رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسامة علام في مواجهة الغربة والكتابة وشخوص رواياته

جريدة الدستور

أسس الروائي أسامة علام مجموعة "أقلام عربية" في كندا، بعد هجرته إلى هناك، لتكون ملتقى لبعض الأدباء يناقشون فيها الأدب العربي والعالمي، وصدر عن هذه المجموعة الأدبية 15 كتابًا، أما "علام" فيشارك منفردًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب برواية " الحى العربى"الصادرة عن دار الشروق بمعرض الكتاب لهذا العام، في دورة اليوبيل الذهبي 2019، التقينا به وكان لنا معه هذا الحوار:

أسست مجموعة "أقلام عربية" فى مونتريال بعد هجرتك إلى كندا، كيف تعمل هذه المجموعة، وهل حققت منجزًا أدبيًا؟ وهل مازالت متواصلة؟
تجربة الهجرة تجربة شديدة الارباك. محاولة بحث دائم عن مكان يحتوى روحك بشروطك الخاصة. لكن سريعا ماتكتشف بأنك فى صراع دائم بين الذى تركته وما تبحث عنه. لتبدأ حربك الناعمة للوصول لهويتك الخاصة. هوية جذورها فى وطنك الأم وفروعها فى وطنك المختار.

وفى رحلة البحث عن هويتنا المتفردة فى كندا نلت شرف أن أكون أحد مؤسسى مجموعة أقلام عربية فى مونتريال. الفكرة بسيطة ومدهشة. نتقابل من سنوات بأحد المقاهى كل يوم أحد. نتحدث عن الأدب العربى أو العالمى. نستمع لنصوصنا الخاصة أو النصوص المختارة لأدباء من شتى بقاع العالم. تضم المجموعة تسع جنسيات عربية. لا قيود ولا خطوط فاصلة سوى الأدب الانسانى على اتساع مداه. ومع مرور الوقت الذى حمل لقلوبنا الكثير جدا من الدفئ، استطاع مبدعو المجموعة اصدار مايزيد عن الخمسة عشر كتاب. تنوعت بين الرواية والقصة القصيرة والدواوين الشعرية والأعمال الفكرية.

ورغم قسوة المناخ الكندى خاصة فى الشتاء، ماتزال المجموعة تواصل اللقاءات الأسبوعية. حالمين بالوصول الى نشوة المؤانسة فى واقع بديل. نشوة يغزلها جمال اللغة العربية وتستدفئ بها أرواح عاشقة لأوطان ستعيش للأبد فى القلوب.

كيف تعاملت مع الاغتراب في كندا، وكيف تغلبت على أزمة التواصل الإنساني هناك؟
دعنا نتفق على أن الوحدة المكونة للعالم هى الانسان على بساطته المعقدة. طموحه وأحلامه هما الوقود للدخول فى أى تجربة. أما الاغتراب فهو شخصى للغاية. لا يحتاج لسفر أو تغير لغة. الاغتراب مرض مركب. دوائه الحرية والحياة الكريمة. بيتك فى وطنك الجديد هو مملكتك الخاصة. أما المجتمع فلا يحتاج منك سوى الانضباط واحترام الآخر الذى سيحكم على أفعالك فقط فى الغالب. أعيش على هامش عالمين. أتنقل الآن بينهما بالكثير من المسامحة لنفسى وللآخر بعد سنوات طويلة من الحياة كمهاجر. تحتاج بشدة أن تكون منطقيا فى أحكامك. أنا ابن ثقافة مدهشة. أمتلك تراث ثرى جدا كونى عربى وأحد أبناء المحروسة. أفهم جيدا أننى أنتمى الى الثقافة الانسانية الأشمل والأعم. وعلى مسرح كل ماهو انسانى هناك ما تستطيع التواصل من خلاله. لا أطلق أحكام مسبقة أبدا. أما هؤلاء الذين يربكهم لون بشرتك، فسريعا ما يستطيع علمك وما تتقنه من مهارات تحويلهم الى أصدقاء أو أعداء غير قادرين على الايذاء.

