رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيد طه.. بطل مصرى من طراز نادر




هو رجل مصرى بسيط.. وأبسط من البساطة ذاتها.. هو عامل فقير ولا يطمح إلا لمجرد عيشة هادئة ورزق يومى بسيط.. هو شاب مصرى الملامح، تكسو وجهه سمرة الأرض ويجرى فى دمه جدعنة المصريين التى كادت تندثر إلا من قلة قليلة قد يحالفنا الحظ بلقائها فى حياتنا..
كنت دائمًا ما أقول وأكتب أن المصريين يتميزون بالشهامة والجدعنة والطيبة والكرم وكنت أفتخر بذلك. لكن لم يعد هذا حال المصريين منذ أحداث ٢٥ يناير٢٠١١، وما صاحبها من فوضى وعنف وجرائم، وما كشفت عنه من مؤامرات تُحاك ضد وطننا، وخطط رهيبة لإضعاف النسيج المميز للشخصية المصرية فى السلوك والقيم، بل إضعاف الهوية المصرية ذاتها ونشر التطرف والتشدد والتزمت فى الشكل والمظهر والتصرفات العنيفة.. إن هذا المصرى البسيط يستحق أن نكرم أمه وأسرته، وأن نعرف اسمه وأن نجعل منه نموذجًا لبطولة واحد من العاملين المصريين البسطاء، فقد استطاع أن يبرهن لنا أن البطل بالإضافة إلى من يقفون لحمايتنا من أبطالنا الذين نفتخر بهم من جنود الجيش ومن رجال الشرطة.. وإننا قد يكون لدينا بطل تحت بيتنا وبيننا ونحن لا نعرف قدر ما يمكن أن يقوم به من بطولة وقت الشدة.
إن هذا البطل الذى أقصده هو مكوجى بسيط، لكنه تدخل بشهامة وبشجاعة لإنقاذ سيدة مصرية دفاعًا عن شرفها ضد مجرم خسيس كان يحاول الاعتداء عليها فى الشارع، وتحول بفضل شجاعته الفذة إلى شهيد نفتخر بأنه موجود بيننا ونفتخر بأنه يبرهن على أن أصالة وقيم المصريين لا تزال موجودة بداخل الحارة المصرية والشارع المصرى، وإن المؤامرات الدولية التى تم التخطيط لها ضد مصر منذ عقود طويلة لم تتمكن من القضاء عليها أو تدميرها، بدليل أن أصالة المصريين وقيمهم المتأصلة بداخل طباعهم قد ظهرت وقت الحاجة إليها ووقت الشدة فى لحظة واحدة.
والقصة التى أقصدها تتضمن ٥ رسائل حدثت تفاصيلها كالآتى: إن سيدة مسيحية كانت ذاهبة إلى مطعم مع ابنها لشراء طعام الإفطار فإذا بها تفاجأ برجل يقترب منها فى الشارع ثم يتحرش بها ثم يحتضنها محاولًا تقبيلها. قائلًا: «أنا مش حاسيبك إنت مسيحية والمسيحيين ما ينزلوش الشارع»، فأخذت السيدة تصرخ وتستغيث فإذا بسيد طه المكوجى وشقيقه يذهبان لنجدتها ويطالبها سيد بالهرب بعيدًا عن هذا الرجل المتحرش بها وإذا بالشخص المتحرش يهدده إن هو تركها تهرب.. وعندما اتجهت لعمل محضر إذا بالمتحرش ينفذ تهديده ويقتل سيد طه المكوجى البسيط الذى هب لنجدتها.. ويستشهد سيد ليتحول فى نظرى وفى نظر الكثيرين إلى نموذج للجدعنة، ويصبح سيد طه شهيد الشهامة، تاركًا زوجته وابنه وأمه فى حالة لوعة وحزن لفقدانه نتيجة دفاعه عن شرف امرأة مصرية قبطية لا حول لها ولا قوة، إلا أنها هى أيضًا ضحية بريئة لأفكار التطرف والفتنة المقيتة التى يبثها أصحاب الفكر المتطرف المريض ولا تزال تبث فى المجتمع وعبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية بلا رادع أو عقاب، بل إنها تبث دون عقاب يقع على مروجيها رغم خطورتها على مجتمعنا.
إلى هنا أتوقف أمام هذه الواقعة المشينة وحتى لا تتكرر ولهذا فإننى أطالب بضرورة توقيع أقصى عقوبة على هذا المجرم الذى استباح شرف سيدة مصرية قبطية والذى أقدم على القتل مع سبق الإصرار والترصد، والذى نريده أن يتم إعدامه ليكون عبرة لمن تسول له نفسه أن يعيث فى الشارع فسادًا وإفسادًا وقتلًا واستباحة للأعراض وللأبرياء.
وإذا كنت أقول إن هذه الواقعة تتضمن عدة رسائل فإنها:
أولًا: الشهامة لا تزال موجودة فى الشارع المصرى.
وثانيا: سيد طه هو نموذج للشباب المصرى الوطنى والبطل الذى يعيش بيننا لكننا لا نحس ببطولته إلا وقت الشدة، وممكن أن يكون ملايين غيره موجودين بيننا وما زالت لديهم صفة الشهامة المصرية.
وثالثا: لا تزال دعاوى التطرف وبث كراهية المسيحيين تحدث أثرًا فى العقول الجاهلة والمنحرفة ولا بد من التصدى لدعاوى التطرف الدينى التى تحرض على الكراهية والتكفير وتسىء للنسيج التاريخى للشعب والذى جعل المسلم والمسيحى يعيشان معًا فى سلام ووئام.
رابعا: هذه الحادثة الأليمة قد أظهرت معدنًا طيبًا لكثير من المصريين الذين تعاطفوا مع شهيد الشهامة ومنهم عدد كبير من المصريين فى الخارج، وأمامنا ما فعلته الوزيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة وشئون المصريين فى الخارج، حيث ذهبت لأسرة سيد وزارت أمه وزوجته وابنته للاطمئنان على أحوالهم المعيشية ومساعدتهم فى احتياجاتهم، وقالت إن الوزارة تشكل حلقة وصل بين المصريين فى الخارج وفى داخل مصر.. حيث نشر الموقع الإلكترونى «شوارع مصرية» الذى يبث من أستراليا حاملًا أخبارًا يومية عن مصر تفاصيل واقعة استشهاد سيد طه وما حدث لأسرته.. فقام الموقع الإلكترونى بتنفيذ حملة لمساندة أسرة شهيد الشهامة وتم وضع وديعة فى أحد البنوك لابنته لمساعدتها فى حياتها اليومية وجزء منها يخصص لوالدته ربة البيت.
خامسًا: ضرورة القصاص الرادع للعنف فى الشارع حتى يكون رادعًا للجميع من بلطجية الشوارع، حيث قالت والدة سيد طه إنها لن تهدأ حتى يتم القصاص لابنها الشهيد.
وهنا أتوقف لأطالب بتكريم سيد طه لأنه يستحق من الدولة التكريم.. وأمه أيضًا تستحق التكريم لحسن تربيته، أما قصة بطولته فأعتقد أنها تستحق أن يعرفها الجميع فى مصر، كما أطالب محافظ القاهرة بإطلاق اسم سيد طه على ميدان قريب من منزله، بل إنه يستحق أن نقيم له تمثالًا يخلد بطولته وليكون نموذجًا للمصرى البسيط فى الشجاعة والشهامة وحتى لا ننساه.. وحتى يكون قدوة نستلهم منها قيم الشهامة والشجاعة التى ما زالت موجودة فى مجتمعنا رغم كل من يحاولون طمس وتدمير القيم المصرية.. والتى علينا أن ننميها وأن نحرص عليها، لأنها سمة أصيلة فى الهوية المصرية العريقة.