رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دون آثار نفسية.. روشتة ما بعد جراحات السمنة


مريضة شابة تبلغ من العمر ٣٠ عامًا، كانت رياضية سابقة ومدربة لياقة بدنية، وبعد طلاقها تركت ممارسة الرياضة فزاد وزنها بشدة، وفقدت الاهتمام بنفسها، وكان من الطبيعى حينها أن تصاب بـ«الاكتئاب»، استقبلتها فى عيادتى ذات مرة فسألتنى عن جدوى عمليات تدبيس وتكميم المعدة للتخلص من السمنة التى تعانيها، ومدى تأثيرها على الحالة المزاجية. تساؤل المريضة يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول العلاقة بين السمنة والعمليات الجراحية المرتبطة بعلاجها والحالة النفسية للمرضى، خاصة ما يتعلق بـ«الاكتئاب»، وكيفية تجنب الوصول إليه بعد إجراء جراحات التخسيس، وهو ما نحاول توضيحه فى السطور التالية، بعد إلقاء الضوء على أبرز الطرق المستخدمة لعلاج السمنة والتخلص من الوزن الزائد.



قد يقلل البعض من خطورة السمنة وآثارها على مستوى السلامة البدنية والنفسية، فالأمر لا يتعلق فقط بالشكل الجمالى للإنسان، وإنما يمتد تأثيرها إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض ومشكلات صحية، مثل أمراض القلب والسكرى وارتفاع ضغط الدم، فضلًا عن ارتباطها بـ«الاكتئاب»، الأمر الذى يستدعى التوجه إلى الطبيب النفسى.
والعلاقة بين المرض النفسى الشهير والسمنة اطرادية، فكلما زاد طرف ارتفع الثانى على نحو تلقائى، وتتجه الدراسات النفسية الحديثة إلى أن الأشخاص الذين يعانون السمنة معرضون لتطور خطر الإصابة بالاكتئاب ومضاعفاته بنسبة تصل إلى ٥٥٪ عن الأشخاص غير المصابين بالسمنة، بينما تتزايد نسبة الإصابة الأخيرة بنسبة ٥٨٪ للأشخاص الذين يعانون الاكتئاب.
الطرق تؤدى إلى بعضها، والعوامل تتداخل وتؤثر فى بعضها بعضًا، واللافت أننا كمصريين نتعامل باستخفاف مع مرضى السمنة والاكتئاب، ونعتبر الأول أمرًا عاديًا أو شيئًا يسمح بالسخرية من صاحبه والاستهزاء منه، والثانى بوصفه «دلع مِرق»، أو مجرد «دلال». كما يمكن أن ترتفع نسبة الإصابة بهما حال وجود عرض أو إصابة أخرى مثل الالتهاب، وزيادة مقاومة الجلوكوز، وتنظيم الحد الأعلى من المحور الغدة النخامية - الغدة الكظرية، وهى الغدة فوق الكلوية.
تؤدى البدانة إلى الاكتئاب، بما تتركه من آثار عدم استحسان شكل الجسم، والتقليل من الثقة فى النفس وتراجع اللياقة البدنية، الأمر الذى يؤدى إلى ظهور أعراض المرض النفسى على الإنسان، مثل فقدان الثقة بالنفس وفقدان تقدير الذات، اضطراب النوم، مشاعر التردد وعدم القدرة على التركيز، أفكار متكررة عن الموت أو تدمير الذات أو السلوكيات المدمرة للذات، انتقاد الذات دون أسباب معقولة أو الشعور بذنب لا أساس له، كما ينطوى المزاج الاكتئابى على العديد من المشاعر مثل الانقباض والحزن والخدر والانفعالية، ويبدو المستقبل فى عين المكتئب قاتمًا وتافهًا، وهى علامات تتداخل خلال عملية إنقاص الوزن.
