رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ومن الحب ما قتل.. ودمّر المستقبل أيضًا



الحب ليس خطيئة تُشعرنا بالعار.. والحب ليس عيبًا نخفيه كأنه أمر مخجل.. والحب البرىء ليس جريمة تدمر مستقبل فتاة وشاب.. فخير لنا أن نحب ونخفق من ألا نعرف الحب إطلاقًا.. إن الحب هو إحساس راقٍ وشعور فيّاض يشعر به الإنسان ليؤكد به إنسانيته، وهو شعور يؤكد أن للإنسان قلبًا يخفق ويحب ويتأثر.. وأظن أننا فى مجتمعنا الآن فى حاجة إلى إعادة قيمة الحب فى حياتنا.. بدلًا من تيارات الكراهية التى يبثها كثير من المتشددين فى مجتمعنا.
إن من سمات الشباب التسرع والاندفاع والحماس والتلقائية، وما دام لم يحدث فعل فاضح أو سلوك مشين، فإنه ليس هناك ما يستدعى أن نلفظ مشاعر الحب البرىء لدى الشاب أو الفتاة، وأن نجعله وصمة عار أو جريمة تقضى على المستقبل.
ليس هناك فى التعبير عن الحب البرىء ما يستدعى أن ندمر مستقبل شابين تسرّعا فى لحظة ما إلى إظهار مشاعر حب برىء فى ساحة مفتوحة، وقدر لهما أن يقوم بتصويرها شخص ما.. وأن ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعى فتحدث ضجة تؤدى إلى القضاء على مستقبلهما.. هو شاب تسرع بأن يهدى زميلته أزهارًا.. وهى فتاة فوجئت بالمشهد.. وبأن زميلها يحملها مُعبرًا عن حبه لها فى لحظة اندفاع بريئة فوجئت بها منه.. فلما علم رئيس جامعة المنصورة التى بها الطالب بهذا المشهد- الذى لم يستغرق سوى ثانية واحدة- قام بوقفه عن الدراسة لمدة عام.. أما الطالبة فهى من جامعة الأزهر.. وقام رئيس الجامعة بفصلها إلى الأبد.
وأنا هنا لا أدافع عن التهور أو الاندفاع من جانب الشاب والفتاة فى حرم الجامعة، والتى قال بعض زملائهما إنها خطيبته.. وإنما فقط أطالب رئيسى الجامعتين بشىء من الرحمة وأن ينظرا بعين العطف إلى أن الفصل النهائى يعنى تدمير مستقبل الطالبة.. وأتصور أن بينهما مشاعر حب برىء من الممكن أن تؤدى إلى ارتباط رسمى بالزواج على الأرجح.. وأرى أنه كان يمكن تعنيفهما أو عقابهما بالوقف لمدة محددة.. ولفت نظرهما إلى عدم تكرار ذلك المشهد داخل الحرم الجامعى.. لكن أن يصل العقاب إلى الفصل النهائى للشابة والوقف لمدة عام للشاب.. فأظن أنه عقاب مبالغ فيه.. ويعنى أننا نرفض التعبير البرىء عن الحب رغم أنه أرقى شعور إنسانى يعبر عن إنسانيتنا.
إن الطالبة- كما رأيت من المشهد المصور المتداول على مواقع التواصل الاجتماعى- قد فوجئت بسلوك زميلها.. وأظن أنها لم تكن تعلم به.. لذا فلا يجوز حرمانها من إكمال تعليمها إلى الأبد.
وأعتقد أيضًا أننا فى حاجة إلى إعادة النظر فى هذا الاتجاه المتشدد الرافض لمشاعر الحب، وكأنها فعل فاضح ينبغى أن نواجهه بعقوبة قصوى تدمر المستقبل وتقضى على سمعة فتاة بريئة.
ولنتذكر أن للشباب جموحه وتهوره.. وما دام لم يضرا أحدًا.. فلا ضرر ولا ضرار..وأن التعبير عن الحب قد يؤدى بالشباب لبعض الاندفاع.. لكن ما أراه أننا نريد أن نلفظ الحب وأن نجعل له عقوبة صارمة وردعًا غليظًا.. وهنا أتساءل: لماذا لا يعاقب من يبثون الكراهية والتكفير داخل دور العلم والجامعات والمدارس؟؟!!.. هذه الأفكار السوداء الظلامية هى التى تستحق أن تتصدى لها بجزاءات شديدة قبل أن نوقع أقصى عقوبات على من يعبرون عن الحب ببراءة وعفوية واندفاع غير محسوب.
أشدد على أننى شاهدت الشريط المتداول الذى لم يستغرق سوى لحظة خاطفة..ولم أجد فيه ما يستدعى الفصل النهائى للطالبة.. إن الشباب أحيانًا يدفعه الحب إلى الاندفاع فى لحظة للتعبير عن مشاعر جارفة، لكنها ليست خطيئة وليست عارًا ينتج عنه تدمير مستقبل فتاة، أصبح المتشددون يتفاخرون بأن يطلقوا عليها لقب فتاة الحضن.
إن الاستنارة فى العقول نعمة.. وقبول الحب البرىء ليس خطيئة.. ومراجعة الشاب والشابة عن لحظة اندفاع أو حماس قد تكون ضرورية.. أما الفصل النهائى لتلك الفتاة، فأعتقد أنه يمكن إعادة النظر فيه رأفة بمستقبلهما.. ورحمة بها وبالشاب.. ويكفى ما حدث لهما من تعنيف ومن تداول للفيديو المصور عبر مواقع التواصل الاجتماعى.. إن الحب ليس خطيئة.. ومن كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها بحجر.
يذكر أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، طالب أمس الإثنين، فى بادرة إنسانية رائعة، من مجلس التأديب الأعلى للطلاب بجامعة الأزهر بإعادة النظر فى العقوبة التى تم توقيعها على الطالبة.