رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«السعادة عبادة» فى الوطن المُحال



خير اللهم اجعله خيرًا... حلمت بالأمس أننى أعيش فى وطن، على شكل «وردة»، يحتضنه البحر من جميع الجهات. عدد سكانه لا يتجرأ على تجاوز بضعة آلاف. يعتقد النساء والرجال فى هذا الوطن، أنهم إذا أكثروا من التناسل، سوف يبتلعهم البحر، وتحل عليهم لعنة «الورد العائمة».
خير اللهم اجعله خيرًا.. فى هذا الوطن، لا شىء يُؤكل إلا الفواكه التى تزين الأشجار، والخضروات التى تطلع كالمارد من الأرض، والأسماك التى أنهكتها السباحة، وتنتظر الطُعم. ولهذا السبب، كل المواطنات والمواطنين، والأطفال، فى منتهى الرشاقة، والوزن المثالى.
تسكعت فى شوارع الوطن.. لم أجد جوامع، أو كنائس، أو معابد. وحين سألت، قالوا: «عندنا فى الجزيرة آلاف العقائد، والآلهة.. لكن كل مواطنة ومواطن، يعبد إلهه ويقيم شعائره فى ركن خاص فى بيته، أو بيت أهله بهدوء، دون إزعاج لأحد بالميكروفونات، أو حتى جذب الانتباه، بالتجمهر فى مكان عام. وقد أجرينا استفتاء عامًا، للشعب: هل تريد مبانى دينية، أم لا ؟. والإجابة كانت: لا، بنسبة ٧٥٪. ولم نفعل شيئًا سوى الاستجابة لرأى الغالبية».
خير.. اللهم اجعله خيرًا.. حلمت بالأمس، أننى فى وطن، يرسل كل يوم، صباحًا، ومساءً، حملات تفتيش مكثفة، «تصادر» مقالب القمامة، ونفايات المصانع، والمستشفيات، ومخلفات محلات الأطعمة، التى تنشر الروائح والأمراض الكريهة، فى أنحاء الجزيرة «الوردة». كل يوم، صباحًا، ومساءً، تتوالى فى مواعيد منتظمة بدقة، الحملات التى «تراقب» البالوعات المفتوحة.. والمواسير دائمة الانفجار.. ومطبوعات الجنس الشهوانى الرخيص، والشرائط المحرضة على التكفير والقمع الدينى، والتعصب الفكرى، والملصقات الدينية المتطرفة فى وسائل المواصلات العامة، وعلى زجاج السيارات، والتاكسيات، وواجهات المحلات. كل يوم، صباحًا، ومساءً، تدهـم أوامر المصادرة، بشكل شـرس، أى ميكروفونات معلقة فى سرادقات العزاء، والحفلات، والأفراح، التى تنتهك حُرمة البيوت، من بداية المساء حتى الفجر.
خير اللهم اجعله خيرًا.. تمادى الحلم، فى إشعارى بالأرق. شاهدت متخصصين فى التغذية والتموين، يفرضون العقوبات على الأفران، والمخابز، التى تغش فى توفير رغيف الخبز النظيف الصحى المدعم. رأيت فى المنام، قوات خاصة، تتلقى تدريبات على أعلى مستوى، مهمتها مصادرة، جميع أنواع المركبات التى تسمم الهواء بالعادم، والغازات الخبيثة ومصادرة القطارات المتهالكة، والأتوبيسات المتصدعة، والبواخر الآيلة إلى الغرق، والمواد الإعلامية معدومة السعرات الحضارية.
خير اللهم اجعله خيرًا.. طال مرورى بدروب الوطن.. وجدت مجالس متخصصة، فى إغلاق المستشفيات التى تقتل المرضى، بالفواتير السعرانة، والجراحات الملوثة، والحقن الخطأ، والتشخيصات المتضاربة للأطباء. فى الحلم، سألت نساء ورجال الوطن، هل تصادرون شيئًا آخر.. قالوا: نصادر أملاك، وكرامة الرجال والأزواج، الذين يضربون ويهينون النساء.. ونصادر كل مَنْ يخفى السماء بالسحابات السوداء، ويدعو الله أن تنتصر حضارة الصحراء. وفى جميع المصالح الحكومية، عدد الموظفين الرجال، يساوى بالضبط عدد الموظفات النساء. وكل العقائد، والديانات، والطوائف، والمذاهب، ممثلة فى أجهزة الدولة، التى لا تميز بين أحد، وتحرص على الحيادية مع الجميع.
جميع أنواع الفنون متاحة لعامة الناس، فى الشوارع، والميادين، والحوارى، والأزقّة، من غناء وموسيقى ورقص، وإلقاء الشِّعر، وعرض اللوحات، ومناقشة الكتب، وعرض الأفلام. العُملة النقدية المستعملة هى ورقة خضراء على شكل الوردة ومكتوب عليها «السعادة عبادة».
من بستان قصائدى
لا أريد أن أحب أحدًا.. ولا أريد أن يحبنى أحد
لا أريد أن أكون صديقة.. ولا حبيبة ولا زوجة
ولا ابنة ولا أختًا لأحد.. كلها أدوار تقيدنى ترعبنى
تنتزع من قلبى.. الهدوء والطمأنينة والسكينة
كلها علاقات مشروطة.. تفسد إنسانيتى وتتحكم فى مزاجى
كلها فى وقت مجهول تنتهى وتختفى.. وتتركنى أتحسر وأكتئب وأتألم وأحزن
كل طاقتى تذهب إلى الكتابة والشِّعر.. والسباحة والجلوس ساكنة
فى حمام السونا.. والترويض المستمر لهذا العالم.