رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمته كتابة مقدمة ديوان "وطنيتي".. في مثل هذا اليوم سجن الزعيم محمد فريد

 الزعيم الوطني محمد
الزعيم الوطني محمد فريد

خرج الزعيم الوطني محمد فريد، من السجن فى الساعات الأولى من الصباح حتى لا يشعر الناس به، لكن المفاجأة كانت فى وجود حشد حمله على الأعناق، وهتف ضد الاحتلال الإنجليزى فى مصر.

كان يقضي عقوبة السجن ستة أشهر التى بدأت فى مثل هذا اليوم 23 يناير عام 1911 لاتهامه بكتابة مقدمة ديوان شعر "وطنيتى" ومؤلفه "على الغاياتى"، فالديوان احتوى على قصائد تهاجم الاحتلال والخديو عباس حلمى التاني، والحكومة وجاء فى مقدمة فريد: كان من نتيجة استبداد حكومة الفرد سواء فى الغرب أو الشرق إماتة الشعر الحماسي، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح على وضع قصائد المدح البارد والإطراء الفارغ فى الملوك والأمراء والوزراء.

اعتبرت السلطات أن الديوان تحريضي يستوجب محاكمة مؤلفه، وكاتب المقدمة، ومحاكمة الشيخ عبد العزيز جاويش لكتابة مقدمة ثانية، وبينما كان جاويش فى مصر وحصل على حكم السجن لثلاثة أشهر، كان فريد رئيس الحزب الوطني أكبر الأحزاب وقتئذ فى جولة أوروبية استمرت 8 أشهر.

لم تكن جولة فريد هربا، بل كانت فى صلب القضية الوطنية ففى أوروبا كان يعرض مسألة استقلال مصر ولما قضت المحكمة بسجن جاويش، تلقى فريد خطابا من ابنته الكبرى فريدة، يأتى عبد الرحمن الرافعى بنصه فى كتاب "محمد فريد" رمز الإخلاص والتضحية، الصادر عن دار المعارف القاهرة: "ولنفرض أنهم يحكمون عليك بمثل ماحكموا على عبد العزيز جاويش، فذلك أشرف من أن يقال بأنكم هربتم، وماتحملتم الهوان فى سبيل وطنكم، أتوسل إليكم باسم الوطنية والحرية أن تضحون بكل عزيز فى سبيل نصرتها أن تعودوا، وتتحملوا آلام السجن، وعاد فريد".

كان فريد صلبا فى مواقفه الوطنية، استقال من القضاء ليعمل فى المحاماه بعد نقله إلى الصعيد لتعبيره عن فرحه ببراءة الشيخ علي يوسف وتوفيق أفندى كيرلس من اتهامهما بإفشاء أسرار حربية، وحضر المحاكمة ضمن الجمهور، ومما يرويه أحمد لطفى السيد فى كتابه "قصة حياتى" أن أحمد فريد باشا والد محمد قابله فى سويسرا وظل يبكى نادبا حظه فى ولده الذى فتح "دكان أفوكاتوا"، وعن صلابته أيضا يصفه فتحى رضوان فى كتابه "مشهورون منسيون": "فريدا فى الثبات والاستمساك بالعقيدة التى استحالت منقذا فى يد المتشبث بها".

يذكر فريد فى مذكراته الشخصية التى تأتى ضمن المجلد الثانى: "مواقف حاسمة فى تايخ القومية العربية"، تأليف محمد صبيح: "إسماعيل أباظا من رجال الخديو (عباس حلمى الثانى)، وكثيرا ما سعى عندى للتوفيق بينى وبينه، وتردد على مرارا بمصر خصوصا قبل محاكمتي، ووعدنىي بحفظ القضية إذا رضيت بمقابلة الخديو وسرت كما يريد، أى أتبع سياسة الخديو وهو التقرب للإنجليز من جهة والكتابة والخطابة بما يوحى إلى به من السراي فرفضت طبعا".

رفض كل المساومات للإفراج عنه قبل انتهاء فترة سجنه، ولما خرج كتب: "مضى علي ستة أشهر فى غيابات السجن، ولم أشعر أبدا بالضيق إلا عند اقتراب خروجي، لعلمي أنى خارج إلى سجن آخر، وهو سجن الأمة المصرية الذى تحده سلطة الفرد وبحراسة الاحتلال".