رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عقيدة الصدمة واستراتيجية الكوارث «2»


الطبقة الرأسمالية العليا تحرّرت من كل قيمة أخلاقيّة ولا ترى فى كل كارثة تحل بالمليارات من بنى البشر سوى فرصة لتعظيم القدرة وتكديس الثروة
تناولنا فى القسم الأول من هذه الإطلالة على الكتاب المهم: «عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث» لـ«نعومى كلاين»، محتوى هذه الاستراتيجية الإجراميّة، التى تعتنقها الطبقة الرأسمالية العليا، التى تحرّرت من كل قيمة أخلاقيّة، وتحتقر كل المعانى السامية الإنسانية، ولا ترى فى كل كارثة تحل بالمليارات من بنى البشر سوى فرصة لتعظيم القدرة، وتكديس الثروة، هذه «الطبقة الأوليغارشية»، أى الأقليّة المُغلقة، البالغة الثراء، المُتَحَكِّمة فى شئون المعمورة، التى بيدها مفاتيح الحل والربط، وصنع القواعد والقوانين، وإصدار القرارات والتعليمات، ليس فى بلادها وحسب، وإنما فى العالم أجمع!.
وقد دقّت «وينى بيانيما»، المديرة التنفيذية لمنظمة «أوكسفام إنترناشيونال» غير الحكوميّة ناقوس الخطر، من بلوغ ثروة ٢٦ شخصًا فقط، من كبار أثرياء العالم، ما يملكه نصف فقراء المعمورة كلها!، مُحَذِّرَةً من أن «الفجوة التى تتسع بين الأغنياء والفقراء، تنعكس على الفقر، وتضر بالاقتصاد، وتؤجج الغضب فى العالم»، ومُضيفةً أن عدد أصحاب المليارات (وفى مقدمتهم أغنى رجال العالم: «جيف بيزوس»، رئيس شركة «أمازون»، الذى تبلغ ثروته وحده ١١٢ مليار دولار، أى نحو ٢ تريليون جنيه مصرى، وبما يوازى ميزانية مصر تقريبًا!)، قد تضاعف منذ الأزمة الماليّة عام ٢٠٠٨، مشيرةً إلى أن «الأثرياء لا ينعمون بثروة متزايدة فحسب، بل بنسب ضرائب هى الأدنى منذ عقود»!.
وعودةٌ إلى كتاب «عقيدة الصدمة» فيقول إن «البيت الأبيض»، اكتظَّ بعد وقوع أحداث سبتمبر ٢٠٠١ بتلاميذ الاقتصادى الأمريكى «ميلتون فريدمان»، (مُنَظِّر هذه العقيدة)، وعلى رأسهم صديق «فريدمان» المُقَرَّب «دونالد رامسفيلد»، (وزير دفاع إدارة بوش)، وبالشخصيات الضالعة فى تجارب الرأسمالية الكارثيّة فى أمريكا اللاتينيّة وأوروبا الشرقيّة، الذين كانوا يُصَلُّون «من أجل وقوع أزمةٍ، بالخشوع نفسه الذى يُصلّى به المزارع من أجل أن تُمطر على أرضه التى تعانى الجفاف، ومثلما المسيحيون الصهاينة من أجل بلوغ الغبطة.. وعندما ضربت الأزمة التى طال انتظارها أدركت هذه الشخصيات أنّ الساعة المنتظرة قد حانت أخيرًا»!.
وهكذا فإن أتباع «ميلتون فريدمان»، الذين احتلّوا إدارة «جورج بوش» الابن، والذين تدرَّبوا على الاستغلال المنهجى للحظات الصدمة فى بلدان أخرى، مثل انقلاب الجنرال «بينوشيه» على الرئيس الاشتراكى التشيلى المُنتخب، «سلفادور الليندى»، وجدوا فى الصدمة التى ضربت الشعب الأمريكى والعالم بهجوم ١١ سبتمبر «فرصةً أمام الأيديولوجيا التى نشأت فى الجامعات الأمريكية، وتعزَّزت فى مؤسسات واشنطن، كى تعود إلى موطنها»!.
واغتنمت إدارة بوش الهلع الذى أثاره الهجوم فى النفوس، ليس فقط لشن «حرب على الإرهاب»، كما يشرح الكتاب، وإنما لتحقيق خطة أتباع «فريدمان» من «المحافظين الجدد»، الذين «يُطالبون بقيام ثورة اقتصادية فى الولايات المتحدة تتبع نمط المعالجة بالصدمة»، و«لضمان أن تكون هذه الحرب مغامرة هدفها تحقيق أرباح شبه كاملة»، ولتنفيذ عملية خالصة لـ«خصخصة الحكومة» بمجملها، وبحيث لا يكون «دور الحكومات فى هذه الحرب التى لا تنتهى، مجرد دور المسئول عن إدارة شبكة من المتعاقدين، بل دور الرأسمالى المستثمر، الواسع الجيب، الذى يُؤّمن المال الكافى لتأسيس هذه الوحدة، وتحويل نفسه إلى أكبر زبون يحتاج إلى خدماتها الجديدة»!.
وكما حدث فى تشيلى، على يد زمرة الديكتاتور «بينوشيه» العميل الأمريكى، والذين تتلمذوا على يد «فريدمان» فى مدرسة جامعة شيكاغو، وفى العراق بعد الاحتلال على يد عملاء الـ«CIA»- انطلق المؤمنون بهذه العقيدة، «عقيدة الصدمة»، فى العصف بشعوبهم، والتعامل معها كـ«عدو»، بهدف: «التحكُّم فى إرادة العدو، وبصيرته وإدراكه، لجعله عاجزًا بكل معنى الكلمة عن الفعل ورد الفعل!». (يتبع)