رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالوهاب داود يكتب: فضيلة الإمام الطيب.. لا شكر على «كسرة نفس»


لا أرى فيما فعله الطيب تجاه »طالبة المنصورة» ما يستوجب الشكر أو الامتنان ولا أى عبارة مديح من أى نوع بعد ما أصاب «ابنتى» من ضرر بالغ نتيجة ما أراه حماقة وتطرفًا

لن أكون متطرفًا ولا مغاليًا، إذا طالبت بمحاكمة رئيس جامعة الأزهر، وأعضاء مجلس تأديبها، ولن أكون متجنيًا إذا طالبت بعزلهم جميعًا، ومعهم الأستاذ رئيس جامعة المنصورة، ومدير الإدارة العامة لأمن الجامعة، ومطاردتهم فى جلساتهم الخاصة والعامة، والتفتيش فى أسرار بيوتهم وحياتهم، بحثًا عن صورة لحُضنٍ هنا، أو قُبلةٍ هناك، ويقينى أن من يتابع أبناءهم وبناتهم، ويترصد بهم، سوف يعثر على صيد وفير، ولن يعدم لقطة هنا، أو كلمة هناك، وأنهم سوف ينتفضون فزعًا من هذه الدعوة، وهذه الكلمات «الغاضبة» التى أكتبها وأنا غير راضٍ تمامًا عنها.. وليكن واضحًا للجميع أن ما أكتبه، ولست راضيًا تمامًا عنه هو ما يتعلق بفكرة المطاردة والتربص بالعائلة فقط، لا المطالبة بمحاكمتهم وعزلهم جميعًا.
دعونى أسألهم، ماذا سيكون رد فعل أى منهم إن شاهد صفحات الـ«فيسبوك» تتداول فيديو لابنته تحتضن زميلًا لها يستقبلها فى عيد ميلادها بالورد؟، ما رد فعله الأول؟، هل يسبها ويعاقبها، أم يسب من صوّرها وتربص بها وشَهَّرَ بفعلها وكسر نفسها؟.
هل يطردها من المنزل؟ أو يُلقى بها من النافذة بعد أن يكسر أنفها؟ أم أنه سوف يسألها أولًا ليتيقن من الأمر، ويعرف ملابساته، ثم ينصحها ويرشدها إلى ما يراه صوابًا؟.
يقينى أنهم جميعًا سوف يردون: «لااااا.. أنا بنتى عمرها ما تعمل كده».. دون أن يحدد أى منهم ما «كده»؟ اللى هو إيه؟ ألم ترها أبدًا وهى تتلقى «حضنًا» من عمها أو خالها، أو ابن عمها أو ابن خالها «الذى يحل لها»، ألا تدرك كم الحرمان من الدفء الذى تفرضه عليها إن كان ما تدعيه صحيحًا؟.
هل تعرف معنى أن تعود ابنتك إلى المنزل مكسورة النفس، جريحة الخاطر، لمجرد أنها عاشت لحظات من فرح الصبية فى مثل سنها، أو صادفت كلمات أعجبتها، فصدقتها، وجربت أن تحلم معها، وبها؟.
وقبل هذا كله، من نصّبكم حُراسًا للفضيلة فى بلادنا؟ لماذا تريدون أن تفرضوا علينا طريقتكم الجافة الخشنة فى تربية أبنائنا؟ وتنشئتهم على الغِلظة وجفاف القلب؟.
ألا تدركون أنه عندما تولى تنظيم «الإخوان» الحكم فى مصر، كانت المخاوف من التشدد والعداء للحياة، فى مقدمة أسباب الثورة عليهم، وطردهم من مسارات حياتنا مهما كانت أساليب التمسح، والمداهنة التى يتبعونها.
دعونى أسألهم، وماذا فعلتم بعدما «طلب» فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إعادة النظر فى عقوبة الفصل التى تم توقيعها بحق طالبة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة المنصورة؟، خفّضتم العقوبة إلى الحرمان من دخول امتحانات الفصل الدراسى الأول؟!.
هكذا.. بمنتهى البساطة، وفى ساعات معدودة؟!
أهذه هى طريقتكم فى الحفاظ على مستقبل الصِبية الذين عهد بهم آباؤهم إليكم؟!
