رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلّا.. هذه النماذج السيئة من النساء


عاهدتُ نفسى دائمًا وأبدًا أن أكون دائمًا فى صف الحق والعدل والتنوير، وفى التعبير بصدق عن أفكارى ورؤاى.. وكنت أحرص على أن أقف وأتحدث وأكتب فى قضايا المرأة سعيًا لتقدمها، ونيل حقوقها، والدفاع عنها ضد من يريدون قهرها أو تحقير شأنها، أو ظلمها، أو التراجع بها إلى الوراء، أو عزلها أو انعزالها.. وما زلت أواصل مسيرتى بكثير من الجهد والصدق من أجل نشر التنوير، وتحسين أحوال المرأة وتمكينها وإعلاء شأنها وتقدمها، كشريك أساسى مع الرجل فى بناء وتقدم وتفوق مصر.
لكننى لست من المدافعين عنها دون حق، أو حين تحيد عن المسار السليم، أو حين تتحول إلى ظالمة وليست مظلومة.. فما بالك إذا ما تحولت إلى وحش كاسر وكائن غبى بلا رحمة أو عقل فى تعاملاتها مع أبنائها.. لهذا أتوقف قليلًا، فى مقالى اليوم، أمام نموذج سيئ للأمهات.. نموذج يخلو قلبه من الرحمة أو العطف أو الذكاء أو حسن التصرف.. إنها سيدة مصرية وأم، للأسف، لكن خلا قلبها من الرحمة، وتاه عقلها منها، وكادت تقتل ابنها البالغ من العمر ١٣ عامًا، لولا تدخل القدر فى اللحظة الأخيرة، وصاح الجيران لوقف ما يحدث للطفل الذى كاد يسقط من الدور الثالث.
إنها واقعة مروعة، أسفرت عن استياء وغضب شديدين من الرأى العام المصرى، وتداول الناس الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى بأسرع من البرق.. لذا حرصتُ على تناول تفاصيله هنا حتى تتضح الصورة للقارئ الذى لم يشاهد هذا الفيديو؛ حتى يصبح درسًا لكل أم يسيطر عليها الاستهتار والقسوة مع أبنائها، حيث تحول الفيديو المشار إليه إلى فضيحة مدوّية، ومن ثم تم استدعاء رجال الشرطة لهذه السيدة.
وباختصار شديد، فقد تابعنا مشهدًا غريبًا لسيدة تدفع طفلًا، فى سن ١٣عامًا، ليتسلق حائطًا بالدور الثالث، بمنطقة حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة، لكى يخرج من الشباك حتى يصل، قفزًا، إلى «البلكونة» المجاورة ليفتح لها باب شقتها المغلق عقابًا له على نسيانه أين وضع مفتاح هذه الشقة!.. وظل الطفل معلقًا غير قادر على الوصول بيد واحدة إلى «البلكونة» المستهدفة، فيما تمسك تلك السيدة بإحدى قدميه، أما قدمه الثانية فلا تصل إلى «البلكونة» نظرًا لبعد المسافة عنها، وبالتالى عجز الطفل عن الوصول إليها.
لحظتها، سمعنا صرخات الجيران لردع السيدة خشية حدوث كارثة بسقوط الطفل من الأدوار العليا أرضًا على رأسه.. وتعالت صيحات الاستغاثة لتطالب السيدة بأن تمسك بالطفل جيدًا لتعيده إلى الشباك بعد تعلقه فى الهواء، حفاظًا على حياته التى كادت أن تضيع، لولا تدخل القدر فى اللحظة الأخيرة، بعد أن استطاع الطفل أن يمسك بطرف الشباك ويقفز إلى الداخل، بينما انهالت عليه السيدة ضربًا لأنه فشل فى القفز إلى «البلكونة» المجاورة.. وبالتالى تم استدعاء الشرطة التى ألقت القبض على هذه السيد المستهترة.. وتأكد للجميع أنها والدة الطفل.
إنها واقعة لموقف غير عادى، من سيدة من أبسط واجباتها حماية ورعاية وتربية أبنائها، لكنها لا ترقى إلى مستوى الأمومة أو الدور المطلوب منها.. وواضح أنها تعيش فى منطقة شعبية محيطة بها، فاستدعى الأهالى الشرطة أثناء هذا المشهد المروّع لطفل «البلكونة».. وقال زوجها إنها عاملة وكانت متعبة وتريد أن تستريح وليس معها نقود لتحضر نجارًا ليفتح لها الباب، بعد أن فقد الطفل مفتاح الشقة، وهذا عذر أقبح من ذنب، لأنه ليس من العقل أن تترك الأم مفاتيح الشقة مع الأطفال، وكان يمكن أن تترك مفتاح شقتها مع جارة صديقة وأمينة لها، كما هى العادة فى التعاون بين أهالى المناطق الشعبية.
