقد بتاريخ ١٤ ديسمبر ٢٠١٧، فى مقر الشركة بمدينة نصر، وهو موقع أيضا من عمرو فؤاد كمال ومختوم بختم النسر، رغم أنه كما تأكدنا لم ينعقد من الأساس.
ولحل هذا الغموض، اطلعنا على صورة من محضر اجتماع مجلس الإدارة التالى، فى جلسته رقم ١ لسنة ٢٠١٨، والذى حمل تاريخ ٤ يناير ٢٠١٨، وانعقد كالعادة بمقر البنك العقارى المصرى العربى فى المهندسين.
ولاحظنا أن البند الأول من محضر هذا الاجتماع تضمن اعتمادًا لمحضر مجلس الإدارة السابق، المنعقد بتاريخ ١٤ ديسمبر ٢٠١٧ بالتحديد، دون ذكر اجتماع ١٧ ديسمبر وبنوده.
والسؤال الآن: أى الاجتماعين انعقد فعلا على أرض الواقع.. اجتماع ١٤ أم اجتماع ١٧؟، وأيهما جرى فيه اتخاذ القرارات بحضور كل أعضاء المجلس؟، ولماذا يوجد هذا التضارب فى مستندات رسمية للبنك موقعة من رئيس مجلس إدارته؟. وأخيرا، وإذا سلمنا بتعمد التلاعب: من المستفيد من هذا التضارب؟ وما القرارات التى أراد البعض تمريرها فى «أديت» دون إطلاع الباقين عليها واعتمدت بتاريخ ٤ يناير؟، هذه الأسئلة وغيرها نتركها للجهات المعنية ولمن يهمه الأمر.

إهدار المال العام عبر شراء أرض الغردقة.. ورفع مديونية الشركة إلى مليار جنيه دون مبرر
الواقعة الثانية، فى أوراق شركة «أديت»، تثبتها مستندات تتعلق بتعمد البعض إهدار المال العام، عبر شراء نفس قطعة الأرض، الكائنة إلى جوار فندق «لونج بيتش الغردقة» أكثر من مرة، خلال عدة سنوات فقط.
وبدأت وقائع هذه القضية عام ٢٠٠٥، عندما آلت ملكية فندق «لونج بيتش الغردقة» إلى البنك العقارى المصرى العربى، من خلال تسوية مديونية مجموعة شركات «المهندسون المصريون»، فأصبحت الشركة المالكة للفندق تحمل اسم شركة العقارى للتنمية السياحية «أديت».
وفى ١٤ سبتمبر ٢٠٠٥، أصدرت الهيئة العامة للتنمية السياحية قرار التخصيص النهائى رقم «١٠٢»، والذى تضمن تخصيص قطعة الأرض الخلفية ومساحتها نحو ٥٩٧٠٥ أمتار مربعة، كأرض امتداد للفندق. وفى ١٦ يناير ٢٠١٣، صدر قرار تخصيص جديد حمل رقم «٣»، وتضمن إضافة زوائد تنظيم للأرض الخلفية، وتبلغ المساحة الجديدة نحو ٣٢٩٤ مترًا مربعًا، وعليه أصبح إجمالى مساحة الأرض الخلفية للفندق نحو ٦٣٠٠٠ متر مربع، وسددت الشركة قيمة الأرض بالكامل، والذى بلغ نحو ٦٧٣ ألف جنيه. وفى ١٤ مايو ٢٠١٣، وافقت الهيئة العامة للتنمية السياحية على مد الجدول الزمنى المتاح من أجل بناء وتطوير قطعة الأرض الخلفية للفندق حتى ٧ يناير ٢٠١٧، نظرا لعدم التزام الشركة بتنفيذ الامتداد للفندق، نظرًا لظروف السياحة السيئة، التى كانت البلاد تمر بها.
ونتيجة لعدم التزام الشركة بتنفيذ بنود التخصيص، قررت الهيئة فى ١٨ أبريل ٢٠١٧ إلغاء قرار التخصيص السابق، ما دعا الشركة للتقدم بالتماس لمراجعة القرار إلا أنه رفض.
