رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سامح محجوب يكتب: اليوبيل والثعالب والكروم

سامح محجوب
سامح محجوب

كخصم شريف وإعلاء للنقد - لا للنقض - كقيمة حضارية يجب أن نعتصم بها كى لا نسقط جميعا فى فخ العدمية واللاجدوى، كان معرض الكتاب فى عيده الخمسين حدثا فارقا بكل المقاييس من حيث اللوجستيات النوعية غير المسبوقة التى وفرتها الدولة للمقر الجديد الذي كنّا جميعا متخوفين من ابتعاده جغرافيا عن التجمعات السكانية، وهذا صحيح إلى حد كبير حيث فقد المعرض قطاعا كبيرا من مرتاديه الذين لم تمكنهم ظروفهم المادية والصحية من الذهاب للمقر الجديد بصرف النظر عن الأعداد التى أعلنتها هيئة الكتاب والتى لا يمكن اعتبارها دقيقة بأى حال من الأحوال لعدة أمور منطقية وإحصائية لا يتسع المجال لذكرها الآن.
هذا من جهة، أما عن المعرض كسوق للكتاب فقد قفز المعرض فى هذا الإطار قفزة نوعية من حيث جذب أكبر عدد ممكن من الناشرين المهمين موفرا لهم مقرات أنيقة منظمة بدقة متناهية مما ساهم فى خلق حالة رواج استثنائية تداولا وبيعا بشهادة معظم الناشرين الذين حرصوا على التواجد بأفضل ما لديهم من منشورات.
يبقى الجانب الأهم
وهو النشاط الثقافي المصاحب للمعرض وهو ما يعطي المعرض بعده الأهم كحدث ثقافي وفكري له صفة العالمية على أكثر من مستوى، حيث غلب على برنامج النشاط الثقافي المجاملات الفجة التى تجاوزت حد المعقولية حيث حضر فى الأغلب الأعم الصف الثاني والثالث من كُتَّاب وكاتبات الوطن العربي والعالم - مع كامل احترامي لهم جميعا كضيوف علينا -رغم وجود ميزانية مالية ضخمة ومفتوحة - بلغت المئة مليون جنيه - كان يمكن استثمارها فى دعوة قامات مهمة ومؤثرة فى المشهد الثقافي العربي والعالمي خاصة فى يوبيل المعرض الذهبي، لكن القائمين على المعرض - رغم ما بذلوه من جهد جبار فى إنجاح هذه الدورة الإستثنائية - فضلوا التعاون مع أصدقائهم وزملائهم وجيرانهم متجاهلين ضرورة وجود لجنة فنية وعلمية عليا قادرة على انتخاب برنامج لائق بالراهن الثقافي واختيار مبدعين ومثقفين مكرسين منتجا وتجربة، فالبرنامج خلا مثلا من وجود أديب عالمي واحد معروف أو حاصل على نوبل وهم بالمناسبة كثيرون ويأتون لمصر فى فعاليات أقل قيمة من معرض الكتاب، كما خلا من أصوات مهمة فى المشهد الثقافي المصري تم استبعادهم لأنهم لا يروقون للشخص الوحيد الذي أرسل معظم الدعوات للضيوف طالبا منهم التكتم على الأمر خاصة فيما يخص تذاكر الطيران !!!! وليس صحيحا كما يشيع بعض منظمي الحدث أن معظم الضيوف حضر على حسابه الشخصي وهم وفروا له الإقامة، الكل تقريبا حظي بدعوات شاملة السفر والإقامة والإنتقال الداخلي وهذا بالمناسبة هو الطبيعي فى مثل هذا الفعاليات أو غيرها، كما تم تكرار أسماء فى أكثر من فاعلية رغم عدم تخصصهم فى موضوع الفاعلية كما تم تخصيص فاعليات كاملة لتجارب هزيلة فى قاعات رئيسية كان يمكن ملئها بتجارب حقيقية فى الكتابة، هذا لو أن الأمر يخضع لتصور ورؤية مؤسسة على منهج وليس متروكا للهواة والمغرضين الذين أداروا أقسام النشاط بمنطق الشلة والكوتة، ويمكن مراجعة برنامج المعرض للتعرف ببساطة على دوائر رعاية المصالح والسبوبة، كان يمكن إكمال المشهد بنفس أبهة وأناقة ودقة الإمكانيات التى تم توفيرها للحدث لو أن هناك من يدرك أهمية وخطورة أن معرض الكتاب ليس فعالية هيئة الكتاب ولا وزارة الثقافة ولكنه فعالية الدولة المصرية بكل ما تحمله من ثقل حضاري وثقافي لو أن هناك لجنة عليا متوازنة فكريا وابدلوجيا ولها صفة اعتبارية ملزمة للجهات المنوط بها تنفيذ الحدث،، كان من الممكن فعل الكثير وتلافي الكثير من الأخطاء الفادحة خاصة فى وجود هذه الميزانية الضخمة التى أنفقت ببذخ شديد على لجان التنظيم وموظفي الهيئة الذين حرصوا على السكن فى الفنادق المجاورة للمعرض مع أن بيوتهم على بعد كيلومترات من المعرض، كان يمكن عمل نشرة صحفية مهمة بأكثر من لغة خاصة مع وجود ضيوف من مختلف الجنسيات ومع وجود ما يقرب من سبعين صحفي وإعلامي فى لجان التنظيم تم اختيارهم من المقربين للوزيرة ورئيس الهيئة لضمان عدم نشر أى نقد للمعرض وقد كان،، كان من الممكن،، لكنها الثعالب التى تعبث فى الكروم والتى لابد أن تستفيد من كل شىء على حساب القيمة وبالتالي على حساب دافعي الضرائب الذين لم يكفوا بعد عن الحلم بوضع ثقافي يمثلهم ولو شكليا، هذا ورغم سعادتي البالغة بالمعرض وبنجاحه إلا أن ضميري يمنعني من الصمت حيال السلبيات التى ذكرتها والتى يجب أن يتم التحقيق فيها أولا مع الوزيرة التى غضت الطرف عن نقدنا للجان التنظيم قبل انطلاق المعرض بوقت كاف وسكوتها غير المبرر عن ضعف وعدم كفاءة معظم قيادات وزارتها، وفى نهاية الأمر ومن أجل عدم تكرار ما سبق،، الطريق إلى الجنة ليس مفروشا بالنوايا الحسنة، هذا إذا افترضنا النوايا !!