رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى رحيل عملاق الرهبنة القبطية



قام الأب إليشع برسامة أكثر من 130 راهبًا و150 طالب رهبنة بعد أن كان عدد رهبان دير وادى الريان 14 راهبًا فى عام 2006 فقدم بذلك للكنيسة القبطية ديرًا ترى فيه رهبنة القرن الرابع الحقيقية
بعد ظهر الخميس ٢٤ يناير ٢٠١٩ ودع المخلصون من الكنيسة القبطية عملاق رهبانها وهو الراهب إليشع المقارى «١٩٣٦- ٢٠١٩»، والذى أحيا دير القديس مكاريوس الإسكندرى بوادى الريان بالفيوم. ترهب عام ١٩٦٣ على يد الأب متى المسكين، وفى عام ١٩٦٦ انتدبه البابا كيرلس السادس، البطريرك ١١٦، إلى دير الأنبا صموئيل المعترف بمغاغة لتعمير الدير والأبوين مينا وإرميا.
فى ٩ مايو ١٩٦٩ استدعى البابا كيرلس السادس الأب متى المسكين ومعه مجموعة رهبانه من وادى الريان ليتوجهوا إلى دير أنبا أبومقار بوادى النطرون لتعميره وإحياء الحياة الرهبانية به، ومن بينهم الأب إليشع.
وفى عام ١٩٩٦ قام البابا شنودة الثالث بإقامة الأب إليشع المقارى فى درجة التدبير «القمصية» والذى كان يقود الرهبنة فى وادى الريان، وقد بدأ رحلة جهاد وتعمير جديدة فى برية الريان فى ١٤ مايو ١٩٩٥. قام الأب إليشع برسامة أكثر من ١٣٠ راهبًا و١٥٠ طالب رهبنة بعد أن كان عدد رهبان الدير ١٤ راهبًا فى عام ٢٠٠٦، فقدم بذلك للكنيسة القبطية ديرًا ترى فيه رهبنة القرن الرابع الحقيقية، ولم يكن يريد شيئًا سوى الحياة الصادقة مع الله فى قلايته، عكس آخرون لم يحيوا الحياة الرهبانية الحقيقية إنما ارتدوا الزى الرهبانى لبضعة أيام فلم يشعروا بالجهاد الروحى الحقيقى والتعب البدنى ومشقة الحياة فى الجبال والتعبد الحقيقى فى الدير، وخرجوا من الدير إلى درجة أسقفية الإسكندرية وزى الأسكيم!! من أعماله أيضًا تأسيس دير «عمانوئيل» (أى الله معنا) للراهبات بوادى النطرون وفيه قرابة ٣٠ راهبة، تأسيس بيت «محبة الله» للطلاب المغتربين بحدائق الزيتون، عيادات المحبة والمستشفى بحدائق الزيتون، تأسيس ملجأ فى الإسكندرية للأطفال اليتامى.
فى عام ٢٠١٣ صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب بعنوان «وادى الريان المُشّبع بالماء» للباحث محمد التداوى، ذكر فيه: «إحدى المناطق السُكنية الدائمة منذ ستينيات القرن العشرين وهى منطقة دير الأنبا مكاريوس السكندرى (٣٠٦- ٤٠٤م) وهو غير الأنبا مكاريوس الكبير الشهير. الدير يقع إلى الجنوب الغربى من منطقة الشلالات وفى الطريق إلى محمية وادى الحيتان. الدير كان مهجورًا حتى ستينيات القرن العشرين إلى أن حصل الأب متى المسكين على التصاريح اللازمة لتعمير الدير المهجور وقتها، ثم سمحت السلطات المختصة للرهبان بالحياة فى الدير بعد ذلك، وهو ما قد كان، وكبر الدير وزاد عدد الرهبان الملتحقين به، الذين أرادوا السير على نهج راهبهم القديس مكاريوس السكندرى بالتخلى عن مُتع الحياة الدُنيا والانعزال عن العالم من أجل الصلاة. والآن وبعد نصف قرن تقريبًا أصبح الدير علامة بارزة فى منطقة المحمية، وأنشأوا بعض المنشآت التى استخدموها فى الإقامة، ثم أقاموا حديقة صغيرة للدير واستغلوا بعض مياه عيون الريان لرى هذه الحديقة». ثم يضيف الأستاذ محمد التداوى قائلًا: «لماذا لا تشارك إدارة المحمية رهبان هذا الدير فى رعاية وتحسين أحوال المحمية؟ حيث إنهم مقيمون بصفة دائمة ويرصدون أفضل من غيرهم المخاطر والتغيرات التى قد تطرأ على المكان أفضل من غيرهم، وبهذا يشكلون نقطة من نقاط الرصد التى حتمًا ستفيد». وفى اتصال تليفونى لى مع الأب إليشع المقارى أرشدته إلى هذا الكتاب كما أرسلت له بحث د. أحمد فخرى.
لكن للأسف الكنيسة فى بيانها الذى صدر فى ١١ مارس ٢٠١٥ تبرأت من الرهبان وأنكرت- عن غير معرفة- وجود دير!! فأفجع البيان مشاعر الأقباط المخلصين. وبذلك عرضت حياة بشر آمنين- جاءوا من أجل العبادة الصادقة- لمخاطر جمة لا يعلم أبعادها أحد إلا الله وحده!! لقد استكمل الأب إليشع المقارى مسيرة مُعلمه الأب متى المسكين. لذلك من العادى- بل ومن المتوقع كما ذكر لى أحد أساقفة الكنيسة القبرصية- أن يواجه باضطهادات وحروب من قادة الكنيسة!! لكن وعد الله الصادق والأمين: «إن نسيت الأم رضيعها، أنا لا أنساكم». وعوض أن تحتضن الكنيسة أبناءها المخلصين الذين يدافعون عن تراثها وتاريخها وأماكن قديسيها، تقوم بالتخلى عنهم وتسليمهم للهلاك البشرى، وأحدهم تم سجنه!! لكن: «من يقدر أن يؤذيكم؟»، وهذا وعد من الله تبارك اسمه.
وبعد هذا البيان الكارثى قمت فى ١٤ أبريل ٢٠١٥ بإرسال رسالة إلى سيادة الوزير د. ممدوح الدماطى- وزير الآثار المصرية وقتها- ذكرت له فيها من ضمن ما ذكرته: «.. هذا الدير له أهمية بالغة بالنسبة لمصر بصفة عامة، وبالنسبة للأقباط- العارفين بتاريخ كنيستهم- بصفة خاصة. وأعلم جيدًا أن المهندس هانى عازر- الخبير الدولى فى الطرق والمواصلات بألمانيا وعضو اللجنة الاستشارية لرئيس الجمهورية- كان قد تناقش مع الهيئة الهندسية المشرفة على تطوير الطرق للتنمية الاستثمارية وربما مع بعض الأثريين، وقد توصلوا إلى طريق بديل يبعد عن الدير مسافة خمسة كيلومترات بدلًا من اختراق المنطقة الأثرية، وبذلك نتجنب الخلاف القائم، الذى بسببه حدثت العديد من المشاكل بداخل الكنيسة كان ينبغى ألا تحدث إطلاقًا». رحل العملاق وترك سيرة عطرة.