رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافى يكتب: برسيم الحمير فى حديث التعديلات


سأكون كاذبًا إن قلت لك إننى مع التعديلات الدستورية، ولن تصدقنى إن أقسمت لك بأننى فى غاية الخجل مما يحدث حولها، من جدل ولغط ونميمة وكلام فى غرف النوم وخارجها، الكل يتاجر بقضية لا تعنى أحدًا سواهم، فلا الرافض للتعديلات يمتلك بديلًا لما يعترض عليه، ولا المؤيد يرى فيها مصلحة أعلى من مصلحته الشخصية.
هذا موسم «الحش»، والحش، أعزك الله، كلمة يستخدمها أهلنا فى الفلاحين، فالبرسيم الأخضر الذى ينبت وإلى جواره نباتات طفيلية صغيرة يتم «حشه» وتقطيعه بأداة مسنونة ليكون طعامًا سائغًا للحمير والأنعام بشكل عام، و«موسم الحش إن بانت له أمارة.. ما تجحش مع الحمارة» أى لا تجادل مع الحمير وأربابها، ذلك أن النخبة من المثقفين والنشطاء والحقوقيين والموظفين الذين أصبحوا يتحدثون فى السياسة هم الذين شيطنوا كل شىء وأفسدوا كل شىء، عجنوا كلمة «الديمقراطية»، وبال بعضهم على مصطلح «الحرية» وجعلوه «مواسم للحش» والرغى المجانى، وصنعوا حاجزًا كبيرًا بين السُلطة والشعب، ولا أظن أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يحتاج أحدًا منهم، فلم يكن أحد بجواره حين خرج يحمل كفنه على يديه ليواجه أشرس عصابة حكمت مصر، فعلها وتحمل عقباتها، وهتف المصريون باسمه وصنعوا له الصور وعلقوها فى السيارات والشوارع، وظلوا ينتظرون ظهوره على الشاشة ليتحدث إليهم ويونس أيامهم التى امتلأت رعبًا وخوفًا فى عهد المعزول وعصابته، كان حدثًا عظيمًا فى تاريخ مصر الحديثة، وظلت أصداؤه ترن فى الآذان والبيوت والنوادى، و«السيسى» هو تميمة الفرحة الجديدة، والرجل الذى أعاد لمصر هيبة مؤسساتها وكرامة مواطنيها الذين عاشوا أسوأ مراحل حياتهم، حتى انقشعت جماعة العنف والقتل مع وجوه قياداتها المتجهمة الكريهة، لكن بقيت ذيول العقارب تتاجر بهذا الحدث العظيم وتحوله إلى «كلام» ورغى عن الديمقراطية والهجص الليبرالى، شلة من أدعياء الثقافة والمتاجرين بحقوق الإنسان ونشطاء المصلحة ومنافقى السلطان قرروا تشويه الصورة التى أعادت لمصر هويتها وروحها، وابتكر المخنثون وهواة توقيع العقود الإعلامية مع الفضائيات مصطلحات «الديمقراطية من الداخل.. والإقصاء من الجانب.. والاستبداد من الخلف...»، وتوزعت الأدوار الجديدة للباحثين عن فرصة عمل فى الإعلام والصحافة المضادة، وهرب أنصاف الموهوبين يبحثون عن فرصة الظهور كنجوم معارضين لمصر وشعبها، وبرقت الدولارات فى صحف وفضائيات التمويل القطرى والتركى، ونشطت السفارات فى تجنيد صبيان يكتبون بكائيات عن حقوق القتلة والإرهابيين، وعادت فلول مبارك تبحث هى الأخرى عن دورٍ لها فى العهد الجديد، ليس حبًا للوطن ولا إيمانًا بما فعل الجيش المصرى، وليست قدرة على مواجهة معسكر الأعداء الجدد، بقدر ما هو انتقام من «يناير»!.. والذين تراهم اليوم بكثافة فى موسم «الحش»، والذين تراهم لأول مرة هنا أو هناك، والذين يرتبكون وهم يقرأون نصوص مواد الدستور، وأولئك الذين يجيدون اختيار المفردات والتعبيرات.. هم كل هذا الهجين البليد الذى لم يناقش بناء مصانع أو إعادة تشغيل المتوقف منها، لم يبحث عن فرص عمل للشباب، أو يقاتل من أجل تأمين حياة الباعة الجائلين، لم يجتمع إلا للضجيج، لا تعنيهم التعديلات الدستورية ولا نتائجها بالسلب أو الإيجاب، هم الآن فى «موسم الحش»، وكما قال فؤاد حداد، وكما نصحتك فى البداية، «موسم الحش إن بان له أمارة.. ما تجحش مع الحمارة»، وأجلس بعيدًا عن أكاذيبهم ربما ترى معى تلك المشاهد التى عشناها وما زالت محفورة فى وجدانى بشكل شخصى، ومتوفرة على مواقع البحث الإلكترونى إن شئت الاستزادة مما حدث:
خرجت قرية كاملة برجالها ونسوانها وعيالها على رجل قال الإخوان إنه «شيعى»، فسحلوه فى الشوارع ومزقوا ملابسه وتركوه عاريًا غارقًا فى دمائه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ساعتها كانت مصر كلها تدخل دائرة الخطر، الذى يفوق خطر الاحتلال والاستعباد، عمليات قتل وترويع امتدت من قطع أذن فى المنيا إلى إلقاء الأطفال من أعلى البنايات فى الإسكندرية، الملتحون والمنتقبات تصدروا المشهد اليومى، الإرهابيون والقتلة يخرجون من السجون، الدواعش ملأوا سيناء، الحرس الإخوانى انتشر فى الشوارع والمساجد والمحلات، وفى حالة استعداد لسحل وتعذيب من يقترب من عرش مرسى فى الاتحادية، كانت مصر تفقد هويتها، فالسيادة أصبحت لمن يدين لمرسى ويطيع أوامر جماعته، الذين أصبحوا وزراء وقضاة وتربعوا على قمة الإعلام والصحافة، وانجرف كثير من المثقفين والإعلاميين فى تيار «الأخونة»، الذى سيطر على مصر بلهجات وتعبيرات ابتكرها صبيان جمعيات حقوق الإنسان، ومدلسو العهد الجديد من سياسيين ونشطاء وباحثين عن منصب وجاه وسلطان، فى ظل الرعاية الإخوانية التى قررت مطاردة كل معترض أو متمرد، وارتفع صوت مشايخها وهددوا المصريين على الشاشات «اللى مش عاجبه يسيب البلد»!، وظهرت وجوه تتحدث باسم ثورة يناير، وتتاجر بدماء الشهداء، وهى تنحاز إلى جماعة القتل والترويع للمصريين!، كان الكابوس جاثمًا على صدرى وصدور المصريين، حتى جاءت البشارة، وكانت عزيزة وستظل كذلك، فمصر التى تخلصت من دولة دينية تعصف بأعدائها المصريين وتستخدم الدين فى قتلهم وترويعهم لن تعود إلى من حاولوا حجب نورها ووضع النقاب على عقلها، وستظل يونيو فجرًا مصريًا خالصًا فى وجدانى وعقلى، مهما تعددت ألسنة المتحولين والمنقلبين والمتاجرين والمنافقين والمتأسلمين والوسطيين والنخبويين.. ومهما تعددت مواسم الحش.