رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: نهى الزيني تغسل سمعة الإخوان القذرة

محمد الباز
محمد الباز

- أشادت على لسان أبطال روايتها الأخيرة «بلا وطن» بـ«التنظيم الخاص للإخوان».. وانتقدت إساءة عناصر بالجماعة له
- ادعت أن قيادات «الإرهابية» دفعوا حياتهم وحريتهم من أجل الوطن و«رفعة الأمة».. وأبطالها أظهروا فرحًا بنكسة 67
- قيادى إخوانى فى رواية المستشارة: اعتقدنا أننا سنخرج من السجون نجد الإسلام انتهى من مصر

- نقلت فى روايتها أن كارم الأناضولى- المتهم فى قضية «الفنية العسكرية»- خضع لمحاكمة عسكرية لأنه يداوم على الصلاة فقط


تنطلق نهى الزينى فى روايتها «بلا وطن» من بيت «الفلسطينى» القابع فى حى الدقى، واضعة يدها على أبطالها الثلاثة.
إسماعيل الطحاوى، خريج الهندسة، الذى ينتهى به الحال سجينا على ذمة قضية مقتل السادات.
عزة عياد، خريجة كلية الإعلام، التى تبدأ حياتها فى مجلة «صباح الخير» ثم تنتقل منها إلى جريدة «الأهرام».
ومصطفى الملا، الذى يتوزع دمه بين أب مصرى وأم إيطالية، تنتهى الرواية وهو يواصل دراساته العليا فى التاريخ بجامعة السوربون.
من خلال الأبطال الثلاثة تتقاطع مصائر شخصيات الرواية الأخرى، وتتشابك علاقاتهم، وتضع الكاتبة على ألسنتهم حوارات مطولة تكشف من خلالها عن آرائها فى كل وأى شىء، وتصفى من تعتبرهم خصومها، بداية من جمال عبدالناصر إلى بهيرة مختار، صحفية الأهرام الشهيرة، التى تركت وراءها بصمة فى مجال التحقيقات الصحفية.
قد تحتج علىّ وتقول إن ما جاء على لسان أبطال نهى الزينى يخصهم وحدهم، فهى روائية تشكل حياة مَنْ نحتتهم من خيالها، لكن هذا ليس صحيحًا، خاصة أنها لم تضع فى طريق من منحتهم أسماءهم وحياتهم من يفند آراءهم، ثم إنك تشعر بها هى نفسها فى كل رأى كتبته.. تقفز أمام عينيك حالتها، التى يبدو أنها تسعى إليها الآن، وهى الدفاع عن جماعة الإخوان، أو لنقل تحديدًا الأجيال السابقة للجماعة، وكأنها تقول إنهم أنقياء وأتقياء، بذرتهم صالحة، قدموا تضحيات كثيرة، ويجب ألا نناصبهم العداء.
سأضع أمامكم هنا نصوصًا مما أوردته نهى الزينى فى روايتها على لسان أبطالها، وما قالته هى كراوية عليمة بكل شىء يحدث، لا تترك شاردة أو واردة تخايل أبطالها إلا وأثبتتها بنفسها. 
***
يتصدر الرواية خالد على، طالب الهندسة، الذى رزق به والده بعد سبع بنات، انضم إلى جماعة الإخوان مبكرًا، سائرًا على طريق أبيه، وكان المثل الأعلى لإسماعيل، أحد أبطال الرواية الثلاثة الأساسيين. 
تحكى نهى عنه: كان إسماعيل يكبر خالد بتسع سنوات كاملة، ولد خالد فى العام ١٩٤٦ بعد سبع بنات كبرن وتزوجن وأنجبن، وبعد أن وهن عظم الحاج على واشتعل رأسه شيبًا وأوشك رحم الحاجة فاطمة على الجفاف.
تُصوّر نهى الأجواء التى تم فيها الحمل بخالد، وكأنه ولى من أولياء الله الصالحين، تقول عن ذلك: فى إحدى ليالى العطاء الإلهى، كان- الحاج على- عائدًا من طنطا بعد أن زار الشيخ صالح العقاد زيارة محبة وأخوة فى الله، وقضى معه الإخوان ليلة من الليالى الصافية المليئة بالخير والبركة، وعندما أمّ الشيخ صلاة التهجد فى الهزيع الأخير من الليل، وبدأ فى القنوت، وهم يؤمنون على دعائه، فاضت عينا الحاج على بدمع سخين، وسجدوا فأطالوا السجود، ودعا الله مخلصًا بدعاء زكريا «رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء».
