رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سد النهضة مُجددًا.. الانتباه.. الانتباه



شاعت فى الفترة الأخيرة تقديرات مُتفائلة، واكبت انتشار التصريحات التى أطلقها «أبى أحمد»، رئيس الوزراء الإثيوبى، فى أغسطس الماضى، بشأن وجود معوقات فى سير عملية بناء «سد النهضة»، قد تؤخر إنجاز المشروع، وهو ما تسبب فى قدرٍ من الارتياح، وتصعيد لنبرة الاستبشار القائلة بأن استئناف العمل به سيتأجل لمدة أربع سنوات مقبلة، وربما داعب البعض أمل أن تقود الظروف الإثيوبية المتعثرة إلى إعاقة استكمال بناء السد بصورة نهائية!
مع تقديرى لحسن نوايا الذين أطربتهم هذه الأخبار، ودفعتهم للتبشير بأن الظروف تخدمنا ولن تسمح بإتمام بناء سد يخصم الكثير من حصتنا المائية الشحيحة، ويؤثر بشدّةٍ على أمننا ووجودنا!، فإننى أجد نفسى مدفوعًا لدق ناقوس الخطر، والتحذير مُجددًا من أن هذا النهج التفاؤلى المريح، الذى يتجاهل الخطر وحجمه، قد يُسبب فى المستقبل مخاطر جمّة، بسبب ما يُشيعه من تراخٍ وغفلة، بينما الخطر يتزايد، وتتضاعف أكلافه ومصاعبه.
«ليس كل ما يتمناه المرء يدركه»، لذا فأنا أميل إلى وجوب الحذر فى التعاطى مع مثل هذه الأخبار، لأسباب عديدة، على رأسها أن إثيوبيا، حكومةً وشعبًا، بنت آمالًا عِظامًا على إتمام هذا المشروع الذى تم تمثيله كمشروعٍ قومى، ارتبط بدواعى العزّة الوطنية والكرامة القومية، على نحو ما مثَّلَ مشروع السد العالى لشعبنا ودولتنا فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، فضلًا عن تصويره كمنقذٍ لإثيوبيا من الفقر المادى والتخلف التكنولوجى، ومخرجًا لها من العَوَز الكهربائى، وسبيلًا للازدهار الاقتصادى والنهضة المجتمعيّة.
ومعنى هذا استحالة التخلى عن هذا المشروع الحلم، مهما كانت المصاعب والتحديات، فضلًا عن تواجد أطراف خارجية لا تتوانى عن مساندة إثيوبيا فى إنجاز هذا المشروع، نكايةً فى مصر، منها قطر، وتركيا، وإسرائيل، وجماعة الإخوان الإرهابية بامتداداتها فى الداخل والخارج!.
ولذا، فأمر بناء السد محسوم من وجهة نظر الطرف الإثيوبى، مهما كانت الظروف والمخاطر، حتى لو تَعثَّرَ قليلًا، فهو مسألة وجود بالنسبة له، ولذلك ينبغى النظر باهتمام إلى ما ذكره، مؤخرًا، وكيل وزارة الموارد المائية والرى والكهرباء الأسبق فى السودان، وعضو اللجنة الوطنية «السودانية» لـ«سد النهضة» الإثيوبى «أحمد محمد آدم»، ومفاده أن «بداية توليد الطاقة الكهربائية لسد النهضة الإثيوبى ستكون بسعة ٧٥٠ ميجاوات فى أواخر عام ٢٠٢٠، (أى أواخر العام المقبل)، وأن الإنتاج سيصل إلى ستة آلاف ميجاوات فى ٢٠٢٢»، وهو ذات ما أعلنه وزير الرى والمياه الإثيوبى «شلسى بيكلى»، الذى صرَّح بأن «مستوى تنفيذ الأعمال المدنية للسد وصل إلى ٨٠٪، بينما وصل تنفيذ الأعمال الميكانيكية إلى ٢٥٪»، كاشفًا عن شراء إثيوبيا تسعة توربينات ومولد كهرباء، وأن بعضها وصل إلى موقع السد، والجزء الآخر موجود بالميناء، مؤكدًا ما ذكره المسئول السودانى من أن السد «سيدخل الخدمة بشكلٍ كامل عام ٢٠٢٢».
ويضاف إلى ما يُمَثِّلَهُ هذا الأمر من مخاطر مؤكدة على زراعتنا ومياه شربنا وسر حياتنا، وعلى مصالحنا وأمننا القومى، فهناك خطر كبير مُحتمل، مُتضمنٌ فيما أوضحته الأقمار الصناعية، بالتقاطها صورًا تكشف وجود نشع للمياه فى جانب من جوانب السد، كما أن الأمطار الغزيرة التى سقطت على إثيوبيا مؤخرًا تُعيد التذكير بما قرره العلماء والخبراء، منذ بداية مشروع السد، من وجود عيوب فى تصميمه، وفى اختيار موقعه، تهدده وتهددنا بالخطر المحدق، فى حال عجز تصميم السد عن احتمال الضغوط الهائلة، وانهار تحت وطأة ثقل المياه المحتجزة والمتدفقة بلا انقطاع!
ولعل ما أوجزناه سابقًا يكون بمثابة دقٍ جديد لناقوس الخطر، يوجب علينا أقصى درجات الحذر.. فالانتباه الانتباه!