رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وزارة «الجوع» البريطانية!


بعد «وزارة السعادة» التى استحدثتها دولة الإمارات الشقيقة، فى ٨ فبراير ٢٠١٦، دعا عدد من أعضاء مجلس العموم (البرلمان) البريطانى إلى استحداث وزارة لـ«الجوع»، يكون هدفها مواجهة مشكلة «انعدام الأمن الغذائى» لدى البريطانيين عمومًا، خاصة بين الأطفال!.
أرقام منظمة اليونيسف قالت، فى ٢٠١٧، إن ١٩٪ من الأطفال البريطانيين، تحت ١٥ سنة، يعيشون فى عائلات تكافح من أجل توفير الطعام. وفى حين تزعم الحكومة البريطانية أن عدد الأطفال الذين يعيشون فى عائلات بلا عمل انخفض بشكل قياسى، أعلنت شيفون كولينجوود، مديرة إحدى مدارس مقاطعة «لانكشير»، أن الأطفال يصلون إلى المدرسة وهم يشعرون بالجوع ويبحثون عن الطعام فى صناديق القمامة، موضحة أن واحدًا، على الأقل، بين كل عشرة تلاميذ يعيش فى أسرة تعتمد على المساعدات التى تقدمها بنوك الطعام. وأكدت أن قلبها ينفطر عندما ترى آباءً ينفجرون بالبكاء ويقولون لها إنهم لا يستطيعون توفير المال اللازم لإطعام أطفالهم.
متحدثة باسم وزارة العمل والمعاشات البريطانية، قالت إنه منذ سنة ٢٠١٠، تم انتشال مليون شخص من دائرة الفقر المدقع، بينهم ٣٠٠ ألف طفل. وزعمت الوزارة أنها تقدم دعمًا فعليًا، من خلال الوجبات المدرسية المجانية واستمارات الطعام. وفى المقابل قالت «كولينجوود»، مدير المدرسة، إنها تتعامل، لسوء الحظ، مع أطفال وليس مجرد أرقام، قبل أن تؤكد أن تجربتها اليومية تثبت أن هذه المشكلة فى تزايد. وأوضحت أن لديها فى مدرستها ٣٥ طفلًا تعيش عائلاتهم على المساعدات التى تقدمها بنوك الطعام، ومن المحتمل أن تكون أعدادهم أكبر.
قد يعود ذلك إلى الأزمة الاقتصادية التى عانت منها بريطانيا مؤخرًا، وأثرت بشكل سلبى على الشركات وسوق العمل، ثم على أنظمة الضمان الاجتماعى، التى تقلصت ميزانيتها تدريجيًا، والتى دفعت عددًا من البريطانيين، خاصة النساء، إلى العمل فى «الدعارة» من أجل تغطية احتياجاتهم. ويبدو أن تلك الأزمة ليست على جدول أولويات تيريزا ماى، رئيسة الوزراء البريطانية المشغولة بصراعاتها داخل ‏حزبها، وداخل مجلس العموم، أو البرلمان البريطانى. ومع أنها نجحت، إلى الآن، فى الحفاظ على موقعها، بدفاعها الصلب عن رؤيتها للانفصال الناعم عن الاتحاد الأوروبى، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات صعبة، قد لا تنتهى إلا بالإطاحة بها.‏
كنا قد توقفنا، فى مقال سابق، عند تقرير صادم نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، BBC، فى ١٩ نوفمبر الماضى، قال إن بعض النساء فى بريطانيا اضطررن إلى العمل فى «الدعارة» بسبب غياب كفاءة نظام الضمان الاجتماعى. ونقل التقرير عن سيدة بريطانية اسمها «جولى» أنها اضطرت إلى قبول عرض لممارسة الجنس مقابل ٣٠ جنيهًا إسترلينيًا. وفى التقرير نفسه، نقلت BBC عن كارى ميتشل من «تجمع بائعات الهوى» فى بريطانيا، أنها سمعت عن نساء لجأن للدعارة نتيجة لتأخر وصول المساعدات المالية، وأوضحت أن معظم العاملات فى الدعارة أمهات ومعظمهن أمهات يربين أطفالهن بمفردهن.
قبل أن تنشر BBC تقريرها، كان النائب فرانك فيلد قد أثار الموضوع فى مجلس العموم (البرلمان البريطانى)، وردت عليه إستر ماكفى، وزيرة العمل والتقاعد بقولها «يستطيع النائب أن يخبر السيدات بأن هناك ٨٣٠ ألف فرصة عمل متاحة للراغبين». غير أن خمس مؤسسات خيرية، أكدت لـBBC، أن عددًا متزايدًا من النساء اللائى يعتمدن على نظام الضمان الاجتماعى يضطررن لهذا. ومن أنجيلا ميرفى، من منظمة خيرية مهتمة بشئون النساء، عرفنا أن «هذا وضع مألوف» وأن «بعض النساء يعتقدن أن الحل السريع يكون بممارسة الجنس للحصول على نقود، لكنهن يتورطن على المدى البعيد». ولم يلفت نظرنا فى تصريحات متحدث باسم مؤسسة «تنمية العمل ونظام التقاعد» غير تأكيده على أن «الحكومة ملتزمة بمعالجة الاستغلال المرتبط بالدعارة».
غير «جوع» الصغار، واضطرار الكبار للعمل فى الدعارة، هناك مؤشرات كثيرة، تقول إن الإطاحة بـ«ماى» صارت وشيكة، ليس فقط بسبب رؤيتها لـ«بريكست»، ولكن أيضًا لأن المحافظين ‏يريدون مواجهة خطر وصول جيريمى كوربين، رئيس حزب العمال، إلى رئاسة الحكومة فى الانتخابات العامة المقبلة، وهو خطر قائم بالفعل. كما أنه ليس بعيدًا أو مستبعدًا أن تحدث دوامات وتقلبات ‏وانقلابات فى صفوف حزبى بريطانيا الرئيسيين، المحافظين والعمال، يختفى فيها نجوم، ويصعد خلالها بدلاء آخرون، ربما بصفقات مع مخضرمين فى «بروكسل» سيحاولون الدفاع عن وحدة الاتحاد ‏الأوروبى، وتجنب التبعات السلبية للطلاق البريطانى- الأوروبى التى ستؤثر، قطعًا، على الجوانب السياسية، العسكرية، المخابراتية، الاقتصادية، القانونية، الاجتماعية، والبيئية، وغيرها.‏ وبتلك «النقطة» تنتهى الفقرة، وتنتهى مساحة المقال!.