رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ورطة «لعبة» بريكست


هل يكون «الحل الإيجابى الوحيد» هو إجراء استفتاء جديد؟!
خيار تنظيم استفتاء جديد، صار مطروحًا بقوة للخروج من ورطة «بريكست»، أو انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى الذى أيدته الأغلبية فى الاستفتاء السابق، خاصة، بعد فشل حزب «العمال»، الأربعاء الماضى، فى سحب الثقة من حكومة تيريزا ماى، حكومة حزب المحافظين.
غالبية النواب البريطانيين، باختلاف انتماءاتهم ومواقفهم، يرفضون سيناريو الخروج دون اتفاق، ويرون أن ذلك السيناريو يحمل تداعيات كارثية على الاقتصاد البريطانى والأسواق الأوروبية، فى حين يؤكد مسئولون أوروبيون، بينهم رئيس الحكومة الأيرلندى ليو فاردكار، رفضهم إعادة التفاوض على اتفاق خروج جديد. واستبعد بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطانى المستقيل احتجاجًا على الاتفاق، إعادة التفاوض حول اتفاق ماى الذى وصفه بـ«الميت». وبينما أعلن جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، أن على بريطانيا سرعة توضيح موقفها، مع اقتراب موعد الخروج، دعا دونالد توسك، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبى، السياسيين البريطانيين، عبر «تويتر»، ضمنيًا، إلى ضرورة إجراء استفتاء جديد، وإعادة النظر فى استراتيجيتهم بشأن «بريكست»، وبالنص كتب: «إذا كان الاتفاق مستحيلًا، والكل يريد اتفاقًا، عندها من ستكون لديه الشجاعة لقول الحل الإيجابى الوحيد؟». والحل الإيجابى الوحيد، كما فهمنا، أو استنتجنا، هو إجراء استفتاء جديد.
باختلاف توجهاتهم السياسية، أجمع غالبية النواب البريطانيين على رفض آلية «شبكة الأمان» التى ينص عليها الاتفاق، والتى تقضى بإنشاء «منطقة جمركية واحدة» تشمل الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة لا تطبَّق فيها أى أنظمة للحصص أو رسوم جمركية على السلع الصناعية والزراعية. ويعتبر الاتفاق أنه يمكن اللجوء إلى هذه الآلية بعد الفترة الانتقالية التى تستمر حتى ٣١ ديسمبر ٢٠٢٠ والقابلة للتجديد إذا لم يتم إيجاد تسوية أفضل بين لندن وبروكسل بحلول منتصف ذلك العام. وبينما يهدف هذا الحل، الذى من المُفترض أنه مؤقت، إلى تجنيب عودة الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، وحماية اتفاقات السلام الموقعة فى ١٩٩٨، إلا أنّه يهدد فى الوقت نفسه قدرة بريطانيا على إبرام اتفاقات تجارة حرة مع دول ثالثة، ويُخضع المملكة المتحدة لقوانين السوق المشتركة الأوروبية دون أن تشارك فى التصويت عليها.
بالتالى، لا نعرف على أى أساس، نقلت الـ«ديلى تليجراف» عن فيليب هاموند، وزير الخزانة البريطانى، أنه طمأن رجال أعمال بأن نواب البرلمان البريطانى سيحرصون على توصل بريطانيا لاتفاق لدى خروجها من الاتحاد الأوروبى، أو كيف يعارض غالبية أعضاء مجلس العموم البريطانى قرار الخروج دون التوصل لاتفاق «تحت أى ظرف»؟!. لكن ما نعرفه ولم نكن فى حاجة إلى أن يعلنه «هاموند»، هو أن الاتحاد الأوروبى لن ينظر فى تمديد المادة ٥٠، التى بموجبها تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، حتى تكون لدى الحكومة خطة واضحة. ونعرف أيضًا أن مساعى رئيسة الوزراء البريطانية قوبلت بالرفض داخل حزبها، قبل حزب العمال، وأيضًا من قيادات أوروبية. ويكفى أن هايكو ماس، وزير خارجية ألمانيا، قال بوضوح: إنه من الصعب إعادة النظر فى اتفاق بريطانيا مع الاتحاد الأوروبى. كما أبلغت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، نواب البرلمان، أنه لا يمكن أن يكون هناك أى إعادة للتفاوض.
حل الأزمة أو سيناريو الخروج من الورطة، موجود قطعًا، لكن فى رأس تيريزا ماى والرئيس الأمريكى، دونالد ترامب. وهنا، تكون الإشارة واجبة إلى أن كل رؤساء الولايات المتحدة، كانوا يدعمون الاتحاد الأوروبى، ويرون أن لهم مصلحة مباشرة فى «أوروبا قوية وموحدة»، لأنها على الأقل تمثل سدًا فى وجه القوة الروسية. ووحده الرئيس الأمريكى الحالى، هو الذى زعم أن الاتحاد الأوروبى تم إنشاؤه «من أجل استغلال الولايات المتحدة». وعليه، أيد ترامب انسحاب بريطانيا من الاتحاد، وأعلن اعتزامه عقد اتفاق شامل للتجارة مع بريطانيا بعد انسحابها، وهو ما اعتبره أنصار الانسحاب واحدًا من أهم المكاسب. ويمكنك أن تستنتج وجود اتفاق أمريكى بريطانى، لو عدت إلى البيان الذى استبقت به «ماى» زيارة الرئيس الأمريكى، إلى بريطانيا، فى يوليو الماضي.
.. وتبقى الإشارة إلى أن «إريك دورتشميد»، Erik Durscmied، الذى عمل مراسلًا حربيًا لـBBC وCBS، له كتاب شديد التفاهة والسطحية عن «دور الصدفة والغباء فى تغيير مجرى التاريخ». غير أن الفكرة التى يقوم عليها الكتاب شديدة العمق، ويمكن تلخيصها فى أن كثيرًا من المعارك تم حسمها بفعل عوامل الطقس، الذكاء الحاد، الغباء الشديد، بطولة غير متوقعة، فشل ذريع، أو عامل آخر لا يمكن التنبؤ به، معروف باسم «العامل الحاسم»، فى المصطلحات العسكرية.