رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبد الشافي يكتب: محمد الباز وسيف سلماوي


عندما نشرت السيدة نهى الزينى مجموعتها القصصية «اغتسال» عن دار ميريت عام ٢٠٠٦، كنت سعيدًا بإضافة اسم من سلك القضاء إلى الأدب، ما يعنى دخول دماء ورؤى جديدة إلى الإبداع الإنسانى، كما أضاف يوسف إدريس عالم المرضى وآهات الألم، وكما صنع توفيق الحكيم «يوميات نائب فى الأرياف»، وتخيلت أن عنوان المجموعة «اغتسال» يرمز إلى معنى التطهر من قسوة الروح وغِلظة القلوب والخروج من مستنقع الفساد والجريمة، إلى السمو الذى تنشده البشرية، لكننى فوجئت بالسيدة تكتب موعظة دينية عن رجل يضاجع زوجته فى ليلة الدخلة، ويغرق معها فى أحلام المستقبل والبيت والأولاد، لكن الحياة بينهما تتحول إلى ملل ورتابة، لدرجة أنهما لا يغتسلان بعد الجماع!، ويثور الزوج على زوجته كى تغتسل، فتغضب لأنه أحرجها وتصرخ لأول مرة «طلقنى».. وتنتهى القصة!.
أى هُراء هذا مقارنة بما توقعت قبل القراءة؟!، عمومًا، نسيتُ السيدة نهى كما نسيت عشرات مثلها كان ظهورهم مرتبطًا بأزمات سياسية أو برلمانية فحشروا أنفسهم فى الكتابة! وحتى اليوم هناك مئات يكتبون الرواية بسطوتهم السياسية وليست الفنية أو الإبداعية، وهذا نوع من الكتابة الرديئة التى أحرص بشكل شخصى على استمرارها حتى يعرف الجيل القادم أن «الكتابة والإبداع» أقوى من الأيديولوجيا ومن الأفكار العنصرية والقبلية، وأقوى من شهوة الظهور وحمى الشهرة التى تأكل أجساد البشر، حتى وهم يتصنعون الورع والبراءة والنضال لابتزاز القارئ ودغدغة مشاعره.
منذ يومين فاجأنى الصديق محمد الباز باسم «نهى الزينى»، فبحلقتُ مندهشًا: إيه فكّرك بيها؟، فوضع كتابًا أمامى وقرأتُ الغلاف: «بلا وطن» رواية نهى الزينى!.
منذ اقتربت من محمد الباز، وهناك مباراة بيننا فى الكتب، فمن الصعب أن تفاجئه بإصدار جديد أو قديم، وكثيرًا ما خسرت الرهان على مفاجأته بكتاب لم يقرؤه، إذ يتحرك ببطء وهدوء نحو المكتبة ويقدم لى طبعة أو طبعتين كنوع من النكاية!، لكننى لم أجد مبررًا لحرصه على شراء أى ورق حتى لو كان لكاتبة متواضعة لم تعرف طريقها للكتابة إلا على كبر وبعد «شو إعلامى»، مثلها مثل عشرات جربوا الكتابة وقرفونا بغثاء فارغ، واعتبرتُ شراء عمل كهذا ظلمًا للكتابة ولفن الرواية الذى داسته أقدام كثيرة حتى سوته بالأرض، كنتُ غاضبًا بالفعل، ليس لأنه سبق بخطوة وحصل على الكتاب بعد صدوره بأربعة أيام، كما قد يظن، لكنه تبسم ضاحكًا من غضبى: «اهدى بس.. أنت شايف الموضوع كراجل روائى حزين على حال الرواية والقصة ومستخسر ندفع فلوس فى كلام فارغ، أنا بقى مش شايفه كده خالص».
وكان محقًا فيما رأى، فخلال ساعات- كما هى عادته- قرأ الرواية ودوّن ملاحظاته وكتب عنها مقالًا مطولًا بعنوان «نهى الزينى تغسل سمعة الإخوان القذرة»، فالموعظة الحسنة التى جاءت فى قصة «اغتسال» عام ٢٠٠٦، تحولت إلى دولة من العلاقات والروابط العائلية فى هذا العمل الجديد الذى لا يُعد غسلًا لسمعة جماعة التطرف والقتل فقط، بل جريمة فى تزييف التاريخ الاجتماعى المصرى الذى تم تهجينه بدخول طبقات المتأسلمين نسيج المجتمع، وفرضهم ثقافة البدو والقبلية العصبية والدينية على نسيج الحضارة المصرية، ورغم كارثية تمرير عمل كهذا إلى فن «الرواية» إلا أن محمد الباز قضى عليه فى مهده، وجلد صاحبته جلدًا لن تنساه مدى الحياة، وأظنها لن تعود للكتابة إلا كباحثة إسلامية تبكى على مجد الخلافة الضائع.
على أن العتاب الشديد للصديق محمد الباز على تحميل الناشر «سيف سلماوى» كل هذا الأمر وأكثر!، فربما لم يلتق محمد الباز الصديق المهذب سيف سلماوى ليعرف كم هو بعيد كل البعد عن ألاعيب الكبار فى سوق النشر، فما بالك واللعب الكبير فى ملعب قطر وبلومزبيرى؟، صحيح أن سيف بدأ العمل فى دار الشروق، ولكن ليس عن طريق والده يا صديقى، فهو مثقف رفيع المستوى، يجيد اختيار النصوص والبحث عن الجيد والنادر من الكتابات القديمة، وهذا هو دوره الذى يقوم به فى «الكرمة» بعد اكتساب خبرات كبيرة فى هذا المجال، وليس لوالده أى فضل فى ذلك، وكما ذكرت فى مقالك فإن اختيار سيف للإشراف على تجربة النشر المشتركة بين بلومزبيرى ومؤسسة قطر للنشر، كانت قد انتهت بعودته إلى القاهرة والانفصال عن «بلومزبيرى» بعد ثورة ٣٠ يونيو، لكننى أظن كل الظن أن صفقة الانفصال وتعزيز موقف «الكرمة» ماليًا كانت أكبر من سيف سلماوى بكثير، وأظنك واحد ممن يعرفون مثلًا أن اسم الكاتب إبراهيم عيسى كان على قائمة من أشيع وقتها أنهم يشرفون على إتمام الصفقة وتحويل «الكرمة» إلى دار عالمية، فما هو دور سيف فى كل ذلك يا صديقى؟، هل يتحمل مسئولية نشر عمل ردىء؟، ومن قال لنا إن كل الأعمال المنشورة فى هذه الدار تحديدًا يمكن أن يتحكم ناشر واحد فى إصداراتها؟، موقف «الكرمة» غامض بكل تأكيد، ويحتاج إلى شفافية مثل كثير من دور النشر فى مصر، لكن يصعب علىّ بشكل شخصى أن أجد اسم مثقف نابه يحظى باحترام الجميع بين كل هؤلاء اللاعبين الكبار الذين يتنكرون فى ثوب البراءة والورع، والنضال المجانى.