رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: روح معرض الكتاب


انتهى معرض الكتاب.. وانتهى الكلام عن موقعه الجديد.. والمترددون الجدد على عتباته.. خلص المولد.. والنتيجة مبهرة للكثيرين.. وصادمه للكثيرين.. لكنها مدهشة ومعبرة وكاشفة من وجهة نظرى.
حقق معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورة يوبيله الذهبى ما لم يكن يحلم به أحد من منظميه.. لا هيثم الحاج.. ولا الوزيرة.. ولا حتى الذين يكرهون المعرض والكتب من أصله.
الأرقام تكشف أننا شعب لا يزال على عهد محبته مع القراءة.. إننا لا نزال نبحث عن المعرفة.. وأن جمهور القراءة متجدد.. من حيث الأعمار.. والفئوية.. والجغرافيا.. كذلك.
ظن البعض أن انتقال المعرض إلى بقعة بعيدة عن «وسط القاهرة» سيحرم ناسه من الذهاب إليه.. لكن من اعتاد أن يذهب إليه ذهب.. ظن البعض أن سكان «التجمع» لا يحبون القراءة.. وأنهم من طينة أخرى ليس لها فى الثقافة.. لكنهم فاجأوا كل المتربصين بالمشهد وخرجوا بالشنط.. شنط الكتب وكأنهم يتسوقون من «هايبر» أو «كارفور».
كسب الجميع.. هيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة، التى حققت هذا العام منجزًا رائعًا يعود لاختيارات إدارة النشر بها.. ولوجود رجل ثقافة وإعلام فاهم فى أمانة النشر بها.. كسبت الوزيرة.. وكسب المثقفون رهانهم فى الحفاظ على «موسم» صنعوه بإبداعاتهم وصبرهم وتغطيتهم.. وكسبت الدولة التى تسعى إلى «جسر» حقيقى بين الناس والتنمية التى لن تحدث ولن تجد لها جمهورًا بدون ثقافة أو معرفة.. لكن شيئًا ما كالعادة ينقص المعرض.. وهذا أمر لا يعود لهذا العام فقط.. لماذا فقد المعرض بهجته وروحه وألقه المعتاد.. لماذا تحول إلى مجرد «منفذ لبيع الكتب».
هذه الحالة التى تطارد المعرض منذ سنوات، وبلغت ذروتها هذا العام، تعود فى ظنى إلى «المحتوى» الذى يصاحب أيام المعرض فى فعالياته.
فقد المعرض روحه منذ اختفت «ندوات التحريض على التفكير»، وربما كان آخرها تلك الندوة التى شهدت آخر أطروحات محمد حسنين هيكل ضد «نظام مبارك».. فقد المعرض روحه وقت أن اختفى الشعراء الحقيقيون من على منصاته ومن الحياة نفسها بعد ذلك.. لم تعد هناك حميمية أشعار الأبنودى.. ولا مشاغبات أحمد فؤاد نجم.. ولا عقلانية وجدلية أشعار سيد حجاب.. لم تعد هناك «لهفة بنات أشعار فاروق جويدة» ولا دروشة مريدى أدونيس.. لم يعد هناك زوار عرب بحجم «الماغوط» أو سميح القاسم.
لم تعد هناك حفلات لعلى الحجار وإيمان البحر درويش وفاروق الشرنوبى وغيرهم من رواد الأغنية التى كنا نسميها «البديلة».
اختفت «ريحة السياسة» من المعرض ومن محاوراته.. اختفت روح الشباب المتمرد والناقد بطبعه.. وصار المعرض «مجرد شو باهت».. وكأن المحتوى صار «كمالة ديكور».. هذا ما أعتقد أن أهل «الهيئة يحتاجون لدراسته».. ربما ما أعتقده كله مجرد «وهم».. لكننى أزعم أننا فى حاجة لمراجعة محتوى أى فعالية نقيمها.. من أول المعرض وحتى مهرجان السينما.. ومهرجان الموسيقى العربية.. ومحكى القلعة وغيرها.. بلاش نخليها «حصة نشاط وخلاص».
من ناحية أخرى كشف المعرض «وكل الشكر لكل من شارك وأسهم فى فعالياته».. أكذوبة «عصر الورق انتهى».. هذه أكذوبة حتمًا.. فذلك العدد المهول من الكتب المباعة رغم سهولة توافر بدائلها إلكترونيًا.. يؤكد أن ما تعانيه الصحافة الورقية ليس عيبًا فى «الوسيط».. لا علاقة له بارتفاع أسعار الورق.. فقد ارتفعت أسعاره فى الكتب أيضًا.. العيب الذى كشفته دورة معرض الكتاب من وجهة نظرى فى المحتوى الذى تطرحه هذه الصحف.. ذلك التنوع الذى وجده الجمهور فى الكتب.. هو ما يحتاجه قارئو الصحف.. أيضًا علينا أن نراجع طريقة وصول «الصحيفة الورقية للناس».. لقد اتسعت خريطة السكان فى مصر.. وأضيفت إليها تجمعات جديدة تحتاج إلى وسيلة جديدة لتصل إليها.. يعنى بالبلدى.. فيه كام «كشك صحافة» فى التجمع.. هل تبيع المولات الموجودة بالقرب من تلك المدن الجديدة أى صحف.
يبدو أننا فى حاجة إلى «دراسة أشياء كثيرة» كشفتها لنا تلك الرغبة المحمومة لدى جمهور المعرض فى المعرفة.. مثلما كشف عنها «طوابير الذاهبين» إلى مسرح مصر.. ومسرح خالد جلال.
الثقافة لم تمت فى مصر.. واستعادة موقعنا الحقيقى فى المقدمة سهل ومتاح إذا ما أحسنا طرق الأبواب.. وإذا ما حددنا أهدافًا واستخدمنا آليات جديدة فى الوصول للناس.. هذا ما أظن وليس كل الظن إثمًا على ما أعتقد.