رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عذاب القبر أم عذاب الفقر وعذاب القهر؟


لماذا تتقدم وتبدع، مجتمعات لا يوجد بها أزهر شريف أو دار إفتاء، أو مجمع للبحوث الإسلامية، أو مدينة للبعوث الإسلامية، أو إذاعة للقرآن الكريم، أو جمعيات شرعية، وأحزاب بمرجعيات دينية؟. لماذا تتقدم وهى لا تنظم مسابقات لحفظ التوراة، وحفظ الإنجيل، وحفظ «القرآن»، وحفظ «الجيتا» كتاب الديانة الهندوسية، وليست لديها معاهد لتأهيل «الدعاة الدينيين»؟
مجتمعات ترتقى، مع أنها لا تغطى الفتيات، والنساء، بالحجاب، والنقاب، وتعدد الزوجات، والختان، وطاعة الذكور، وقوامة الرجال.
مجتمعات لا يكمن شرفها المقدس فى دم عذرية الإناث. ولا يوجد بها بوليس «آداب»، أو «أفعال فاضحة فى الطريق العام».. بينما لا توجد بها جهات لإزالة أبشع المشاهد الفضائحية علنية، وهى اتساع الفجوة بين منْ يقضى الصيف فى منتجعات الساحل الشمالى، ومنْ يقضيه على سواحل الترع الملوثة.
أطفال حفاة، شبه عرايا، يبحثون عن لقمة بين أكوام القمامة، أليس هذا «فعلًا فاضحًا» فى الطريق العام؟. طوابير الفقراء من النساء والرجال، التى تقف على أبواب مستشفيات، ليست مجهزة بأساسيات الإسعاف الطبى، أليست «أفعالًا ضد الآداب العامة»؟
لماذا فى المجتمعات العربية الإسلامية، تُنفق المليارات، على فك أعمال السحر، والعجز الجنسى، وبناء دور العبادة.. وفى مجتمعات أخرى تُنفق على بحوث قهر السرطان والأمراض المستعصية، وتسهيل حياة المعاقين، وتأهيل المواهب المتنوعة، وإنتاج الفنون الرفيعة؟
لماذا نتكلم عن «عذاب القبر»، لا «عذاب الفقر»، أو «عذاب القهر»؟. لماذا «نرجم الشيطان»، ولا «نرجم الوصاية الدينية»؟
لماذا نحن طول الوقت، عكس المجتمعات المتقدمة المبدعة، فى حالة الدفاع المتحفز المستميت، عن ديننا، وعن رسلنا، وعن أنبيائنا، وعن أخلاقنا، وعن فضائلنا، وعن ماضينا، وعن رموزنا، وعن آثارنا، وعن أبطالنا؟. مع أن أقوى دفاع عن أنفسنا، هو أن نتقدم ونرتقى ونتحرر وننتج ونبدع، دون الالتفات لمنْ يتقول علينا. لماذا نتقدم فى تجديد الخطاب الدينى، خطوة، واحدة. ثم نتراجع فى اليوم التالى، عشرات الخطوات؟
أعتقد أن السبب، هو أن تفكيرنا ومشاعرنا «متأرجحة»، بين أحكام السماء، وقوانين الأرض. السبب، هو أننا «على السطح» نبدو دولة مدنية. لكننا «فى الأعماق» دولة دينية، حتى ولو لم يجلس على الحكم «رجال الله» والمشايخ وأصحاب وأهل السلف. هم يكفيهم الآن، الجلوس على عرش العقول، والقلوب، والمزاج العام.
نحن نتكلم عن ضرورة إقامة دولة مدنية حديثة، لكن الواقع، هو أن العقلية المصرية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، وحتى الآن، تم «غزوها»، و«احتلالها»، و«تجريفها»، لإنشاء دولة دينية إسلامية إخوانية، سلفية، وليست دولة مدنية، حديثة. دولة قال الله وقال الرسول، وليست دولة قال القانون وقال الدستور، دولة الفتاوى الجاهزة المُعلّبة، الجامدة، المغلقة، المتجهمة، التى لفظها تبدل الحياة، وليست دولة العقل، والمنطق، والعدالة، والحرية، والفرح. دولة تكفير، وليست دولة مواطنة. دولة ديانة، لا دولة وطن، دولة الحرام والحلال، وليست دولة الصواب والخطأ، وحقوق الإنسان.
دائمًا نردد أن مجتمعاتنا لن يحدث بها أى تقدم ما لم تتوافر الإرادة السياسية من الدولة. لقد توفرت الرغبة والإرادة والضوء الأخضر، من رئيس الدولة شخصيًا، الرئيس السيسى، حينما طالب بتجديد الخطاب الدينى آخر عام ٢٠١٤. وبعد خمس سنوات، لم يحدث شىء، إلا بلاغات ازدراء الأديان، والإبقاء على خانة الديانة، وتضخم الفتاوى، وانتشار القنوات الدينية، التى تبث التعصب، والتطرف، وتكفير الناس والدولة.
وعندما أراد الرئيس السيسى إلغاء الطلاق الشفوى، لحماية الأسرة المصرية، وتخفيف الذكورية الجامدة المتعصبة، فى قوانين الأحوال الشخصية فى عام ٢٠١٧، اعترضت المؤسسات الدينية، الرسمية وغير الرسمية. وكيف أن هذه الأحوال اسمها «أحوال شخصية»، وأن أشخاصها المعنيين لم يشرعوها؟.
إذن نحن أمام «عقلية» دينية، سائدة، تحولت من «استشارة غير ملزمة»، إلى سلطة تتحكم وتسيطر. وهذا هو لُب الدول الدينية. وهذا هو جوهر الإعاقة الحقيقية، لأى تقدم فى الأفق. وهذه العقلية، تتعمق كل يوم، بإعلام دينى إرهابى متضخم ممنهج، ممول بسخاء، من حلفاء الدولة الدينية، فى الداخل والخارج. كل مهمته التربص لأنصار الدولة المدنية، مستخدمًا الشتائم البذيئة، والتكفير المحرض على القتل، والاتهامات الأخلاقية الزاعقة.
من بستان قصائدى
لا أملك من متاع الدنيا.. إلا ميراث الحرية
ويدهشنى كيف لا أدخل.. القائمة العالمية لأغنى الأثرياء؟