رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نتذوق حب الله؟ «2-2»


لكن لماذا لا نتذوق حلاوة الحب مع الله؟
المشكلة تتمثل فى طبيعة الحياة السريعة التى نعيشها، لأن الإنسان الحديث أصبح يبحث دائمًا عن أحدث الأشياء فهو يجد نفسه محكومًا دائمًا بالجديد المثير أو الجذاب حتى قبل أن تكون الفرصة قد أتيحت له لتذوق ما مر به من تجارب أو للتمعن فيما مر به من أحداث! وهكذا صارت حياتنا انتقالًا من إحساس إلى إحساس ومن خبرة إلى خبرة دون أن ننفذ إلى شىء أو نتعمق شيئًا حتى لقد تبدلت «أو كادت» حساسيتنا بالقيم، فأصبحنا نقتصر على أخذ بعض الأحاسيس الشهوانية التافهة!.
لقد طغت الماديات على الحب فى حياتنا حتى مع الله، وهذا هو معنى «ألهاكم التكاثر»، والتكاثر ليس المقصود به الأولاد فقط، ولكن أنواع التكاثر من أموال وسيارات وبيوت وأدوات وأجهزة، والتكاثر ليس حرامًا فى ذاته أبدًا، لكن المشكلة أن يلهينا التكاثر عن القيم الجميلة فى الحياة، وأولاها الحب.
لم يعد الإنسان الحديث قلقًا متهورًا متبلدًا فحسب، بل لقد أصبح كائنًا سطحيًا بلا عمق، لا شىء يلهمه ولاشىء يمسه، ولاشىء يحرك كوامن وجوده الباطنى، ومهما يكن من أمر تلك الابتسامة السطحية التى قد نلقى بها الكثير من الأحداث والأشخاص، فإننا مع الأسف الشديد صرنا متبلدين حتى الحب والإحساس بجمال الحياة صار أمرًا عاديًا.
الحب يحتاج لتأمل وتذوق لتدركه أولًا، ثم يحتاج لبذل وجهد لتستمتع به ثانيًا، هذا هو تجديد الحب، نحتاج لفتح حوار حول طرق تجديد الحب، الذى يعيش بأمرين هما: تأمل وتذوق الحب، ابذل الجهد لتستمتع بالحب، فما المطلوب منا لنشعر بالحب مع الله؟.. تأمل وتذوق الحب مع الله:
- التركيز فى الصلاة: كيف تجمع روحك ونفسك وتركز دقائق وترسلها إلى الله... ركز فى صلاتك فإن لم تقدر فركز فى السجود. اسجد واجمع كل قلبك وعقلك مع الله فإن لم تقدر فركز فى كلمة الله أكبر، وقل لنفسك هل فى حياتى أكبر من الله فإن لم تقدر فركز فى قراءة الفاتحة واستشعر معانيها بقلبك.. لا بد لك من التركيز.. هذا التركيز هو المقصود بكلمة استحضار القلب واستشعار المعانى.
الناس تقول، نريد أن نخشع فى الصلاة بينما المطلوب هو التركيز، لأن الخشوع لا يأتى وحده، الخشوع ليس قرارًا تتخذه أو تجبر قلبك عليه، لكن القرار هو التركيز الذى تقدر أن تلزم نفسك به هو التركيز والتركيز هو طريق الخشوع، ركز واخرج من الدنيا لدقائق وكأنك ترسل روحك فى رسالة إلى خالقها.
لا بد أن تعيش لحظات حب مع الله فى الأربع وعشرين ساعة من خلال الصلاة، لكننا نؤديها ولانشعر بمعنى الحب المكنون فى الصلاة: «أرحنا بها يابلال»، «وجعلت قرة عينى فى الصلاة»، هذه الدقائق كافية لتوليد الحب منك وإليك، تخرج من الدنيا وتأخذ خطوة من الناس وتتمنى أن تخشع فى الصلاة، والخشوع لا يأتى إلا بالتركيز، والتركيز قرار.
قال عمر بن عبد العزيز يومًا لابن أبى مُلَيْكة: «صِفْ لنا عبدالله بن الزبير»، فقال: «والله، ما رأيت نفسًا رُكّبت بين جَنْبين مثل نفسه، ولقد كان يدخل فى الصلاة فيخرج من كل شىء إليها، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارًا أو ثوبًا مطروحًا، ولقد مرَّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلى، فوالله ما أحسَّ بها ولا اهتزّ لها، ولا قطع من أجلها قراءته ولا تعجل ركوعه».
- التأمل فى أسماء الله الحسنى، تأمل صلتك بالله.. خمس دقائق فى اليوم، صلاة واحدة، فى سجدة أو تسبيحة أو تأمل فى أسمائه الحسنى، فإنها طريقك لمعرفة الله ومحبتك له.
ولهذا قال الحسن بن على: «من عرف ربه أحبه»، فإذا لم تشعر بالمحبة فأنت لم تعرفه بعد.
- التأمل فى نعم الله عليك «أحبوا الله لما يغدوكم به من النعم»، عش كل يوم لحظات مع نعم الله عليك، وداوم على ذلك فى كل حياتك لتحبه.
والعلماء يقسمون النعم إلى ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها، وأهمها الحب»، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرفه نعمته الحاضرة، وأعطاه من شكره قيدًا يقيدها به حتى لا تشرد، فإنها تشرد بالمعصية وتقيد بالشكر، ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة.