رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثم فشلت «القمة» قبل أن تبدأ!



تحت عنوان «الإنسان محور التنمية: الاستثمار فى الإنسان»، تستضيف العاصمة اللبنانية بيروت، الأحد، الدورة الرابعة للقمة العربية التنمويّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة. التى لن تكون اجتماعًا للقادة العرب، بل مؤتمر إقليمى تشاورى، بمستوى تمثيل متدنٍ، بعد أن اعتذار غالبية الزعماء العرب عن عدم الحضور، واكتفوا بإرسال ممثلين عنهم.
الأمن الغذائى العربى.. منطقة التجارة الحرّة العربيّة الكبرى.. الاتحاد الجمركى العربى الموحد.. الاستراتيجيّة العربيّة للطاقة المستدامة ٣٠٣٠.. السوق العربيّة المشتركة للكهرباء.. التحدّيات التى تواجهها «أونروا».. الخطّة الاستراتيجيّة للتنمية القطاعيّة فى القدس.. الأعباء الاقتصاديّة والاجتماعيّة المترتّبة على استضافة النازحين السوريين وأثرها على الدول المُضيفة.. وضع رؤية عربيّة مشتركة فى مجال الاقتصاد الرقمى.. والميثاق العربى الاسترشادى لتطوير قطاع المؤسسات المتوسّطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
تلك مجرد عينة من عناوين (أو بنود) جدول أعمال القمة، الـ٢٧، التى تتناول قضايا العمل العربى، الاقتصاديّة والاجتماعيّة. ولعلك لاحظت أنها تداعب أحلامًا عربيّة، تحطمت على أرض الواقع. ولو عدت إلى توصيات الدورات (القمم) الأربع السابقة، ستجدها تتحدث عن توفير مناخ استثمارى جاذب، وإزالة العراقيل الإدارية، وتطوير التعليم التقنى ومؤسسات التدريب، لتطوير قدرات العمالة والارتقاء بها لتواكب متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، وإزالة العقبات التى تواجه العمل العربى المشترك، وتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وإقرار الاتفاقية العربية لاستثمار رءوس الأموال العربية فى المنطقة العربية وغيرها. وقد تكون المشكلة فى القوانين أو فى سوء تطبيقها، أو فى الاثنين معًا، كما أن الفساد يفسد القوانين ويمنع تطبيقها.
عوامل كثيرة أدت إلى خفض مستوى التمثيل، وإلى فشل «قمة بيروت» قبل انعقادها، أبرزها الاشتباك السياسى الداخلى، وتصفية الحسابات بين القوى السياسية اللبنانية، إضافة إلى تصرفات عبثية، كتوصية نبيه برى، رئيس البرلمان المزمن، إلى جهاز الأمن العام اللبنانى برفض منح تأشيرات دخول للوفد الليبى ورجال أعماله. وكذا قيام عناصر من «حركة أمل»، التى يتزعمها «برى»، بالتظاهر فى شوارع العاصمة، وانتزاع أعلام ليبية كانت مرفوعة فى حرم منطقة انعقاد القمة، وحرقها.
قيل إن سبب حرق الأعلام الليبية، والاعتراض على مشاركة وفد ليبى فى القمة، اختفاء موسى الصدر فى ليبيا، منذ حوالى ٤٠ سنة، تحديدًا فى أغسطس ١٩٧٨، وكأن من فعلوا ذلك، لا يعرفون أن العقيد معمر القذافى، وكل رجال النظام المتهم بالمسئولية عن ذلك الاختفاء، اختفوا أو انتقلوا إلى رحمة الله، منذ ٨ سنوات. وعلى عبثية ذلك السبب، فقد أعلنت ليبيا إلغاء مشاركتها فى أعمال القمة، قبل أن تتوالى اعتذارات زعماء دول كانوا قد أكدوا حضورهم أعمال القمة.
نواب ومسئولون فى التيار الوطنى الحر، اتهموا «حركة أمل» بتعمد إفشال قمة بيروت، اعتراضًا على عدم دعوة سوريا للمشاركة فى أعمالها. وهناك من رأوا «فشل القمة» انتصارًا لـ«حزب الله»، وانعكاسًا لحجم النفوذ الإيرانى، الذى يريد إبعاد لبنان عن الحضن العربى. بينما أرجع آخرون الفشل إلى ضعف أداء جبران باسيل، وزير الخارجية اللبنانى، رئيس التيار الوطنى الحر، وطريقة تفاعله مع القضايا العربية. ومهما كانت الأسباب، فإن «المشهد اللبنانى الأسبوع الماضى دلّ على انقسام فى الرأى السياسى، وأضر بمصلحة لبنان واقتصاده، وأثر بالتالى على مستوى تمثيل الدول»، وما بين التنصيص أنقله عن رائد خورى، وزير الاقتصاد فى حكومة تسيير (تصريف) الأعمال، المحسوب على التيار الوطنى الحر، الذى أضاف سببًا ثانيًا هو «أن هذه القمة اقتصادية»!.
اشتباك سياسى داخلى، وتصفية حسابات بين القوى السياسية اللبنانية، بينما لم يمر أسبوع فى ٢٠١٨ دون صدور تقرير يتنبأ أو يحذر من انهيار الاقتصاد اللبنانى، وهناك تقارير قالت بوضوح إنها على حافة الإفلاس. غير أن رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان (محافظ البنك المركزى اللبنانى)، خلال مشاركته فى منتدى القطاع الخاص الذى اختتم فعالياته ظهر الخميس، قلل من أهمية تلك التقارير، وطالب بضرورة تقديم نظرة واقعية عن لبنان بعيدة عن الشائعات وصناعة اليأس، مؤكدًا أن النمو الذى حققته بلاده، خلال ٢٠١٨ تراوحت نسبته بين ١ و١.٥٪، وكان يمكن أن ترتفع إلى ٢٪، لو تشكلت الحكومة.
الخلاصة، هى أن القمة فشلت قبل أن تبدأ، ولا يبقى غير الإشارة إلى أن عنوانها «الإنسان محور التنمية: الاستثمار فى الإنسان»، لا محل له من الإعراب، فى ظل اكتفاء غالبية الدول العربية الشقيقة، تحديدًا الغنية بالموارد الطبيعية، بالتركيز على النمو الاقتصادى الذى يستهدف زيادة الناتج الإجمالى، وتجاهلها أن التنمية الاقتصادية بمفهومها الأوسع، تضيف إلى معدل النمو الاقتصادى، الرقمى والكمى، عناصر أخرى، يمكنها تعويض غياب الثروات الطبيعية، أهمها بناء العنصر البشرى، وتطويره والاستثمار فيه.