هنا يأتى دور الطبيب النفسى قبل إجراء أى جراحات للعلاج من البدانة أو بعدها، ما يعنى ضرورة استشارة النفسيين خلال مراحل الجراحة كافة، والوقوف على مدى قلق المريض وقرار الإقدام على إجراء الجراحة، فضلًا عن إدارة سلوكيات التغذية السليمة.
عقب إجراء تقليص الوزن، يكتسب الإنسان مظهرًا جيدًا لجسده، ويعيش الفرد «شهر عسل» قد يصل لعام واحد، ثم يتعرض بعدها لبعض الصدمات و«الخنقة» من قيود الانشغال بعدم الرجوع إلى الوزن السابق قبل التدخل الجراحى، ويبدأ فى التذمر من الإفراط فى ممارسة الرياضة العنيفة، أو التركيز على طيات الجلد الزائدة نتيجة فقدان الوزن، الأمر الذى يتطلب تدخلًا جراحيًا من جديد ليزيد من العبء النفسى على المريض.
إذن تؤدى السمنة إلى الاكتئاب، لكن السؤال الذى يبدو غريبًا: هل تؤدى جراحات إنقاص الوزن إلى ما أبعد من الاكتئاب، الانتحار؟ يبدو ذلك ممكنًا، ففى السويد ارتبطت عمليات فقدان الوزن بخطر ملحوظ نسبيًا بالإقدام على الانتحار أو إيذاء الذات عن طريق تعاطى المخدرات، خلاف إنقاص الوزن بالطرق غير الجراحية.
التجربة التى أجريت على مجموعتى مرضى، حسبما نشرت مجلة «لانسيت للسكرى والغدد الصماء» فى يناير الماضى، بينت أن المرضى بعد العمليات الجراحية يصبحون أكثر عرضة لإيذاء أنفسهم، ومع ذلك لا يجوز أن تجعلنا هذه النتائج نبتعد بتفكيرنا عن اللجوء إلى جراحات إنقاص الوزن كعلاج للسمنة والبدانة، حسبما يرى الباحث فى معهد كارولينسكا بستوكهولم، مارتن نيوفيوس، الذى اقترح آليات ممكنة لمواجهة أى شعور بإيذاء النفس ومكافحة الآثار السلبية لجراحات إنقاص الوزن، والتنبه إليها.
مثلًا متعاطو الكحول يتوجب عليهم معرفة أن امتصاص جسمهم للكحول عقب الجراحة سيتغير، ما يزيد من خطر نقص المغذيات الدقيقة أو الكبيرة، ويفاقم الشعور بالقلق، كذلك التغيرات التى تصيب أنظمة إشارات endocannabinoid مستقبلات كانابينويد وغيرها من التغيرات فى الغدد الصماء العصبية التى يمكن أن تؤثر على الحالة المزاجية والقلق والاكتئاب، ناهيك عن كسر التوقع بشكل الجسم عقب الجراحة والاستياء من الجلد الزائد الذى يبدو نتيجة التدخل الجراحى.
لذلك كله، يعد الدعم النفسى عقب عمليات إنقاص الوزن ضرورة وأمرًا حاسمًا ولا غنى عنه، حسبما تذهب دراسة «نيوفيوس» وزملائه بالسويد، ويؤكد محررو الدراسة: «يجب أن يتضمن التقييم السريرى تحديد أى عوامل خطر قابلة للتعديل تجنبًا للانتحار أو إيذاء النفس». يحتاج الطبيب أيضًا إلى دراسة الاضطرابات النفسية للمرضى وتحديدها بدقة، وتحذير متعاطى الكحول منهم على نحو مشدد، كذلك مدمنو المخدرات وأصحاب الاضطرابات الذهنية، ومصابو الاكتئاب الشديد، واضطرابات الأكل، وغير القادرين على المشاركة فى المتابعة الطبية المطولة، بعدم الإقدام على نحو نهائى لإجراء عمليات جراحية لإنقاص الوزن ونصيحتهم باتباع الطرق التقليدية.


