رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى وفاته.. نص خطاب "رأفت الهجان" الذى أبكى رجال المخابرات

جريدة الدستور

غلب التعب ضابط المخابرات عزيز الجبالي، لكنه ظل يقلب كعادته في أوراقه ليلقي نظرة عليها، ثم هّم بالنهوض إلى الخزانة المفتوحة، ووقعت عيناه على ورقة كتب في أعلاها بخط واضح كلمة "تفتح بعد موتي".

الواقعة يرويها الكاتب صبري موسى في كتابه «رأفت الهجان» مضيفا، أن الجبالي اجتاحه اضطراب غامض حيث قلب صفحة أخرى بشعور لا إرادي ليجد ظرفّا متوسط الحجم أبيض اللون مكتوبّا عليه بخط كبير "لا يفتح إلا بعد موتي".

كان الظرف مفتوحا وفي أسفله تأشيرة بالحبر الأحمر تقول "فتح بمعرفتي"، وكان التوقيع واضحَا: ضابط محسن ممتاز.. بعدها جمد عزيز في مكانه وشعر أن تيارا كهربيا يسري في جسده ويشده إلى مقعده بعنف وعاد إلى الصفحة الأولى وتسمرت عيناه فوق الوصية لكنه لم يقرأ شيئا وخمن بأن هذه إحدى عمليات محسن ممتاز الأسطورة ذلك الضابط الشهير من الرعيل الأول الذي سمعوا عنه وتعلموا من تجاربه وأعجبوا به ولم يره أحدهم بعد، فيما عادت عيناه إلى السطور فترك لهما حرية القراءة ليجدها هكذا:

"هذه وصيتي"
أضعها بين أيديكم الكريمة،
السلام على من أتبع الهدى،
بسم الله الرحمن الرحيم،
إنا لله وإنا اليه راجعون،
هاأنذا أقدم لسيادتكم وصيتي في حالة عدم عودتي حيًا أرزق إلى أرض الوطن الحبيب مصر، إن اكتشف حقيقة أمري في إسرائيل وينتهي بي المطاف إلى المصير المحتوم والوحيد في هذه الحالة وهو الإعدام شنقا فإنني أرجو صرف المبالغ الآتية من مستحقاتي لديكم:
لأخي من أبي عادل على سليمان الهجان، مبلغ وقدره ثلاثمائة جنية مصري لا غير.. أعتقد أنه يساوي إن لم يكن يزيد عن المبالغ التي صرفها علي منذ وفاة أبي لأصبح غير مدين له بشئ.
وخمسين جنيهًا لأخي سليم كان يدعي أني مدين له به وليترحم علي إن أراد.
مبلغ مائة وخمسين جنيها لشقيقتي شريفة بصفة هدية رمزية متواضعة مني إليها وباقي مستحقاتي لدى سيادتكم يقسم كالآتي:
نصف المبلغ لطارق رفيق نجل شقيقتي، والصاغ محمد رفيق وليعلم أني كنت أكن لهما محبة كبيرة، والنصف المتبقي يصرف لأحد ملاجئ الأيتام.
وبذلك أكون قد برأت ذمتي أمام الله بعد أن بذلت كل ما في وسعي لخدمة الوطن العزيز.. والله أكبر والعزة لله.. وأشهد أن لآ إله إلا الله.. وأشهدا أن محمدًا رسول الله.
التوقيع "رأفت على سليمان الهجان".

يؤكد الكاتب، أن الجبالي عبر عما انتابه من أحاسيس وانفعالات ووجد دموعه فرت من عينيه محدثا نفسه بقاعدة الجهاز بأنه "لا دخل للعواطف في العمل".

ويوافق اليوم ذكرى وفاة رأفت الهجان، وهو الاسم الحركي للمواطن المصري رفعت علي سليمان الجمال الذي كلفته المخابرات العامة للرحيل إلى إسرائيل في إطار خطة منظمة في يونيو عام 1956 للتجسس وإمداد جهاز المخابرات المصرية بمعلومات مهمة تحت ستار شركة سياحية داخل إسرائيل.