حين عاد الحاج على إلى بيته- كما تصف نهى- بعد تلك الليلة اغتسل وصلى ركعتين، ثم طلب فاطمة لفراشه، فتعجبت وضحكت وتمنعت، ثم لبت طائعة لزوجها وهى تضرب كفًا بكف: كبرنا على الكلام ده يا حاج وأصبحنا جدودا لصبيان وبنات يملأون البلد.
وعندما يرزق الله الحاج على بخالد تقول بلسان الراوية: انظروا لخالد بن الحاج على هل تجدون له مثيلًا؟ عطاء الله، بركة الشيخ صالح العقاد، وما أدراك من هو؟ إنه التلميذ النجيب للأستاذ المرشد، رباه على عينيه، ولقنه أصول العقيدة والدعوة إلى الله، وكم دعا له الشيخ صالح بأن يرزقه الله ولدًا يكون ذخرًا لدعوة وزهرة فواحة فى رياض الإخوان، فتقبل الله دعاء الصالحين، وأفاض عليه من رزقه ما لم يخطر له على بال.
أصبح خالد نموذجًا، أخذت منه نهى نموذجًا للشاب الإخوانى، خالته حكمت، والدة إسماعيل تقول له، وهو يتهيأ لامتحان الشهادة الإعدادية: شد حيلك يا خالد واحصل على مجموع كبير لنزوجك إلهام. وإلهام هذه هى شقيقة إسماعيل الكبرى.
تدخل نهى بلسان الراوية تقول: دق قلبه، شعر باضطراب، وأحس بأن الموضوع ليس لعبًا، لكنه جد، كل شىء فى حياتنا يجب أن ننظر إليه بجدية، هكذا تعلم من الشيخ صالح العقاد «إن أردت أن تنول مرادك فعليك بالعمل، لا تكتف بالأحلام، لا وقت لدى الإخوان يضيعونه فى الأحلام، اقرأ وتدبر واعمل، هذا هو شعار جماعتنا وأمتنا، الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد».
كانت حكمت تطلب من ابنها اسماعيل أن يأخذ من خالد قدوة له، وعندما كان يقضى إسماعيل الإجازة الصيفية فى بيت خالد، الذى هو بيت خالته، تأخذنا نهى إلى مشهد آخر له دلالته.
تقول عن إسماعيل: يتعلق قلبه منذ الصغر بأوراد الجماعة، تتعلق عيناه باللوحة الوحيدة المعلقة فى صالة بيت خالته داخل إطار ذهبى، الوصايا العشر للإمام الشهيد: قم إلى الصلاة متى سمعت النداء، لا تكثر الضحك فإن القلب الموصول بالله ساكن وقور، لا تمزح فإن الأمة المجاهدة لا تعرف إلّا الجد.
تجتهد نهى الزينى فى توصيف ما يقول الإخوان إنهم تعرضوا له من سجون ومعتقلات دون أن نسمع منها ما يشير إلى ما ارتكبوه من آثام فى حق الوطن.
تفعل ذلك وهى واضعة يديها على كتفى خالد وإسماعيل.
تقول: لن ينسى إسماعيل ذلك اليوم ما دام حيًا، فى صيف عام ١٩٦٥ (العام الذى تم فيه اكتشاف مؤامرة تنظيم سيد قطب لقلب نظام الحكم) كان على وشك أن يتم العاشرة من عمره، ذهب بصحبة خالد إلى العزبة، بينما سافرت والدته وشقيقته إلى الإسكندرية لقضاء بعض الوقت مع أهل أبيه، على أن تلحقا بهما فيما بعد، أنهى خالد اختبارات العام الثانى بكلية الهندسة، أولى ميكانيكا، ونجح بتقدير مرتفع، بينما هو لا يزال فى مرحلة الدراسة الابتدائية متفوقًا كابن خالته، ومتطلعًا لكلية الهندسة التى تلوح كالحلم غير بعيد من منزلهم فى حى الدقى، الذى قطنوه بعد نزوحهم من الإسكندرية عقب وفاة أبيه.
