رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأسطورة فرحة الشناوي.. أول سيدة تحصل على وسام «ضابط عظيم» من فرنسا: عرفت الإسلام فى مدرسة الراهبات

جريدة الدستور


الله أعطانى كل شىء من حب الزوج والأولاد والطلبة.. وأتمنى أن أقابله بعمل طيب
كنت أتمنى الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية إلا أن رغبة والدىّ دفعتنى للطب



مسيرتها حافلة بالإنجازات والعمل منذ أن بدأت خطواتها الأولى فى الدقهلية، حتى حصولها على العديد من الجوائز والتكريم. هى الدكتورة فرحة مأمون الشناوى، أستاذ المناعة ونائب رئيس جامعة طب المنصورة الأسبق، مؤسسة أول مركز فى مصر لأبحاث الخلايا الجذعية بالكلية. مؤخرًا منحتها فرنسا وسام «ضابط عظيم» لجهودها المتواصلة التى عملت من خلالها على تعزيز التعاون المشترك بين مصر وفرنسا، لنحو ٣٠ عامًا، خاصة فى المجالات الطبية، والثقافية، والاجتماعية، وهى المرة الأولى فى تاريخ فرنسا التى تمنح فيها سيدة هذا الوسام، وكرمها الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال احتفالية «الأمهات المثاليات» لعام ٢٠١٨. «الدستور» التقتها فى حوار خاص تحدثت فيه عن نشأتها، ومسيرتها الحافلة بالعطاء، وعرّجت على تفاصيل حياتها الشخصية، وغيرها من الكواليس التى نطلع عليها فى السطور التالية.




■ ماذا عن نشأتك وأسرتك وكيف أثرت عليك؟
- جمعت عائلتى بين الدين والثقافة، والفن والعلم، فجدى هو العالم الجليل الشيخ محمد مأمون الشناوى، الذى تولى مشيخة الأزهر عام ١٩٤٨، وعُرفت عنه مواقفه الخالدة الدينية والوطنية، فمُنح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى العيد الألفى للأزهر الشريف، كما أن أسرتى مثقفة ومتدينة، التدين الذى يهذب الروح، أى نعلم الأصول والحلال والحرام، وليس التدين الشكلى. والدتى لم تكن محجبة، لكنها كانت تقية جدًا، كما أنها ارتدت الحجاب بعدما أدت فريضة الحج، لأن ارتداء الحجاب لم يكن منتشرًا فى مصر وقتها.
أنا نشأت فى أسرة تهتم كثيرًا بالتعليم، وأصرت على تعليمى أنا وشقيقتى بمدرسة راهبات تُدعى مدرسة العائلة المُقدسة بالمنصورة، ولا تزال هذه المدرسة موجودة، وعمرها ١١٠ أعوام، وكانت تجربة مميزة جدًا فى حياتى، لأن القائمين على التعليم كانت لديهم رسالة تربوية قبل أن تكون تعليمية، وكانوا يهتمون بالأنشطة، وكل هذا أثر على نشأتى، فلم يكن لدينا أى مشكلات سلوكية نهائيًا، لذا تفوقنا فى الدراسة.
■ هل تتذكرين موقفًا بعينه أثناء دراستك بمدرسة الراهبات؟
- بالطبع، أنا أتذكر جميع المواقف، وكأن ما حدث كان بالأمس، فالأساتذة وجميع المسئولين أصحاب فضل كبير جدًا علىّ، وتعلمت منهم أشياء كثيرة، حيث تعلمت منهم تقبل الآخر والصدق، وإتقان العمل. زرعت المدرسة فىّ القيم والأخلاق، وهى نفسها تعاليم الإسلام، إلا أنها كانت تعاليم تربوية وأخلاقية قبل أن تكون دينية بالنسبة لهم. وأفضل ما أذكره من هذه الفترة هو المساواة فى المعاملة دون التمييز بين طالبة وأخرى، وإعطاء كل ذى حق حقه، وعلى رأس هؤلاء «المير أديل» مديرة المدرسة، التى أصرت على وضع صورنا فى تقرير صحفى نشرته مجلة المنصورة، رغم أن كاتب التقرير لم يكن مهتمًا بالأمر، فتعلمت من هذا الموقف العدل.
■ كيف كانت علاقتك بوالديك؟
- والدتى، رحمة الله عليها، كان لها الفضل الكبير علينا، فكانت مثقفة جدًا، وتزوجت من والدى الذى كان يعمل مستشارًا بمحكمة الاستئناف، وقت أن كانت طالبة بكلية الحقوق، لذا لم تُكمل تعليمها، وعملت على تربيتنا بشكل صحيح.