ربما يرى البعض أنه كان من الواجب أن أبدأ هذا المقال بشكر فضيلة الإمام الطيب، على «طلبه» بإعادة النظر فى العقوبة، التى تم توقيعها من قبل مجلس التأديب بجامعة الأزهر، و«دعوته» للمجلس أن يضع فى اعتباره حداثة سن الطالبة، والحرص على مستقبلها التعليمى، وأن يقوم بواجب النصح والإرشاد، قبل اللجوء لفرض العقوبات، لكننى لن أشكره، ولا أرى فيما فعله ما يستوجب الشكر أو الامتنان، ولا أى عبارة مديح من أى نوع، بعد ما أصاب «ابنتى» من ضرر بالغ نتيجة ما أراه «حماقة وتطرفًا» من مجلس تأديب جامعة الأزهر، وما أراه من «تربص ووصاية غير مقبولين» من إدارة الأمن بجامعة المنصورة. فما حدث قد حدث، فقد أصابت «كسرة النفس» فتاة بريئة فى مقتبل عمرها، لم تسئ لأحد، ولا آذت أحدًا، وكل جريمتها، فى أعين هؤلاء القتلة الدواعش المتخفين وسط أهالينا، أنها أحبت، وفرحت، وعبّرت عن فرحتها بطريقتها الطفولية التى تناسب عمرها، وبيئتها ومجتمعها.
فضيلة الإمام الأكبر.. إن المجلس الذى طلبت منه القيام بواجب النصح، وتقديمه على العقاب، لم ينصح، وأصر على توقيع العقاب، ولو بخفضه، فكان ما جاء فى بيانك وطلبك هو والهواء سواء.
فضيلة الإمام الأكبر، إن كنت لا تعرف، فلتسمح لى أن أصدمك بهذه الأنباء.. نعم نحن مجتمع يرى فى «الحضن» تعبيرًا عن المحبة، ولا يرى فيه أى جريمة، وإن كره المتطرفون والفاشيون والمرضى الذين ننظر إليهم كالداء الذى أصابنا ولا بديل عن استئصاله، هكذا نربى أبناءنا وبناتنا، وهكذا ربانا وعلمنا آباؤنا وأمهاتنا، وجداتنا وأجدادنا.. هكذا نعلّمهم أن «الحضن» دليل محبة، ورسول إعزاز وتكريم، لا جريمة، ولا شىء مكروه فيه.
نعم، نحن مجتمع يرى أن الله محبة، نؤمن بلطفه ورحمته، نعرف أن «الدين يُسرٌ لا عُسر»، وأن كل هذه اللحى «الناتئة» مجرد شعيرات طارئة على الوجه المصرى المحب للجمال والتعاطف والمودة والرحمة.
نحن لا نرحب بالتشهير ولا نقبله، لا نقبل «بكسر النفوس»، ونطلب من الله الستر، والصفح، والمغفرة، ونطلب لأبنائنا الرضا، والسعادة والستر فى الحياة وفى الآخرة.
وقبل أن يسألنى متربصٌ «وهل تقبل أن تحتضن ابنتك زميلًا لها؟، أختم هذا المقال بنص كتبته وقت حكم «الإخوان»، ويبدو أن صلاحيته ما زالت حاضرة، وضرورية:
«لا أُريدُ مَحبَةً منكم، ولا أريدُ الانتقام
أريدُ وَسَادتى، وحَقُّ ابنتى فى اختيارِ نَصيبها من الغَرام»
سؤال أخير.. لماذا أصلًا يجب تحويل فتاة لم تخطئ «دراسيًا»، ولم تفعل شيئًا «داخل حرم جامعة الأزهر» إلى مجلس تأديب الجامعة؟ هل تثبتم من صحة الفيديو؟ وتأكدتم بما لا يدع مجالًا للشك من صحته؟ وما طبيعة دوركم فى «جامعة الأزهر»؟ أن تراقبوا الطلاب والطالبات فى الشوارع والحوارى وفى غرف نومهم؟.
لو كنت والد هذه الفتاة لما ترددت لحظة فى مقاضاة جميع المتورطين فى «كسر نفسها» بهذه الهمجية المتخلفة، ومطاردتهم وأبنائهم فى كل خطوة، وكل صورة، وكل مكان، ولطالبت الإمام الطيب بالتدخل مرة أخرى، وإلغاء أى عقوبات بحق الطالبة، بل العمل على إعادة الاعتبار لها وسط زملائها، وأقرانها.
دعوا أبناءكم لحياتهم، بحلوها ومرها، دعوهم يحبون أهلهم وجيرانهم، دعوهم يفرحون، ويضحكون، بل يخطئون، ولا تعلّموهم الكراهية إن لم يكن بإمكانكم أن تمنحوهم الحب.