رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسفة ميزان الحب وخزّانه

جريدة الدستور

كل شيء حولنا نستطيع أن نزِنْه ونقيسه، حتى الحب؛ فله ميزان، ولكنه ميزان من نوع خاص!
لقد خُلق داخل كل منّا ميزانٌ – غير مرئي أو محسوس – في غاية الدقة والحساسية، نابعٌ من كل شخص، لكن له معايير ثابتة، تتغير الأشخاص والظروف والحكايات، ولكن هذا الميزان ثابت.
الحب ذلك الإحساس، كأنه ذبذبات كهربائية مغناطيسية غير مبررة وغير محصورة في معنى محدد ولكنها ذبذبات تنذر بمعنى الحب، فهي تنقلنا بعد ذلك إلى الشعور بالسعادة البالغة ثم الانتقال إلى مرحلة الهوس العاطفي.
وهنا يأتي دور «خزان الحب»؛ حيث يولد كل منا منذ الطفولة وبداخله ما يُشبه خزان للعاطفة في انتظار أن يُملأ بالحب، فعندما يشعر الطفل بأنه محبوب فإنه ينمو بشكل طبيعي أكثر ويظل خزان العاطفة معنا في جميع مراحل حياتنا المختلفة، فاحتياجنا للحب ليس محددا بعمر؛ فهو مفتوح المدة والزمن، فاحتياجنا للحب متواصل ومكرر ما دُمنا على قيد الحياة.
لذلك كلما امتلأ خزان العاطفة ثقُل ميزان الحب، ومن هنا يتغير سلوك الإنسان اجتماعيا ونفسيا، ويتصرف بشكل مختلف يؤدي إلى كثرة عبارات التشجيع للآخر حتى ولو كانت بسيطة والإطراءات اللفظية والكلمات الرقيقة والرغبة في الإخلاص الدائم، والتفاني للآخر مع الانجذاب إلى كل أموره والاهتمام بما يهمه في مختلف الأمور وما يحبه، ويكو ن ذلك في جميع صور الحب بين الأم وأبنائها وبين الأصدقاء أيضا، فهو ليس بين الرجل والمرأة فقط، أو بين الزوج وزوجته، أو العاشق ومعشوقته، ولكن تُعد العلاقة بين الرجل والمرأة من أكثر العلاقات تعقيدا والتي تحتاج من كلاهما الكثير من التفاهم وبذل الجهد لاستمرار تلك العلاقة، وبمجرد الإحساس بالتعلق بالآخر والحب المتبادَل يزيد الشعور بالدفء في العلاقة والمساندة الدائمة للطرف الآخر والرغبة في التواصل المستمر مما يساعد على الشعور بالرضا لدى الطرفين وحذف الأنانية من تلك العلاقة وأيضا حذف المساحة الشخصية، وخلق مساحة فكرية لتبادُل الأحاسيس والمشاعر والأفكار، وكذا خلق مبدأ تقاسم كل شيء في حياة الطرف الآخر من أول احتياجاته الخاصة قبل احتياجاته العامة، وبهذا الإحساس نصل إلى حقيقة أن الحياة أصبحت ذات روح حقيقية، وأنه ليس ترس في ماكينة الحياة، فأي جسد بلا روح إنما هو جماد، هيكل، لا أحاسيس فيه ولا إحساس، ومن هنا يكون أفضل ما يثقل ميزان حبك وخزان عواطفك هو أن تترك إخفاقات الحياة وأن يصبح الماضي جزءً من التاريخ، وترى المستقبل ومن حولك بعين الصفح والحب لإظهار الرحمة. واعلم أنه ليس إلزاما عليك ولكنه اختيار لأسلوب حياتك وبذلك أنت من تضع مكاييل ميزان حبك للآخرين باختيارك أنت.

الحب ليس وهما، لكن له ميزانا وخزانا، فعن طريق الميزان تعرف حجم ووزن عواطفك واحاسيسك تجاه الآخرين، وعن طريق الخزّان تبثّ وتوزّع ذلك الحب في كل مكان تحلّ به، دون أن تنظر خلفك، ودون أن تثقل كاهلك بالماضي، فقط، كُن على يقين أن هذا الماضي قد أصبح جزءً من التاريخ، لكن الحاضر والمستقبل جديران بأفكارك وطموحاتك و... حُبّك.