أنا مدينة لها بالكثير، فقد كانت تشجعنى دائمًا لأحقق أحلامى، وكانت فخورة بى، ولولا وجودها فى حياتى لم أكن لأصل لما أنا عليه الآن، إذ كانت الداعم لى، ولأولادى، فى جميع مراحل حياتى، وجزءًا أساسيًا من رحلتى، أنا مدينة لها ولزوجى الذى دعمنى طوال مشوار حياتى. أما والدى فقد كان يعرف كيف يتعامل معنا، مرة بحزم، ومرات باللين والرفق، ولا أذكر أنه عاملنى بعنف، أو أنه كان قاسيًا فى أى موقف، كان يمزج بين الحزم والجدية الشديدة بالحنان المرسل، وينصحنا بشكل غير مباشر، ويحرص على توصيلنا لمدارسنا.
■ لماذا وقع اختيارك على الدراسة فى كلية الطب دون غيرها؟
- فى الحقيقة لم أكن أنوى أن ألتحق بكلية الطب، وكنت أتمنى أن ألتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لأصبح سفيرة، إلا أننى علمت أن والدىّ كانت لديهما رغبة منذ الصغر أن أكون طبيبة، لذا قررت دخول كلية الطب.
■ ما الصعوبات التى واجهتك فى حياتك؟
- كنت طالبة بمدرسة تعتمد على اللغة الفرنسية كلغة وحيدة، ولم أدرس الإنجليزية بشكل جيد إلا بعد الثانوية، عندما أدخلنى والدى الجامعة الأمريكية لكى أكمل تعليمى، وفى هذا الوقت لم تكن لغتى الإنجليزية جيدة، وفوجئت بالأساتذة يدرسون كل المواد بهذه اللغة. واجهت هنا صعوبة كبيرة فى الفهم، وكتابة المحاضرات، وكانت هذه المرحلة صعبة جدًا، وهناك موقف آخر لا أنساه هو رؤيتى جثة للمرة الأولى، أثناء دراسة الطب، كانت تجربة قاسية، لأن الجثث كانت حقيقية، وكان هذا بالنسبة لى كارثة. الموقف كان شبيهًا بما رصدته الأفلام السينمائية وأكثر، لأننى لم أحتمل الموقف وشكل الجثة وفقدت الوعى، لكن بعد فترة تداركت الموقف بمساعدة مجموعة من أصدقائى المخلصين، وكنا نعمل على الاستعانة بجزء من الجثث، وهم من تولوا مذاكرة مادة التشريح، والحقيقة أننى بذلت جهدًا جبارًا فى هذه المادة.
■ لماذا تخصصتِ فى دراسة الطب المناعى؟
- كنت أفضل التخصص فى شىء بعيد عن آلام المرضى، لأننى لا أتحمل هذا، وبعيد عن رؤية الدم والعمليات والنزيف، بجانب شغفى بالبحث العلمى، فتخصصت فى دراسة الطب المناعى. وسافرت إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه عام ١٩٨١، حيث تتلمذت على يد أحد الأساتذة الحاصلين على جائزة نوبل، وعدت إلى مصر، وتدرجت فى العديد من المناصب، وكنت أول سيدة تشغل منصب عميد كلية الطب بجامعة المنصورة، وأول سيدة تتولى منصب نائب رئيس الجامعة، والآن أنا مقررة المجلس القومى للمرأة بالدقهلية، نظرًا لإسهاماتى فى تبنى قضية تمكين المرأة الريفية اقتصاديًا، وتنمويًا، واجتماعيًا.
■ ما الذى كنت تحرصين عليه فى التعامل مع طلابك بالجامعة؟
- كنت أحرص على التعامل بكل الحب والاحترام، وتقدير الظروف الخاصة لكل فرد منهم، وأعلم جيدًا أن الطلاب هم أجمل ما فى الكلية، لما لديهم من قدرات كبيرة وخيال، لذا يجب التعامل بحب دون تعالٍ. والحمد لله عندى مواقف إيجابية كثيرة، أثناء عملى أستاذة، ووكيلة، وعميدة، ونائب رئيس الجامعة، وأعتقد أننى اجتهدت لأكون عادلة مع الطلاب.
■ ماذا عن قصة الحب التى جمعت بينك وبين زوجك الدكتور محسن على الشربينى؟
- زوجى، رحمة الله عليه، كان زميلى بكلية الطب، ويكبرنى ببضعة أشهر، وشدتنى له مواقفه مع زملائه ومعى فى تعاملنا كطلاب، وبعد مرور عدة أشهر على صداقتنا، طلب أن يزور أهلى، وتقدم لخطبتى.
لم يرحب أهلى به فى البداية، لكن بعد فترة أحبوه، والحمد لله أن أتم زواجنا، وأكرمنى بأسرة جميلة.