هل تخاف من القارىء الغربي، وما الفارق بينه وبين القارىء العربي؟ ومتى كانت أول مواجهة حقيقية بينك وبينه؟
لا يهمنى كثيرا القارئ الغربى. أنا أكتب دائما للقارئ العربى الذى أحمل دمائه. أنا عربى يعيش تجربته الخاصة فى الغرب. لا أنتظر من الكتابة شهرة أو دخل مادى. أكتب لأنى أحمل مسئولية نقل المشهد بصدق وواقعية. لقارئ يحلم الملايين من ابناء وطنه بمغامرة الموت غرقا للوصول لما يعتقد أنه الجنة الموعودة.

القارئ الغربي سيبحث فيما أكتب عن شهرزاد ليالي السلاطين. لأنه سيقرأ لكاتب عربي. يحلم أن يرى صوره السابقة التكوين على الورق. حكايات الجان والحريم والتسلط الدينى والغلمان. أنا كاتب هاو وحر. أكتب عن مجتمعى الكندى بالحيادية التى أراها. يمتعنى أن أقول للغولة "ياغولة" فى عيونها. تشغلنى بالأساس حكايات المهاجرين من الجيل الأول والجيل الثانى. ليس لدى توازنات سوى ما أؤمن به. اليوتوبيا حلم مرضى فى العقول المريضة. مهمتى هى رصد التناقضات وتدوينها على ألسن شخصيات رواياتى بحثا عن الحقيقة.

كيف عملت على رواية "الاختفاء العجيب لرجل مدهش"وهل رصدت فيها أحوال المجتمع الكندي أم كلها شخصيات مُتخيلة ؟

الاختفاء العجيب لرجل مدهش تجربة خاصة للكشف عن المسكوت عنه فى الثقافة الكندية. كل أبطالها كنديي الهامش، بطلها مزين موتى كندى يعانى الوحدة، ويهوى التمثيل فى الشارع فى المهرجانات المحلية. شخصية اكتشفت وجودها بعد وفاة أحد أصدقائى الكنديين. للموت هنا ثقافته الاحتفالية الخاصة. ومع الأصدقاء فى العمل ذهبت لالقاء نظرة الوداع على الشاب الذى كان موته مفاجأة حزينة لى. فوجدت جسده مزينا في أبهى صوره. أقاربه يتحدثون عن نوادره المفرحة. وتساءلت عن شخصيات خيالية تنتمي بشدة لأرض الواقع، كهذا الشخص الذي يمتلك التعامل مع أجساد الموتى ويعيد لها كل هذا البهاء.

ما هي أبرز ملامح الشخصيات التي استوحيتها من المجتمع الكندي، وكيف عبرت عنها؟
المجتمع الكندى شبيه تماما بكل المجتمعات الحديثة. لكن سيطرة الفرد وقدرته على صنع تفاصيل حياته أكثر طغيانا وحدة. دور الأسرة أوالانتماء الى تيار سياسى أو دينى محدود للغاية. هنا الجميع أبناء الدولة لأنهم دافعى للضرائب المقدسة. تستهوينى الشخصيات المتطرفة فى ذاتيتها. كردة فعل على خذلان المجتمع لها. فى روايتى الأحدث "الحى العربى" كتبت عن المشردين الذين يختاروا طواعية الشارع كبيت وسكن. فى "الاختفاء العجيب" تحدثت عن العجائز فى وحدتهم القاتلة. فى رواية "الوشم الأبيض" تطرقت لمتحولوا الجنس والسكان الأصليين وأبناء الجيل الثانى من مهاجرين مشتتوا الهوية. يتحدث الغرب دائما عن افتقادنا كمهاجرين للاندماج. وها أنا أكتب عنه بالكثير من الاندماج والحيادة. دون التوقف طويلا عند حدود الألم أو المعاناة. محاولا الانتصار فى النهاية للانسانى المشترك. كلنا نخاف الموت والمرض ونحلم بالحب والسعادة. وليس من الحكمة أبدا الصمت أو الارتباك فى رسم المشهد الكامل.

ما هو جوهر الاختلاف بين الأدب المصري والكندي؟
صدقنى الاختلاف محدود جدا لو نظرت له بعين محايدة. البشر يكتبون قصصهم الخاصة، أحلامهم ومعاركهم فى مواجهة الحياة بلا حدود. نحتاج فقط للحديث بقلوب وعقول مستعدة لتقبل الآخر. هذا هو التفسير الأوضح لرواج أعمال خلدها الأدب فى قدرته البديعة على التواصل. الأدب الجيد عابر للثقافات والعادات واللغات. هذا ما يجعل دستوفيسكى وماركيز ومحفوظ كتاب للبشرية كلها.