المرض

السمنة واحدة من الأمراض الأكثر خطورة وسرعة فى الانتشار بالدول النامية خلال القرن الحالى، وهى قضية صحية ترتبط بالعديد من العوامل الوراثية والبيئية والغذائية، وكذلك الثقافية والنفسية الاجتماعية، وعند وصولها إلى «المستوى المرضى» تتسبب فى الكثير من التأثيرات الضارة على جميع أنظمة أعضاء الجسم تقريبًا، ويمكن أن تقلل بشكل كبير من العمر المتوقع، ونوعية حياة ضحاياها.
العلاج الطبى الجراحى هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع مريض السمنة، ووفقًا لما وضعه وأقره «المعهد الوطنى للصحة» بالولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذه العمليات لا تجرى إلا فى حالة زيادة «مؤشر كتلة الجسم» على ٣٥ كجمM2 مع وجود مظاهر مرضية أخرى، و٤٠ كجمM2 دون وجود هذه المظاهر. و«مؤشر كتلة الجسم» المعروف اختصارًا بـ«BMI» هو أفضل مقياس متعارف عليه عالميًا فى القياسات الجسمية للتمييز بين الوزن الزائد والنحافة والوزن المثالى، وهو يعبر عن العلاقة بين وزن الشخص وطوله.
يعد تحويل مجرى المعدة «Jejunoileal bypass»، من أشهر العمليات الجراحية فى هذا الإطار، وتتضمن إجراءات طبية لـ«تجاوز معظم الأمعاء الدقيقة»، لكن الأسلوب القديم فيها ارتبط بمعدلات فشل عالية ووفيات كبيرة، لذا قلّ الإقبال عليها بصورة ملحوظة، لصالح جراحات أخرى مثل «ربط المعدة» و«استئصال المعدة» أو تحويل مسارها بطريقة «Roux-en-Y»، وهى الأكثر انتشارًا حول العالم فى الوقت الحالى.
من الإجراءات غير الجراحية، تقنية «البالون» أو «Bib»، وهو عبارة عن منطاد كروى من «السيليكون» يمكن ملؤه بـ٤٠٠ - ٧٠٠ مللى من محلول ملحى، ثم يوضع فى المعدة ويتم التحكم فيه بواسطة «المنظار»، مع ضرورة إزالته بعد ٦ أشهر لتجنب انكماشه التلقائى، وتعتمد طريقته فى علاج السمنة على تقليل حجم المعدة وتوفير إحساس مستمر بالشبع، ما يؤدى إلى تقليل كميات الطعام التى يتم تناولها، والاعتماد على نظام غذائى منخفض السعرات الحرارية. 
بينت دراسة أجراها خبير جراحات السمنة الإسبانى «إيمياز» وآخرون على نحو ٣ آلاف و٦٠٠ مريض، أن فقدان الوزن الزائد تحقق بنسبة ٣٢.١٪ عند استخدام «البالون»، على الرغم من أن غالبية المرضى يستعيدون «بعض الوزن» تدريجيًا بعد ذلك، وفى دراسة مشابهة أجراها خبير جراحات التجميل اليونانى «كوتزا مباسى»، تبين أن تلك التقنية فعالة فى تحقيق خسارة كبيرة بالوزن، وذلك لدى ٥٠٠ شخص يعانون السمنة المفرطة.