ثم من المشهد الذى رأيته، أقول إن هذه الأم بحاجة إلى إعادة تأهيل لتدرك متطلبات دورها.. إننا بالفعل ما زلنا فى مصر نعانى من الزيادة السكانية لأسر ليس لديها الوعى الكافى لتنجب طفلين أو ٣ أطفال وكفى، لتستطيع أن تتولى رعايتهم وتعليمهم وتوجيههم، ولتستطيع الأسرة أيضًا أن تُخرج لنا مواطنين صالحين.. لذا فإن هذه الأم لا تعرف أبسط قواعد الرعاية أو الحماية لأطفالها.. ولا يمكن أن نعتبرها أمًا مصرية طبيعية، إنها حالة فردية، لكن من واجبنا أن نتنبه ألا تتكرر.. ربما كانت، حقًا، أمًا عاملة وبسيطة، وقد تكون غير متعلمة أصلًا، لكنها فى كل الأحوال بحاجة إلى تبصير بأهمية دورها كأم.. وهذا يقودنى إلى قضية أساسية أتحدث عنها، وهى قضية القيم المصرية وضرورة استعادتها فى سلوكياتنا اليومية وتعاملاتنا العادية مع البيئة المحيطة بنا.. لقد كانت الحارة المصرية والمناطق الشعبية خاصة قديمًا تتسم بسمات جميلة، ويتعايش أهلها فيما بينهم على قيم أصيلة جميلة، مثل التعاون والتراحم والجدعنة والشهامة والتواصل والتعاطف بين أهل الحى الواحد، أو الحارة الواحدة، لكن يبدو أن هذه القيم تكاد تندثر أو تختفى، إن لم نحافظ عليها ونحرص عليها فيما بيننا.
فقد كان يمكن أن يتدخل أهل الحى لحل المشكلة دون حاجة إلى المخاطرة بحياة طفل لا حول له ولا قوة.. أو ربما هذه السيدة ممن يتسمن بالكآبة والانعزالية وكراهية أهل الحى لأنه لم يتدخل أحد لمساعدتها أو استضافتها لحين فتح باب الشقة لها ولابنها.. وإننى لأتساءل هنا: هل فقدنا الرحمة والتراحم بيننا؟، وفقدنا أجمل قيمنا المصرية؟.. ويبدو أن السنوات الأخيرة التى أراد البعض فيها نشر الفوضى والعنف وكراهية الآخر فى حاجة إلى جهد مجتمعى وجماعى لإعادة السمات العريقة، التى كان يتحلى بها المصرى والمصرية دائمًا، وقبل نشر تيار الفوضى منذ ٢٠١١، فقد كانت سمات مميزة اشتهر وعُرف بها المصرى والمصرية، ونريدها أن تعود وأن تسود فى حياتنا مرة أخرى.. وهو أمر ممكن وليس مستحيلًا لو تضافرت الجهود المجتمعية معًا.
انتهت الواقعة بأن تم القبض على «سيدة البلكونة»، إلا أن النيابة أخلت سبيلها بتعهد بعدم تكرار ذلك، وحسن رعاية ابنها.. إلا أنه من ناحية أخرى، فإن هذه الواقعة أكدت لنا جميعًا أننا ما زلنا فى حاجة إلى استنهاض دور الإعلام فى التوعية وزيادة الوعى لدى المواطن العادى، فى السلوكيات السليمة، والاهتمام بالتربية بداخل المدارس، ونشر فكر الاستنارة لدى المواطنين، حتى يعرفوا متطلبات مسئولياتهم، ودورهم الصحيح فى الحياة.. إن رفع درجة الوعى لدى الناس، وإحياء القيم المصرية الأصيلة، ونشر السلوكيات السليمة لا تزال فى حاجة إلى جهود من الإعلام والمفكرين وأصحاب الخبرات فى مجال التربية، وضرورة التوجيه والتبصير إلى أهمية نشر وإحياء القيم الأخلاقية المطلوب توافرها فى مجتمعنا.