هل تعمل دور النشر هناك بنفس العقلية والذهنية والعربية؟ أم الأمر مختلف؟
بالطبع الأمر هنا شديد الاختلاف. اختلاف منشأه ثقافة النظام بشكل شامل. نظام قادر على صنع مؤسسات ريادية وأبطال يحصلون على بطولات العالم فى الرياضة وجوائز نوبل فى العلوم. هنا منظومة متكاملة تبدأ من اعداد القهوة بمقهى صغير ولا تنتهى عند التفوق فى البحث العلمى والصناعة. أن تقبل كتابك دار نشر أمر شديد الصعوبة. لكل كاتب مستشار يستطيع أن يظهر أفضل ما فى منتجه الابداعى. ويدعم حركة النشر كلها نقاد وصحفيين من طراز رفيع قادرين على التعامل بصرامة مع أى منتج ابداعى. للحفاظ على جودة المادة الأهم فى تشكل وعى شعوب تعلم أن الثقافة هى أحد أهم مقومات الحياة والمعرفة.

هل تتابع ما يكتبه أدباء المهجر؟
أرفض دائما فكرة تصنيف الأدب إلى أدب مهجر أو أدب نسائي أو خيال علمى. الإبداع كرة لهب دائمة الحركة والادهاش. دون تقزيمه تحت مسميات هدفها تهميش ما يصدر عن عقلية البشر بناءا على جنس أو لون أو مكان أو اهتمام.
أما اذا تحدثنا عن متابعة الأدب الذى يتحدث عن تجارب من تضعهم الحياة فى أماكن غير الأوطان. فأنا يشغلنى تماما فهم التجربة. تجربة من يسعى الى فهم وجوده الخاص فى مكان جديد. يدهشنى ما كتب ميلان كونديرا أو ج.م. كوتسى على سبيل المثال. وأستمتع كثيرا بأعمال متفردة فى رسم الحالة العربية كأعمال أنيس بن عمار التونسى، رشيد نينى المغربى، ايمان مرسال المصرية والكثير من الأصوات شديدة العذوبة فى محاولة الوصول لفهم تجربة الهجرة والحياة بعيدا عن الأوطان.

كيف تتشكل عقلية أدباء كندا، وما طبيعة الإطار الذي يعمل به الأدباء العرب؟
سؤال يبدو أننى لا أمتلك إجابته. يحتاج الكاتب دوما إلى صحبة قادرة على التواصل معه فيما يخص اهتمامهم المشترك. ليس لدى أصدقاء من الأدباء الكنديين ولا أملك الحكم على كيفية تشكل وعيهم الخاص بالإبداع. أما الحديث عن النخب والشللية فى الأدب المصرى فهو أمر مربك لشخص مثلى. يرى أن الكتابة محاولة فريدة لفهم وجوده العابر فى الحياة. أنا لا أنتمى لشلل ولا أعترف بالنخب. أؤمن بأن الابداع الجيد يجب أن يقيم بمعزل عن المبدع. هنا كتاب وهناك قارئ. الجسر بينهما صدق التناول وحرفيته.

وأخيرًا، هل ستشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب القادم يناير 2019؟
يسعدنى أن تصدر روايتى" الحي العربي" عن دار الشروق بمعرض الكتاب لهذا العام. فكرتها نبعت عن سؤال واجهته لنفسى أحد الأيام. ماذا لو أكتشف العرب الكنديين أنهم فقدوا هويتهم الكندية. تدور أحداث الرواية فى الحى العربى بمونتريال بعد حصول العرب لأول مرة على كأس العالم فى كرة القدم وفوزهم على أمريكا. لتعم الحى الذى يبلغ سكانه المائة ألف أحداث شغب عارمة واحتفالات مدمرة للانتظام الكندى الصارم. فتقرر كندا بناء جدار عازل عملاق حول الحى. ويصبحللعرب الحق فى تكوين دولتهم الخاصة وسط الثقافة الغربية. دولة الحى العربى. فهل يستطيع العرب البقاء؟ وكيف سيكون مصير العرب بكل ما اعتادوا من شقاق وتفرق مذهبى وقومى. رواية متخيلة مدينة فى جذورها لواقع معاش ربما يكون مؤلم أو حالم. لكنه جدير بالفهم والتساؤل.