رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسلحة «السلطان» تفضح مجلس العميان


فى غضون أسابيع قليلة كشفت الأحداث فصولًا جديدة عن سعى الرئيس التركى إلى إلقاء مزيد من الزيت على الصراع الملتهب بين أطراف المعادلة السياسية الصعبة فى ليبيا، وأن الرئيس الحالم ببعث كذبة الخلافة العثمانية، لا يعبأ بانكشاف محاولاته لتصدير السلاح، ولذلك فإنه يسارع بإرسال مزيد من الشحنات، غير عابئ بأى إدانات من قوى الشر الكبرى فى العالم، فأغلب العواصم الأوروبية لا تهتم بإشعال الفتن ولا تدينها، لكنها تركز بيانات الإدانة المشبوهة لمن يفلت، فقط، من السيناريو الأسود الذى وضعوه لمنطقتنا العربية.
فى ١٧ ديسمبر الماضى تم ضبط شحنتين ضخمتين من الأسلحة والذخائر القادمة من تركيا فى ميناء الخمس بغرب ليبيا، وقد ذكر بيان للجيش الليبى أن الشحنتين احتوتا على ٤٫٢ مليون رصاصة، وتندر البيان قائلًا: «إنها تكفى لقتل ٨٠ بالمائة من الشعب الليبى!!» هذا غير آلاف المسدسات والبنادق أيضًا.
وبعد أقل من شهرين تم ضبط الشحنة الثانية من أدوات القتل والدمار التركية فى ميناء الخمس أيضًا، وكانت الشحنة تضم ٩ سيارات هجومية كاملة التصفيح، ومدرعات قتالية صُنعت فى تركيا، وذكرت الجمارك الليبية التى ضبطت الشحنة أنها وصلت من ميناء تركى، دون أية وثائق للجهة الموردة أو المستلمة، ولا حتى اسم الميناء المنطلقة منه الشحنة المهربة، لكن تقارير إعلامية ليبية أفادت بأن السفينة كانت محملة بـ٨٠ سيارة عسكرية مزودة بنظام حماية متطور من القذائف والألغام إلى ميناء الخمس البحرى قادمة من تركيا، مشيرة إلى أن السيارات جرى استيرادها عن طريق إحدى شركات استيراد السيارات المعروفة بمدينة مصراتة التى يسيطر عليها الإسلاميون.
لكن المثير فى هذه المرة أن الميليشيات الإسلامية فى ليبيا قررت ألا تقف مكتوفة الأيدى وتترك رجال الجمارك ينفذون قرار النائب العام الليبى بالتحفظ على المدرعات المضبوطة «أيًا كان عددها»، لذك قامت ﻗﻮة ﻣﻦ ميليشيات ﻣﺼﺮاﺗﺔ التى ﻳﻨﺤﺪر ﻣﻨﻬﺎ وزﻳﺮ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ فتحى ﺑﺎﺷﺎﻏﺎ باقتحام الميناء بالقوة والاستيلاء على اﻟﻤﺪرﻋﺎت رغم أنف النائب العام وﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺠﻤﺎرك، وهو ما كشف بكل وضوح أن الشحنة وصلت من المرسل وهو الرئيس التركى إلى المرسل إليهم وهم الميليشيا الإسلامية.. التى يدعمها وزير الداخلية فى حكومة فايز السراج، الذى ينتمى إلى الإسلاميين، بل إن أطرافًا ليبية أكدت أن القوة التى اقتحمت الميناء فعلت ذلك بأوامر مباشرة من وزير الداخلية الليبى. ولا يمكن الاعتقاد أن تركيا لم ترسل إلى ليبيا خلال الشهور الأخيرة سوى هاتين الشحنتين فقط، فأقوى أجهزة المكافحة فى أى دولة من دول العالم لا يمكنها ضبط كل الشحنات المهربة، فما بالنا بسلطات الجمارك أو المكافحة فى ليبيا التى لم يتوقف فيها الصراع على السلطة منذ ٢٠١١!.
والحقيقة المؤكدة أن واقعة السفينة المحملة بالمدرعات التركية، هى المرة الثالثة التى تُدان فيها تركيا بخرق قرار مجلس الأمن الدولى بحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، فقد ﻛﺸﻔﺖ اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻓـــى ﻳﻨﺎﻳﺮ ٢٠١٣ أﻧﻬﺎ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ أﺳﻠﺤﺔ ﺗﺮﻛﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻣﺘﺠﻬﺔ إﻟﻰ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺑﻌﺪ اضطرارها للتوقف فى اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية. والحقيقة أن شحنات الأسلحة التركية تثير العديد من التساؤلات، لعل أهمها: لماذا تتعامى الدول الكبرى عن هذه الحوادث؟، ولماذا لا تقوم الأمم المتحدة ومجلس أمنها بأى إجراء ضد تركيا، ولو بمجرد إصدار بيان إدانة أو شجب؟، هل المقصود من قرار مجلس الأمن الجائر ضمان عدم وصول أى شحنات أسلحة للجيش الليبى، والسماح بذلك فقط للميليشيات الإسلامية، حتى يطول أمد الصراع فى ليبيا لأطول فترة ممكنة، يتم خلالها استنفاد أكبر كمية من النفط بأبخس الأسعار؟.
كل هذا وما زال بعض النشطاء الذين ابتلانا بهم الربيع العربى الأسود، يدعون العبقرية ويرفضون التصديق بأن المخطط لحرق وتفتيت المنطقة لا يزال مستمرًا وأنه يتطور تكتيكيًا فى ظل استراتيجية ثابتة وهى تفتيت الشرق الأوسط إلى دويلات متناحرة لأسباب قبلية أو عرقية أو طائفية ودينية، وأن الذين يكشفون ذلك للرأى العام العربى ليسوا ضحايا «مؤامرة كونية مزعومة» كما يقول النشطاء و«البراغيث» الإلكترونية.
لا تصدقوا أن النار المستعرة فى ليبيا عمدًا ومع سبق الإصرار والترصد، يمكن أن تطفئها جهود لمبعوثين دوليين تم اختيارهم بخبث شديد، أو بواسطة مؤتمرات دولية برعاية الأطراف التى تشعل الفتنة على الأرض الليبية، ليبيا لن تتحرر إلا عندما يتمكن جيشها من دحر خفافيش الظلام ومن يقف وراءهم من مانحين.