رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافى يكتب: عبدالرحيم المنشاوى


هل تذكرون عبدالرحيم المنشاوى؟ ذاك المثقف الليبرالى الذى هتف لعصابة محمد مرسى وعصر الليمون فى مؤخرته؟ حدثتكم عنه من قبل، لكنه لا يتوقف عن مفاجآته العجيبة، قابلته بالأمس جالسًا كعادته على مقهى بوسط القاهرة.
قام من مجلسه ونادانى بصوت عالٍ وصمم على شرب فنجان قهوة، لم يعاتبنى وتصورت أنه لم يقرأ المقال، قدمنى لأصدقائه باعتبارى الكاتب اللى ما جابتهوش ولادة، وخطف كرسيًا وزحزحّ آخر وأجلسنى مستريحًا، كان يُنهى دور الطاولة مع أحدهم ويوزع حوارات متقطعة مع ثلاثة آخرين حول الإعلام الفاشل والقيادات التى لا تُجيد اختيار الكوادر الصحيحة والمؤسسات الثقافية الكسيحة، وكان من الواضح اهتمام الثلاثة بمتابعة مباراة كرة القدم وهز الرءوس بين عبارة وأخرى، لم أستطع الصبر وتعللت بتأخر القهوة، وهو يضغط على ركبتى بتوسل البقاء قليلا، لكننى صممت، فمال نحوى وهمس بمودة مصطنعة: ما عندكش أخبار عن التغييرات الصحفية الجديدة طيب؟!، فبحلقت دهشة من حالى وليس من حاله الذى لا يتغير، فما زال يتصور أنه قادر على الخداع والملاوعة واللعب بالبيضة والحجر والوصول للمناصب، بينما يبيع الكلام الفارغ على المقاهى، لم يتعب عبدالرحيم المنشاوى ولم يتوقف عن الكذب منذ عهدناه وعرفناه!.
فى عهد مبارك كنا نسمع عن تاريخ حافل لوالده فى مجالات الترجمة والفن التشكيلى وتصميم الأغلفة، فقد كان الرجل، وفق الحكايات المتوارثة، متعدد المواهب، صعد من عصر عبدالناصر إلى عهد السادات محافظًا على القيم والمبادئ والأعراف ورمزًا للنبل والوفاء، حتى توفاه الله فى أواخر عهد مبارك ليظهر ابنه شابًا خجولًا ورث عن والده كل التاريخ المعطر بروائح الكفاح والنضال، ودخل عبدالرحيم أوساط المثقفين والأدباء بجواز مرور غير قابل للتفكير، حجم موهبة وكفاءة الوريث اللطيف الذى التحق للعمل بمؤسسة صحفية كبرى ردًا لجزء هين وبسيط مما قدم السيد الوالد للفكر والفن والثقافة، وكان طبيعيًا أن يصعد حسان المنشاوى رويدًا رويدًا ويتنقّل بين الإصدارات الثقافية من مجلات وصحف ومطابع لا تتوقف عن ضخ الكتب وهناك عشرات السلاسل الشهرية والأسبوعية التى ترحب بالفتى الصاعد الذى تفجرت مواهبه فأصبح سكرتيرًا لتحرير عدة مجلات ثقافية ثم مديرًا لتحرير بعض السلاسل الشهرية فى هيئة الكتاب وقصور الثقافة فى آن واحد، ثم مصممًا لأغلفة المجلات ومترجمًا لقصص الأطفال، ومع ثورة يناير لم يجد «عبدالرحيم المنشاوى» أزمة فى الانضمام إليها، فلن يجرؤ أحد على اتهامه بأنه «فلول» أو خادم فى عهد مبارك وفاروق حسنى، فلم يكن سوى ورقة فى أيديهم وزعوها على كل هذه الإصدارات المباركية وعبروا منها فى سلام المثقف اللطيف، كل ذلك سهل ومقبول، وعشرات حولنا مثل «عبدالرحيم المنشاوى»، لكن الانقلاب المفاجئ والمرعب فى شخصية «عبدالرحيم المنشاوى» بدأ مع صعود عصابة الإخوان المسلمين بعد ثورة يناير، إذ جاهر بتأييد القتلة والمجرمين، ولم يتأثر بكل ما قيل عن تاريخ الجماعة الدموى مع الثقافة المصرية، ومضى المنشاوى متحديًا أصحاب الفضل عليه وغير عابئ بمصير الدمار الذى كانت تمضى إليه مصر، وتبجحّ فى تبرير صعود القتلة والمجرمين والمتاجرين بالدين، وصعد المنشاوى مع سيطرة الإخوان على مفاصل الثقافة والنشر وأصبح ورقة بين أيديهم للتباهى، فها هو المثقف الليبرالى، نجل المثقف الليبرالى، بين صفوفهم يحمى معسكراتهم الجديدة التى يزرعونها فى المؤسسات ودور النشر التابعة لوزارة الثقافة، وعام المنشاوى فى مستنقع الجماعة، ثم عاد وتاب وأناب وانضم إلى اعتصام وزارة الثقافة مناهضًا لجماعة القتل التى أيدها وسمح بتغلغلها، وغفرنا له، وتسرب ثانية إلى المؤسسات وصعد مع ثورة ٣٠ يونيو صعودًا متتاليًا، كما حدث فى عهد مبارك وتنقلّ بين الإصدارات الثقافية وصعد فى مؤسسته الصحفية وانتشر فى المؤتمرات والندوات ولجان التحكيم المتنوعة بين مهرجانات السينما ومسابقات القصة والرواية والشعر وتم ترشيحه لرئاسة تحرير عدد من المجلات الثقافية والفنية وحصل على جوائز فى النقد والترجمة وتعددت البدلات والرواتب المتناثرة، وما زال يتحدث عن الإعلام الفاشل والدولة الخاملة والقيادات التى لا تجيد اختيار الكوادر! وليس ذلك هو العجيب، ولكن تصديقه لما يقول ويفعل هو الأشد عجبًا، فهو لا يجد تناقضًا بين المؤسسات الثقافية التى يعمل بها بالنهار وينحنى لرؤسائها تذللًا وخيفةً وبين تلك الكذبة التى يعيش فيها بين أصدقاء المقهى كمناضل يعارض النظام ويرثى على حال المؤسسات الثقافية التى يشارك فى صناعتها!