ومع تعيين مجلس الإدارة الجديد لشركة «أديت» تم تنسيق اجتماع خاص مع وزيرة السياحة، فى حضور مسئولى هيئة التنمية السياحية، من أجل النظر فى إعادة تخصيص الأرض الخلفية للفندق، خاصة أن الشركة سبق أن سددت قيمة الأرض بالكامل.
وفى الاجتماع أشار مسئولو الشركة إلى أن تأخيرهم فى أعمال الامتداد والتوسع على الأرض الجديدة يرجع إلى ظروف السياحة التى سببت تراجعا عن ضخ الاستثمارات الجديدة، بالإضافة إلى تحمل تكلفة تطوير فندق «لونج بيتش الغردقة»، وغرفه الـ٥٠٠. ونتيجة لذلك، وفى ٧ نوفمبر ٢٠١٨، أصدرت الهيئة قرارًا جديدًا بالموافقة على استمرار التخصيص للأرض الخلفية للفندق، بشرط سداد مبلغ إضافى يزيد على ٣١ مليون جنيه، على ٧ أقساط سنوية، على أن يتضمن القسط الأول نحو ٤.٥ مليون جنيه، وأن يسدد قبل تاريخ ٧ ديسمبر ٢٠١٨. ورغم ضخامة المبلغ، لم تلجأ الشركة من الأساس إلى التظلم بذريعة سدادها السابق لقيمة الأرض، كما أن مسئوليها لم يطلبوا تخفيض المبلغ الجديد، وهو الأمر الذى كان ممكنًا، خاصة أن قطعة الأرض المذكورة لا يمكن بيعها أو تخصيصها لغير فندق الشركة، لكونها دون مداخل أو شاطئ خاص. الأمر الغريب أن هذا الشراء الثانى لنفس قطعة الأرض، حصل على موافقة جميع أعضاء مجلس الإدارة، ما ورط «أديت» فى التزام مالى كبير، رغم أنها مدينة من الأصل بمبلغ يزيد على ٥١٢ مليون جنيه مصرى، هو قيمة قرض من أحد البنوك.
بالإضافة إلى ذلك، لم يوضح مجلس الإدارة لحملة الأسهم كيفية تدبير الموارد المالية الإضافية من أجل تنفيذ أعمال بناء امتداد الفندق على الأرض الجديدة، والذى يستلزم تدبير رقم لن يقل بحال عن ٤٠٠ مليون جنيه، بحساب سعر التكلفة الحالى.
والسؤال: من أين ستأتى الشركة بهذه الأموال التى تصل إلى مليار جنيه، هى مجموع سعر الأرض والقرض الحالى وتكلفة البناء الجديد؟، وهل يعقل أن الشركة التى تحقق خسائر مالية لخمس سنوات متتالية ستصبح قادرة فجأة على تحويل خسائرها لأرباح.. أم أن المسألة كلها تتعلق بعشوائية القرارات؟، هذا بالطبع إذا لم نتحدث عن الفساد.

استغلال فندق الشركة بالغردقة لإقامة الأقارب.. وإقالة المعترضين على وقائع الفساد
الواقعة الثالثة تتعلق باستغلال المسئولين فندق «لونج بيتش الغردقة» باعتباره ملكية خاصة، وحصول بعض الأقارب على حق الإقامة والحصول على الامتيازات دون وجه حق ودون سداد التكاليف.
وتكشف المستندات عن إقامة إنجى عمرو كمال، ابنة رئيس مجلس إدارة الشركة والبنك، بالفندق مرتين، بصحبة زوجها وأبنائها، لقضاء إجازة خاصة، ثم الرحيل عنه، دون سداد الفواتير.
الإقامة الأولى للأسرة بالفندق، كانت لمدة ١٠ أيام، فى الفترة من ١٩ إلى ٢٩ يوليو ٢٠١٨، وهو ما يثبته الحجز رقم ١٦٥٨٠١، وأقامت الأسرة بالجناح رقم ٢٠٣، بالمبنى الرئيسى للفندق، والذى يبلغ سعر الليلة الواحدة فيه ١٠٠٠ جنيه، شاملة الوجبات والمشروبات والضرائب.
أما الإقامة الثانية، فكانت فى الفترة من ١٧ إلى ٢٥ أغسطس ٢٠١٨، ولمدة ٨ أيام، وهو ما يثبته الحجز رقم ٢٢٣٥٧٨، وأقـامت فيه الأسرة فى الجناح رقم ٣٠٥، بالمبنى الرئيسى، والذى يبلغ سعر الليلة الواحدة فيه ١٢٠٠ جنيه، شاملة الوجبات والمشروبات والضرائب.
الغريب فى الأمر، أن سعر الإقامة فى المرتين جاء وفقًا للتخفيض المخصص للعاملين فى الفندق وموظفى البنك المالك له، رغم أن إنجى وزوجها من غير العاملين بالشركة أو البنك، ما يعنى عدم أحقيتهما بالحصول على التخفيض والسعر المذكور.
والأكثر غرابة أن الأسعار المذكورة هى أسعار الغرف العادية بعد التخفيض، وليست أسعار أجنحة الفندق، التى يبلغ سعرها ٣ أمثال ذلك.
ورغم ذلك، لم تلتزم الأسرة بسداد كامل السعر المخفض، ففى المرة الأولى، سددت إنجى وزوجها مبلغ ٧٥٠٠ جنيه فقط عن طريق بطاقة «ماستر كارد»، من إجمالى المبلغ الوارد فى الفاتورة رقم ١، والذى يصل إلى ١٢٥٠٠ جنيه.
ولتسوية الحسابات، اضطر المهندس محمود المغربى، عضو مجلس إدارة الشركة، والمسئول عن إدارة الفندق وقتها، إلى سداد باقى المبلغ والذى يصل إلى ٥٠٠٠ جنيه نقدًا، من أجل إنهاء المسألة وإغلاق الحساب.
أما فى المرة الثانية، فسددت الأسرة ٦٥٢٠ جنيهًا فقط، من إجمالى قيمة الفاتورة رقم ٢، المقدرة بنحو ٩٧٢٠ جنيهًا، لذا تولى المغربى من جديد سداد باقى المبلغ، الذى يصل إلى نحو ٣٢٠٠ جنيه نقدًا، من أجل إغلاق الحساب.
الأكثر غرابة، كان ما طلبه عمرو كمال، رئيس مجلس الإدارة من محمود المغربى، مدير الفندق وقتها، من أعمال تجديد للجناح الذى اعتادت ابنته النزول به من أجل زيارتها المقبلة، وهى الأعمال التى تتكلف نحو ١٠٠ ألف جنيه.
ومع اعتراض المغربى على الطلب، باعتباره إهدارًا للمال العام، قرر مجلس الإدارة بشكل مفاجئ الاستغناء عن خدماته، رغم كونه خبيرًا سياحيًا، نجح أثناء إدارته للفندق فى تحقيق أرباح تبلغ ٢١ مليون جنيه، لأول مرة فى تاريخه.
فى المقابل، عين عمرو كمال شخصًا مقربًا منه يسمى أمير عباس، باعتباره ممثلًا للبنك العقارى فى الفندق، رغم أن هذا الشخص لم يعمل فى البنك إلا منذ ٤ أشهر فقط، وكان واحدًا من بين ٢٠٠ موظف، عينهم كمال خلال ٦ أشهر فقط، ضمن سلسلة من التعيينات المريبة.
ورغم أن خبرات أمير عباس تنحصر فى مجال الملاحة، إلا أن رئيس مجلس الإدارة أسند إليه فور تعيينه منصب نائب المدير المالى للبنك، ثم اضطر مع رفض كبار العاملين فى البنك لذلك، بسبب عدم خبرته، إلى نقله للوظيفة الجديدة فى فندق الغردقة، الذى يقيم به حاليا مع أسرته، على حساب البنك أيضا.
فى الفندق اعتاد العاملون والموظفون على إطلاق اسم «أمير البحار» على ممثل البنك العقارى، مشيرين بذلك إلى عدم خبرته فى إدارة المنشآت السياحية، بالإضافة إلى قضاء معظم وقته فى اللهو والرحلات، التى لا يتحمل أيًا من تكاليفها.