■.. وماذا عن أسرتك الصغيرة؟
- لدىّ ٣ أبناء، هم: الدكتور شريف، أستاذ مساعد فى معهد الهندسة الوراثية بالسادات، والدكتورة دينا، بكلية الآداب قسم اللغة الفرنسية، والدكتورة بسمة، طبيبة أسنان.
وأعشق أحفادى وأعلمهم البيانو، لأن الموسيقى شىء جميل ومهم للأطفال، فهى تهذب النفوس، وقد علمتنى إحدى الراهبات العزف على البيانو. ومن شدة حبى للموسيقى فكرت فى أن ألتحق بمعهد الموسيقى، لأنها من أجمل الأشياء فى حياة الإنسان، إذ تمنحه طاقة إيجابية. وكان والدى ووالدتى من عشاق البيانو، واشتريا لى أول بيانو فى سن الـ١٠ سنوات، فى عيد ميلادى، وما زلت أحتفظ به حتى الآن.
■ هل هناك أغانٍ تفضلين سماعها؟
- أنا عاشقة لأغانى كوكب الشرق أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، لأن هذه الأغانى تربينا عليها.
■ ماذا عن القراءة؟
- أحب القراءة كثيرًا خاصة الروايات، وأحدث ما قرأت رواية «أوتار الليل» لمحمد المخزنجى، و«واحة الغروب» لبهاء طاهر.
■ هل يمكن أن تحدثينا عن نجاحاتك العلمية؟
- نتيجة لنجاحى المتواصل فى البحث العلمى بمجال المناعة، إضافة لأبحاثى حول الخلايا الجذعية، حصلت على الكثير من الجوائز العلمية من الهيئات والمؤسسات المحلية والدولية.
حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عام ٢٠٠٠ فى مجال العلوم الطبية المتطورة من أكاديمية البحث العلمى، وحصلت على وسام فارس عام ١٩٩٩ من الرئيس الفرنسى الراحل جاك شيراك، ثم قلدتنى الحكومة الفرنسية وسام ضابط عظيم عام ٢٠١٧، وهى أول مرة تهدى فيها فرنسا هذا الوسام لامرأة، وشهادة بتوقيع الرئيس السابق فرانسو أولاند، وهذا التكريم أعتز به لأننى لم أطلبه نهائيًا. وجاء كل ذلك بعد تأسيسى المركز الثقافى الفرنسى، منذ ٢١ عامًا، لتقوية الفرانكفونية لدى الشباب فى محافظة الدقهلية والمحافظات المجاورة، بهدف الحصول على منح علمية ودراسية بفرنسا، واهتمامى بالمرأة المصرية.
■ ماذا عن تكريمك من مصر؟
- كرمنى الرئيس السيسى العام الماضى ٢٠١٨، خلال احتفالية تكريم المرأة المصرية والأم المثالية، كونى إحدى السيدات المتميزات فى المجتمع المصرى. بالطبع التكريم من بلدى، مصر أم الدنيا، ومن رئيس بلدى، أغلى تكريم، وسعادتى به لا توصف، ومن ناحية أخرى كرمتنى فرنسا وهو شرف كبير أيضًا، فأنا أعتبر تاريخ مصر وفرنسا ضمن البلاد العريقة جدًا ذات التاريخ الأصيل.
■ بعد كل هذه المسيرة.. هل ما زالت لديك أحلام؟
- الحمد لله ربنا حبانى بكل شىء، من حب الزوج والطلبة والأولاد، وكل ما أتمناه أن أقابل الله بعمل طيب، وأن أرى مصر بخير، وتكون رائدة فى الوطن العربى، وأن تكون أسرتى بخير وفى سعادة.
■ ما أحدث مشروعاتك الطبية؟
- تبنيت، أثناء عمادتى الكلية، فكرة إنشاء برنامج «مانشستر» الطبى، من خلال شراكة بين كلية طب المنصورة وجامعة «مانشستر» الإنجليزية. وأصبح البرنامج من أنجح البرامج التعليمية فى مصر، كما أننى أسست أول مركز لأبحاث الخلايا الجذعية من الحبل السرى بجامعة المنصورة، وهو أول مركز متخصص فى تلك الأبحاث على مستوى الجمهورية. كنت فى باريس الأسبوع الماضى لأجله، ليكون هناك تعاون مشترك بين مستشفيات جامعة المنصورة ومستشفى سانتوان بباريس، لتبادل الخبرات والدراسة فى زراعة النخاع، وهو مشروع ممول من مؤسسة العلوم والتكنولوجيا، من صندوق البحوث والتنمية التكنولوجية بأكاديمية البحث العلمى.