رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعركة الفنزويلية



اختار الشعب الفنزويلى «نيكولاس مادورو» رئيسًا للبلاد ومع هذا فإن الديمقراطيات الأمريكية والغربية لم تتردد فى اصطناع رئيس جديد
أمام أعيننا، وعلى رءوس الأشهاد، تجرى عملية بالغة الوضوح، لتدخلٍ فجٍ من دولة عظمى، فى شئون دولة أخرى تبعد عنها مئات الكيلومترات، لا لذنب جنته، إلاّ لأنها رُزقت فى أرضها بواحد من أكبر احتياطات البترول والغاز والذهب والمعادن الهامة، فى العالم، الأمر الذى جعلها مطمعًا لكل طامع، ومجالًا مُستهدفًا لكل المتلمظين لالتهام هذه الثروات الطائلة، من النظم الاستعمارية، القديمة والجديدة.
من الهزلى أن القواعد الديمقراطية، التى بشَّرنا بها الغرب، تفترض أساسًا أن صناديق الانتخابات هى الفيصل فى اختيار الشعوب لحكامها، وقد اختار الشعب الفنزويلى «نيكولاس مادورو»، رئيس «الحزب الاشتراكى الموحد الفنزويلى» رئيسًا للبلاد، ومع هذا فإن الديمقراطيات الأمريكية والغربية لم تتردد فى اصطناع رئيسٍ جديد، هو «خوان جوايدو»، بدواعٍ هزيلة، وتقف معه بكل قوة، وتدعمه بجميع الوسائل ضد الرئيس المنتخب!. وتعالوا نرصد معًا «سلسلة» الإجراءات التى اتبعتها أمريكا والغرب فى مواجهة الدولة الفنزويلية المتمردة، من أجل تركيعها وفرض إرادتهما عليها، ليس الآن وحسب، وإنما منذ أيام «هوجو شافيز»، الرئيس المتمرد السابق، على الغرب وأمريكا:
- الحصار الاقتصادى المُحكم، لمنع كل سبل الحياة عن شعب فنزويلا، كما حدث للعراق قبل غزوها واحتلالها عام ٢٠٠٣.
- مصادرة ودائع وأموال وذهب فنزويلا الموضوعة فى البنوك الأمريكية والغربية، ومنع فنزويلا من التصرف فى بترولها لإيفاء احتياجات شعبها الضرورية.
- دفع المؤسسات السياسية والاقتصادية الغربية والأمريكية الجنوبية لحصار النظام الفنزويلى ودعم خصومه.
- تحريض القوى التابعة والمرتبطة بهما فى فنزويلا لتخريب الاقتصاد، وتدمير كل مقومات الحياة، سعيًا لإسقاط الحكم الشرعى.
- دفع دول الجوار، المحكومة بنظم عميلة للتدخل السافر، المادى والعسكرى، مثل كولومبيا، من أجل إسقاط الحكم القائم.
- الحرب الإعلامية التى تُستخدم فيها ترسانة الإعلام الغربى الموجّه للتهجم على النظام الفنزويلى الشرعى وتشويه صورته فى الداخل والخارج.
- التهديد بالتدخل العسكرى المباشر، لإنفاذ إرادة أمريكا والغرب، بتغيير نظام الحكم فى فنزويلا.
- تحريك قوات أمريكية إلى كولومبيا، استعدادًا للعدوان العسكرى المباشر، وتنظيم فرق المرتزقة للتدخل العسكرى المباشر.
- التواصل مع بعض جنرالات الجيش وتحريضهم على التمرد على النظام.
- التحضير لانقلاب عسكرى مباشر، على نحو ما حدث فى عهد «شافيز»، قبل أن تتدخل الجماهير الفنزويلية، وتعيد الرئيس الشرعى إلى سدة الحكم، بعد نحو يومين فقط.
وتُذكِّرنى هذه الأوضاع بما حدث مع مصر والرئيس «جمال عبدالناصر»، فى أعقاب تأميم قناة السويس عام ١٩٥٦، لبناء السد العالى، بعد أن رفضت الدول الاستعمارية الكبرى، وفى مقدمتها فرنسا وبريطانيا، تمويله، حين استشاطت هذه الجهات غضبًا، واستخدمت نفس السُبل والتصرفات، بهدف عزل «عبدالناصر» وحصار مصر، إلى حد التدخل العسكرى السافر فى العدوان الثلاثى، بمشاركة العدو الصهيونى، وهو ما تصدّى له الشعب المصرى ببطولة، أدت إلى إلحاق الهزيمة به، وطرده شر طردة.
وربما يُلَمِّحُ البعض قائلًا: لماذا تدافعون عن «الحكم الفنزويلى الشرعى»، وقد كنتم ضد حكم «محمد مرسى» الذى أتى، هو أيضًا، بصندوق الانتخابات؟.
والفرق كبير، فى الواقع، بين الحالتين.
فى الحالة المصرية، الذى أطاح بحكم الإخوان هو الشعب المصرى، وبإرادته الحرّة، بعد أن خرج بعشرات الملايين، فى لحظة تاريخية مشهودة، يُطالب بإزالة نظام الجماعات الإرهابية العميلة، بعد أن استشعر بخطرها الدائم على مصر وهويتها التاريخية، وما كان على القوات المسلحة إلاّ أن تتحرك لتنفيذ مطلبه بعد هذا الخروج العظيم، بينما مَن ساند نظام جماعات الإرهاب، كانت أمريكا والغرب، ولا يزالان يدعمان فلوله المتآمرة فى الخارج.