رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النهر الأخضر.. والقلوب السود


وإنت عارف.. قد إيه، كتيرة وجميلة، «العيون السود» فى بلدنا. وقد تعرف أن بلدنا فيها، أيضًا، «قلوب سود» تحترق كمدًا وغيظًا، لأسباب نفسية أو مادية، كلما رأت إنجازًا على أرض مصر.
غير أن ما يطمئن هو أن عدد «العيون السود» التى لمعت مع بدء العمل فى الحديقة المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، يزيد بأكثر من مليون ضعف، على عدد «القلوب السود» التى تشنجت وانقبضت، مع تتابع تنفيذ مشروعات المدينة الجديدة التى نتمنى أن يتحقق ما وعدت بها الحكومة، وتصبح أكبر مدينة مركزية حديثة على مستوى العالم.
مع بد العمل، الإثنين، فى المرحلة الأولى من مشروع الحديقة، التى تمت تسميتها بـ«النهر الأخضر»، انطلق كالعادة جواسيس الهواء وأشباح الليل والنهار، وانفجرت براكين القلوب السود، التى يلفها الظلام، ويسكرها «السبرتو» وتطربها نشوة «الكلة»، وتوقظ فى أعماقها «هلاوس» وتدليسات، أجادت تنظيمات إرهابية وأجهزة مخابرات دول تدريب الجواسيس والأشباح على تخليقها. وفى فخ هؤلاء، وقع آخرون، مغيبون أو طيبون زيادة عن اللازم، ستظل آراؤهم وقناعاتهم، بكل أسف، ترتكز على تلك الهلاوس والتدليسات، إلى أن تصلهم الحقائق، إن وصلت، بعد أيام، أسابيع، شهور، أو سنوات.
الحديقة المركزية، كما ذكر بيان أصدره مجلس الوزراء، ستكون أكبر حديقة فى العالم، وستتيح فرصة أكبر للتفاعل المجتمعى بين سكان العاصمة ونطاقها الأوسع، لكونها حلقة وصل بين سلسلة أحياء عمرانية حديثة ومتنوعة. وستوفر مناطق ترفيهية بمعايير عالمية، تحترم الطبيعة الطبوغرافية للمكان، وتتناغم مع النظام البيئى العام، ويسهل الوصول إليها عن طريق شبكة متكاملة من ممرات المشاة والدراجات، وأحدث نظم التنقل الذكية. ولو كنت حريصًا على المياه، أو لعب فى دماغك أحدهم وأوهمك بأن «النهر الأخضر» سيبتلع مياه «النهر الأزرق» أو نهر النيل، فإن البيان، بيان مجلس الوزراء، يطمئنك بأن مصادر المياه اللازمة لتشجير الحديقة، وكل الحدائق والمناطق الخضراء بالمدينة، بما فيها حدائق المنازل، ستكون من «المياه المعالجة» أو المعاد تدويرها، الناتجة عن محطات المعالجة الثلاثية.
المرحلة الأولى من المشروع ستمتد ١٠ كيلومترات، أما طول النهر أو الحديقة المركزية، إجمالًا، فسيصل إلى ٣٥ كيلومترًا. ومن المهندس يحيى زكى، مدير مكتب دار الهندسة استشارى المشروع، الذى تتولى تنفيذه وزارة الإسكان، عرفنا أن «الحديقة تتميز بالتنوع الكبير فى الغطاء النباتى، والذى يعكس ثراء البيئة النباتية المصرية الطبيعية، كما أن الحديقة تمثل العنصر الرئيسى فى التكوين العمرانى للمنطقة المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بما تمثله من توسط مكانى، ومساحة متفردة لاستيعاب الأنشطة والاستعمالات الترفيهية إلى جانب المناطق المفتوحة، بالإضافة إلى أن الحديقة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالأحياء السكنية المحيطة بقلب العاصمة الإدارية الجديدة، عن طريق شبكة من المحاور الخضراء».
معها، مع الحديقة، يجرى تنفيذ ٢٠ برجًا بحى المال والأعمال، بالتعاون بين شركة CSCEC الصينية، وعدد من شركات المقاولات المصرية، بينها «البرج الأيقونى»، أعلى برج فى إفريقيا، البالغ ارتفاعه ٣٨٥ مترًا. وخلال أيام، سيبدأ صب القواعد الخرسانية له، لمدة ٨٠ ساعة متواصلة، وهذا رقم قياسى عالمى، كما أوضح المهندس مصطفى مدبولى، الذى قد لا يعرف البعض أنه يحمل منذ سنة ١٩٩٧، درجة دكتوراه فى الهندسة المعمارية (تخصص تخطيط مدن) من كلية الهندسة جامعة القاهرة وكلية العمارة جامعة «كارلسروه» بألمانيا. وقبل أن يكون وزيرًا للإسكان، ورئيسًا لمجلس الوزراء، عمل استشاريًا وخبيرًا فى العديد من المؤسسات الدولية، بينها البنك الدولى، منظمة العمل الدولية، وشارك فى برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، الـ«هابيتات»، والبرنامج الإنمائى لوضع سياسات الإسكان والتخطيط والتنمية العمرانية وتأهيل وتدريب الكوادر الفنية للعديد من الدول العربية والإفريقية.
أخيرًا، وحتى لا يردد الطيبون زيادة عن اللازم «هلاوس» أصحاب «القلوب السود»، قل «الحديقة المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة»، ولا تقل «النهر الأخضر»، أو قل مع الشاعر، الذى لا أعرف اسمه: «إنّ فى نهرِ المُعَلّى فَرْهَدًا.. قَمَرًا من فوْقِ غصنٍ فى نَقَا. عَقرَبا صُدْغَيْهِ تسرى، فَإذا.. لَدَغَتْ قَلبًا تحامَته الرُّقى». والمعنى هو أن الشاعر، الذى لا أعرف اسمه، يصف حبيبته بأنها ممتلئة، حسنة الوجه، كالقمر على غصن نبت فى الرمال، تتدلى على خديها خصلات من الشعر الأسود، تتلوى فى حركتها، كالعقرب، فإذا لدغت قلبًا، تجنبت الرقى (جمع رُقية) الاقتراب منه، وبالتالى فلا أمل فى شفائه.
أخيرًا، أو من الآخر، لا أمل فى شفاء قلب لدغته خصلات شعر الجميلة. بالضبط، كما لا أمل ولا رجاء فى شفاء تلك «القلوب» التى لدغتها، أو اشترتها، عقارب أو حيات (جمع حية) تحترق قلوبها كلما رأت «العيون السود» إنجازًا على أرض مصر.