رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافى يكتب: أحزان يناير




إن كانت ثورة يناير تهمك فتعلم من دروسها الإعلامية، راقب كيف صعد رجال المكتب السياسى وعبيد مبارك وجمال إلى القمة، لا تبكى، ولا تسخر، ولا تسب، ولا تلعن، استرجع بعض ملامحها ستجدها حدثًا يستحق الجدل والخلاف، التأييد المطلق، والرفض التام، فلم يكن من الطبيعى أن يرى الجميع فى يناير ثورة للتغيير والتجميل والتطهير وهى تتعارض مع مصالحهم واستثماراتهم الضخمة.
لم يكن من الطبيعى أيضًا أن يعتبرها الجميع نكسة وشغل عيال متدربين فى الخارج لتدمير البلد!، وقتها كان من حقى وحقك أن ندافع عن وجهة نظرنا باستماتة لا تقبل الزحزحة ولا المساومة، الرافضون كانوا أكثر عنفًا فى رفضهم، والمؤيدون انتصروا لفترة قصيرة، وخلالها اشتعلت مصر بظهور جماعة الإخوان فى جمعة النصر وما تلاها من زحف أصولى استمر حتى دانت مصر العظيمة الشامخة لمجموعة من الهمج والجهلة والأنصاف، رفعوا المصاحف على أسنة الرماح فخرجت معهم جحافل من بيوت وعائلات القرى والنجوع، وتواصلت معهم عصابات التجارة بالدين من كل صوب، وحوصرت مصر بالذقون والجلاليب البيضاء، وفاحت روائح البصل والملوخية والفتة الضانى من قصر الرئاسة، الذى أصبح زاوية الجماعة ورجالها من مكتب الإرشاد وقيادات الإخوان فى المحافظات، وتحددت العلاقات الخارجية المصرية وفق مزاج الجماعة وتوافقاتها وصفقاتها، التى تضمن لتنظيمها الدولى السيطرة على مصر من الداخل والخارج، فكانت قطر أولى القبلتين والقرضاوى ثانى الخلفاء بعد مرشد الجماعة، ثم يجىء رئيس جمهورية مصر العربية «الاستبن» فى الدرجة الثالثة حيث تولى مهمة توزيع الجرابيع الإخوانية على مناصب الدولة ومفاصلها الرئيسية من مؤسسات صحفية وبنوك وهيئات وأجهزة استخبارات أيضًا!!، واختنقت مصر وضاق شعبها، وعض الذين عصروا الليمون على أصابعهم حسرة وندمًا، واشتعلت الشوارع والبيوت والمؤسسات غضبًا وحنقًا على جماعة أصابها الغرور وأصبحت تهدد أمن المصريين ويتحدث خطباؤها كثيرًا عن «اللى مش عاجبه الإخوان يسيب البلد»، ولأن الله لا يعطى البصيرة لأهل الطمع من المتاجرين بدينه فقد فقدت الجماعة البصر والبصيرة وعاثت فى الأرض فسادًا وظلمًا وتنكيلًا بالخصوم وترويعًا، وأمسك قادتها فى الوزارات والهيئات بالمصحف فى اليد اليسرى والسيف فى اليمنى، وهاصت الدنيا وصعد القتلة والمجرمون من تنظيمات الجماعة الإسلامية إلى أرفع المناصب فى مصر وفى سفاراتها واتصالاتها الرسمية والخارجية، وساد اليأس والاكتئاب، ومضغ المصريون الألم ربما يعود الغافل إلى رشده ولا يشعلها حربًا أهلية تحرق الكنائس والمساجد وتشعل نار فتنة لن تخمد إلا وقد أحرقت الأخضر واليابس، لكن الغافلين صدقوا كذبتهم وسخروا من المصريين وتظاهراتهم التى لم تتوقف طوال شهور حكم المعزول الكئيبة، فما كان لهم أن يقبلوا كل هذا من عصابة صغيرة وهم الذين واجهوا الإمبراطورية العثمانية بجلالة قدرها ومرمغوا بذقون حكامها الأرض!، فتحركت القلوب وهتفت لجيش مصر كى ينقذها من جبروت هؤلاء الذين انتشروا مثل السرطان واحتلوا أعلى المناصب فى سرعة البرقر وتفرقت قيادات حزب الحرية والعدالة وأعوانهم ومساعديهم على بقاع الأرض فى مصر من مشرقها إلى مغربها، حتى مؤسسة الأهرام العريقة زرعوا رجالهم على رأس مجلسى إدارتها وتحريرها وصعّدوا رجالهم لرئاسة تحرير الإصدارات، واستعمرت الذقون الطويلة مبنى المؤسسة من مدخل بابها الرئيسى حيث رجال الأمن الذين كانوا مع مرسى فى حملته الانتخابية وحتى صالة التحرير حيث كل بقايا حزب الحرية والعدالة إلى مساحات الرأى التى تم إخلاؤها من الليبراليين وكتُّاب الأهرام ليحتلها حلمى القاعود مُنظّرًا ثقافيًا لعصابة الإخوان، والفتى المعجزة «نادر بكار» كاتبًا إسلاميًا ومندوبًا عن الجماعة الإسلامية، وعلى خطوط مصر للطيران لاحظ أحد قيادات الجماعة فى إحدى رحلاته الميمونة أن الشركة تعرض أفلامًا غير لائقة أخلاقيًا!، وتمت ترجمة تصريحاته على الفور للاستعانة بأفلام إسلامية لركاب طائرات الخطوط المصرية ربما يدخل الإيمان إلى قلوبهم!، وانتشرت دعوة سيادته حتى وصلت إلى وزارة الثقافة التى استأجرت كتُّابًا من اليسار المصرى ليعيدوا كتابة أمجاد زعيم العصابة الروحى حسن البنا بحيث يتعرف الجيل الجديد على أساليب القتل والتحريض وتكفير المجتمع!، وامتد تيار الأخونة المصنوع برعاية أمريكية قطرية لتضيق مصر ويخرج شعبها العظيم وراء جيشه وحصنه الدائم مهما طال الزمن، وكتبنا سويًا نهاية عصر الظلام بفجر ثورة ٣٠ يونيو التى كانت احتفالًا بزوال الغمة وعودة مصر من جديد لترى فى ثورة يناير محاولة حقيقية من شباب سعى للتغيير والتخلص من نظام بليد وخامل، لكن عواصف المصالح وخيانة الثوار وتسليم أمورهم للضباع والثعابين والحيات من مناضلى العوامات وجماعات العنف سلبت منها روحها النقية الطاهرة التى تجلت فى صور شهدائها الذين صدقوا الحلم وتركوا ضحكاتهم فى براويز الذكريات شاهدة على كل الخونة الذين باعوا يناير لجمعيات حقوق الإنسان وهيئات التمويل الأجنبى وصنعوا ثرواتهم على جثث الضحايا والأبرياء ممن دفعوا الثمن، وما زالوا حتى اليوم يدفعون عن طيب خاطر وهم يضحكون ويسخرون من الأقدار التى جعلت اللصوص ثوارًا ومناضلين.