رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يستحيل الإحساس بالفرح الجنسي؟



بالصدفة وأنا أبحث عن بعض المعلومات عبر الإنترنت، قرأت أن العرب ينفقون سنويًا على المنشطات الجنسية ما يقرب من ١٠ مليارات دولار سنويًا.
هذه الأرقام، إن صحت، ولم تكن شائعة مغرضة، تدل على أن العرب تجاوزوا «الاهتمام» بالجنس إلى مرحلة «الهوس». وهى مرحلة، «غير طبيعية»، «مَرضية»، تشير إلى خلل، واختلال، فى علاقة الرجل العربى، بالجنس. وتدل على أن العلاقة بين الرجال العرب والنساء العرب تعانى من أزمة حقيقية، لا تقل عن الأزمات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والدينية، والنفسية، والأخلاقية، والبيئية.
مع كل قرص يبتلعه الرجل، قبل المعاشرة الجنسية، يكون قد ابتلع الوهم أن تركيبًا كيميائيًا هو الحل السحرى، السريع، لمشكلته الجنسية مع المرأة. يبتلع الرجل وهم تنشيط الرجولة كما يبتلع الضوضاء، والحروب، والإبادة الإجرامية للشعوب باسم الديمقراطية والسلام، والانحدار الأخلاقى، وغياب العدالة، ونقص الحريات، ودم الشهداء، وارتفاع الأسعار، والفن الردىء، وكذب الإعلام.
أن يمتد الزيف إلى إحساس الجسد، وانتشاء الروح، فهذا جزء ضرورى من الحصار، الذى يستهدف خلق إنسان بإنسانية مشوهة، مجزأة، تخدم، وتشوه، وتجزئ الإنسانية عالميًا، ومحليًا. رجل ينفق بسخاء لإحداث «الانتصاب» العضوى فى علاقة أصلًا مصابة «بالارتخاء» المزمن، إنسانيًا، وعاطفيًا. وامرأة استغنت عن الانسجام الفكرى المتجدد «بكفاءة ميكانيكية»، فورية الصنع، فورية النتيجة. تمامًا، مثل إشباع الوجبات السريعة التى تضر، أكثر مما تفيد. الفارق هائل بين «وجبة على السريع» والطعام «البيتى» الدسم، الممتلئ بكل مقومات الغذاء الصحى.
رجل تتهاوى كل الأشياء من حوله، ولا تهمه إلا لحظة مؤقتة لإثبات مقياس الرجولة الساذجة، المنحصر فى الأداء العضلى. وامرأة تنسى أنها «متاع ذكورى»، و«ملكية ذكورية»، و«أرض ذكورية» محتلة، وجاهزة تحت الطلب، حينما تئن الشهوة الذكورية. لكنها لا تكتفى بذلك، بل تستسلم أيضًا، لعلاقة «آلية» واجبة الإشباع بأى ثمن.
إن الرجل السوى، المحب، تحرر من إلحاح الغرائز الحيوانية الدونية. يرى الجنس أكمل تعبير عن التناغم بينه وبين امرأة، يشتهيها بالعقل، والعاطفة، والجسد. امرأة لا تقل عنه حرية، وإنسانية، وكرامة.
مع هذا التناغم، يحدث تناغم آخر بين الطرفين من ناحية، وبين الكون المحيط. هنا يصبح الجنس نبوءة، وكشفًا للأسرار، وعلاجا للروح التى تشعر بالغربة، وإضاءة جديدة للدروب المظلمة. والنتيجة هى «السعادة» الجنسية وليس «الإشباع» الجنسى، الذى يتولد من علاقات مريضة، غير متكافئة، لقتل الوقت والتسلية، ولإنجاب النسل.
«الإشباع» الجنسى شىء، لكن «السعادة» الجنسية شىء آخر، مختلف شكلًا، وجوهرًا، ودلالة، وفلسفة.
نحن نعيش فى مجتمعات، وفى عالم، غير إنسانى، مقلوب المقاييس. عالم تُسيّره علاقات كلها بين طرف أعلى وطرف أدنى. عالم الإنسان المتصارع مع أجزائه. عالم فى تناقض جوهرى، وعداء أصيل، مع العدالة، والحرية. بدون عدالة، بدون حرية، يستحيل الحب الحقيقى، تستحيل السعادة الجنسية. بدون حرية لا نتذوق أبدًا «الفرح الجنسى»، الذى لا يشترط التورط الجسدى المتلاصق، أو حتى التقاء جسدين، للوصول إلى ما يسمونه «المحطة الأخيرة». يمكننا الإحساس بالفرح الجنسى، بأشياء لا تمت للجنس التقليدى، الموروث، بأى صلة. الفرح الجنسى لا محطة أخيرة له.
هناك «صفقات» عاطفية «مشروطة». هناك تبادل «منفعى» لأدوار، واحتياجات محددة، ومبرمجة سلفًا. وهناك «نجاح» جنسى بين أجساد مغتربة، لا تجد الرضا، إلا فى إشباعات عابرة، هى الأخرى بالضرورة «مغتربة». العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة ليست علاقة جسدية. ربما الجسد، هو «الوسيط». لكنها علاقة «فكرية»، «وجدانية»، «حضارية»، «فلسفية»، فى المقام الأول. ولذلك هى تنتج السعادة، البهجة، والامتلاء، والثراء، فى كل معانيه وأبعاده.
الأدوية، والأعشاب، وبعض أنواع الطعام، والشراب، ومشاهدة الأفلام المثيرة جنسيًا، كلها أدوات «مفتعلة» و«محفزات» صناعية، خارجية، لتعويض الشىء الأصلى الناقص. هذه المحفزات المفتعلة هى التى تجعل بلادنا على قمة نسب التحرش، والاغتصاب داخل الزواج وخارجه، والعنف ضد النساء، وكراهية المرأة، والعداء للبيئة، والتعصب الدينى، والفكرى، واحتقار الجنس، رغم الإنفاق الباهظ لشراء «الفحولة» الصناعية.
من بستان قصائدى
الثمار تتساقط.. فوق رأسى
أتركها ترحل إلى مصير مجهول.. لا أكتشف قانونًا آخر للجاذبية
ولا أتذوق عصارتها الشهية.