رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنوع الدينى والروحى


تلقيت دعوة كريمة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائى لحضور قمة التنوع الدينى والثقافى، للبحث فى «دور المؤسسات والقيادات الدينية فى تعزيز التسامح والتماسك الاجتماعى فى المنطقة العربية» فى ١٨ و١٩ ديسمبر ٢٠١٨ فى بيروت.
تمحورت قمة التنوع الدينى حول دور المؤسسات والقيادات الدينية فى تعزيز التماسك الاجتماعى، شارك فى اللقاء عدد من رجال الدينين الإسلامى والمسيحى ومجموعة من الخبراء والأكاديميين والناشطين، والفاعلين فى مجالات التنمية والسلم المجتمعى بالإضافة إلى عدد من صانعى السياسات.
ناقش الحضور الذين مثّلوا حوالى ٢٠ دولة دور القيادات والمؤسسات الدينية فى إرساء التسامح واحترام التعددية وبناء السلام، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، والمساواة الجندرية بين الذكور والإناث، وطالب الحضور القيادات الدينية بأن يكونوا جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة.
وأجمع الحاضرون على أن الدين والعنف لا يتفقان، ومن ثم رفضوا تطويع النصوص الدينية للغة إقصائية، وأن الخطاب الدينى الإلغائى للآخر لا بد من تغييره بخطاب جديد مستنير، مشددين على احتياج منطقتنا العربية عقولًا نيرة وقلوبًا متسامحة، حتى تتحقق الصداقة بين جميع الشعوب الدينية والثقافية.
ولأن دور النساء مهم فى بناء ثقافة السلام، طالب الحضور بأهمية وجود مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة حتى تتصالح المنطقة العربية مع القيم الكونية ومع الحضارة الإنسانية، وأن هذا لن يتحقق إلا بوجود قوانين عادلة للأحوال الشخصية، وسن تشريعات تتفق مع المواطنة، مع وجود قوانين رادعة لجرائم التمييز على أساس الدين والجندر، والاستفادة من التجارب الناجحة فى الدول المتقدمة، كذلك حتمية تطوير مناهج التعليم الدينى والتعليم العام.
وفى الجلسة الختامية للمؤتمر، طلبت منى الناشطة الحقوقية التونسية المبدعة الدكتورة خديجة مُعلى أن أقول كلمة ختامية، فقلت من ضمن ما قلت: إن التسامح يعنى قبول الاختلاف، والتسامح نقيضه التعصب الذى ينفى الاختلاف ويسعى للبحث عن التماثل وإنكار أى شكل من أشكال التنوع والاستقلال، والتعصب يبدأ بالكلام وينتهى بالإرهاب مرورًا بالتجنب والاضطهاد والاعتداء البدنى، والتعصب هو تقديس للأنا وإلغاء للآخر، ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار، وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق، وتُحفر الخنادق، وتُستباح الدماء.
وإن الله لا يهتم كثيرًا بالذبائح والقرابين ولكنه يهتم بالعلاقة مع الإنسان الآخر، إن شريعة الله هى: أن أحب أخى فى الإنسانية قبل كل فروض الصلاة والصوم والقرابين، فما قيمة الصلوات والأصوام والطقوس وكل مظاهر العبادة إن لم تكن هناك محبة حقيقية للإنسان الآخر؟ فهناك فرق شاسع بين التدين والإيمان الحقيقى، فالتدين كثيرًا ما يركز على المظاهر الخارجية وهى أمور جميلة ومهمة، بينما الإيمان الحقيقى هو موقف أخلاقى يقدس القيم ويحترم الإنسان الآخر أيًا كان لونه أو دينه أو مذهبه، فما أسهل التعبد لله ورفع الصلوات والأصوام، ولكن ما أصعب التسامح وقبول الآخر المغاير، إن الله سبحانه يريد أن يعيش البشر أسرة واحدة تربطهم رابطة المحبة، لذا فهو سبحانه لا يقبل عبادة مزيفة من قلب ممتلئ بالكراهية والتطرف والأنانية، إن العبادة الحقيقية التى تسر قلب الله هى التى تمر عبر الإنسان الآخر من خلال محبته وخدمته.
قال محيى الدين بن عربى، أحد أشهر المتصوفين «٢٥ يوليو ١١٦٥م- ٨ نوفمبر ١٢٤٠م»: قد كنت قبل اليوم أنكر صاحبى.. إذا لم يكن دينى إلى دينه دانى لقد صارَ قلـبى قابلًا كلَ صُـورةٍ.. فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَير لرُهبـَــــانِ أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ركـائـبهُ، فالحبُّ ديـنى وإيـمَانى.