 التخلص من الجلد الزائد

يضع جراح التجميل الأمريكى، ريمون إيساكوف، روشتة للتغلب على إصابة مرضى السمنة بالصدمة والاكتئاب، بعد خضوعهم لعمليات جراحية للتخلص من السمنة والوصول لجسم صحى، ثم يفاجأون بـ«الجلد الزائد» نتيجة تقلص حجم الجسم، مشيرًا إلى أنه يمكن إجراء جراحات إضافية لإزالة هذا الجلد، شريطة الالتزام بممارسة الرياضة وبنظام غذائى صحى. 
ويقول «إيساكوف» إنه يمكن إجراء جراحات إزالة الجلد الزائد بعد عمليات فقدان الوزن، فى ٥ مناطق بجسم الإنسان، هى: البطن، والصدر، والذراعان، والفخذان، وأخيرًا الوجه، موضحًا أن «جراحة إزالة الجلد الزائد من منطقة البطن يجب أن يتبعها شدّ للعضلات، ليجعل مظهر الجسم أفضل، وكذلك يمكن إجراء الجراحة فى منطقة الصدر، وقد يخضع لها الرجال نتيجة لحالة التثدى التى يصابون بها بسبب اختلال التوازن الهرمونى».
وأيضًا يمكن إجراء جراحة الذراعين، لأن شكل الجلد الزائد فيها يجعل الجسد مشوّهًا، كما يمكن إزالة الجلد الزائد من منطقة الفخذين، حيث تخلف العملية ندوبًا وجلدًا متدليًا بتلك المنطقة، تجب معالجتها بالجراحة، وأخيرًا منطقة الوجه، وتعتبر الجراحة فى هذه المنطقة هى الخيار الوحيد للجرّاح. 



ممارسة الرياضة بشكل منتظم

قال الدكتور إيهاب أبواليزيد، استشارى التجميل وعلاج السمنة عضو الأكاديمية الأمريكية للتجميل، إن معظم المرضى الذين يخضعون لجراحات السمنة يتوقفون عن ممارسة التمارين الرياضية بعد خسارتهم الوزن الزائد، لكنها غاية فى الأهمية على المدى الطويل، للوقاية من زيادة الوزن، مضيفًا أنه لا بد من تغيير «اللايف ستايل»، ووضع نظام غذائى مناسب، قبيل وبعد إجراء الجراحة، إلى جانب ارتداء ملابس ضيّقة أثناء ممارسة الرياضة، لتقليل حجم الجلد المترهّل، وإعادته إلى شكله الطبيعى.



 خبير يحذر من البحث عن الجرّاح الأرخص.. ويدعو لاختيار «الخبرة»

شدد الدكتور محيى البنى، أستاذ جراحات السمنة المفرطة والمناظير، على ضرورة اختيار جرّاح مؤهل ذى خبرة لإجراء جراحة السمنة، مشيرًا إلى أن دخول عدد كبير من الأطباء غير المؤهلين للمجال، وإجراء هذه الجراحات فى أماكن غير مجهزة، سبب خوف الناس من إجرائها.
وأوضح سكرتير الجمعية المصرية لجراحة السمنة المفرطة: «على المرضى اختيار طبيب حاصل على زمالة كلية الجراحة الملكية، ودورات فى جراحات السمنة، وتدرب على جراحات المناظير والجهاز الهضمى»، محذرًا المرضى من «البحث عن الأرخص وليس الأفضل».
وأضاف أن تلك الجراحات لا تتعلق بفئة معينة ولا ترتبط بسن، بل بحالة المريض وظروفه الصحية، وهو ما تكشفه الأشعة والتحاليل قبل إجرائها.
وأشار إلى أن «تكميم المعدة» من أكثر جراحات السمنة انتشارًا بين المصريين والعالم أجمع، ويتوقع أن تحتل مصر المرتبة الأولى عربيًا فى هذه الجراحات خلال العام الجارى.
وعن المخاطر، قال «نسبة الأشخاص المعرضين لمضاعفات بعد جراحات السمنة لا تزيد على ٥٪»، لافتًا إلى أن هناك ٣ مضاعفات للعملية، هى الانسداد والتسريب والنزيف، مختتمًا «تكلفة عملية تكميم المعدة تصل إلى ٣٠ ألف جنيه دون أجر الجراح، ومدعومة بـ٢٥ ألفًا فى مستشفى الدمرداش».