نأتى إلى المشهد المهم، الذى اجتهدت نهى الزينى فى صياغته بدرامية شديدة.
تقول: طفل فى العاشرة مستغرقًا فى نومه، يفيق مذعورًا على ما يشبه لكمة، كان الظلام مخيمًا على المكان، وضوء خافت ينبعث من سراج بالحجرة، ورجال غرباء يملأون المكان، أمسك أحدهم بخالد ليمنعه من الحركة، فرك عينيه بارتعاب، وقد ظن أنه يحلم، أمسك أحد الرجال بذراعه وأطاح به من فوق الفراش، ثم انقض على الوسادة، التى كان ينام عليها، مصحف صغير اعتادت أمه أن تضعه تحت وسادته، أمسك به الرجل وأخذ يفر أوراقه كأنه يبحث عن شىء ما، ثم ألقى به إلى حيث إسماعيل، الطفل المرتعب لا يدرك مما يحدث شيئًا.
صرخ إسماعيل مستغيثًا: خالد، فأتته لكمة أخرى وصوت غليظ يصيح به: اخرس يا ولد، انحشرت الكلمات فى حلقه وجف ريقه، ماذا يحدث؟ من هؤلاء؟ ولماذا يمسكون بخالد هكذا؟.
تواصل نهى الزينى دراميتها، تقول: رأى إسماعيل فى الخارج جمعًا مضاعفًا يحيطون بهم من كل مكان، وقد قلبوا البيت رأسًا على عقب، مراتب الأسرة والوسادات على الأرض، المقاعد قلبت وشقت بطونها، ورجال يعملون بهمة يخرجون كل ما فى الخزائن وكل ما فى الأدراج يلقون بها على الأرض ويحتفظون ببعضها، هرج ومرج، بينما يقف الحاج على بينهم صامتًا خافضًا رأسه ينظر إلى زوجته بين حين وآخر، ثم يحملون الحاج على وابنه فى اللورى المنتظر بالخارج، ويمضون بهما، مشيعين بصراخ الحاجة فاطمة وبكاء الصبى الصغير، الذى لا يفقه شيئًا مما يدور من حوله.
من طرف خفى أوحت نهى الزينى بأن هذا ما حدث لكثيرين، تثبت هى ذلك بقولها: قبضوا على جميع الإخوان، الرجال والفتيان وكثير من النساء، تصيح الحاجة فاطمة باكية شاكية لمن تزورها من النساء: حتى الحاجة علية، زوجة الحاج صالح، قبضوا عليها، من يصدق أن يسجنوا النساء؟.
لا نعرف على وجه التحديد، هل هذا هو صوت الحاجة فاطمة الذى نستمع إليه، أم أنه صوت نهى الزينى نفسها، أم أنه لا فارق بينهما فى الحقيقة؟.
لم تكتف نهى الزينى بذلك، بل وضعت على لسان خالد ما يشكك فى قضية تنظيم سيد قطب كلها، أسمعه وهو يقول: هل يعقل أن والدى الحاج صالح كان يريد نسف القناطر الخيرية؟ ألم يخش أن تغرق زرعته؟ ولِمَ أراد خالد تفجير كوبرى أبوالعلا؟ ولماذا هذا الكوبرى بالتحديد؟ أنا أعرف هذه الزجاجة المصورة فى الجريدة، إنها زجاجة دواء تركيب كانوا يعالجون به التهابًا جلديًا أصاب رأسى وأخذها أحدهم معه يوم جاءوا، أصبحت فى الجريدة زجاجة مواد حارقة لنسف أماكن تجمع المواطنين.
استسلمت نهى الزينى لما قاله الإخوان عن تعذيبهم فى السجون، فأخذت تردده مرة أخرى دون أن تدرى ركام الزيف، الذى سكن كتب الإخوان عما جرى لهم، فقد خرجوا من السجون ليصوروا الأمر على أنهم تعرضوا لمذابح وعاشوا فى سلخانات، ولعلكم تذكرون المسرحية الهزلية، التى أثبتتها زينب الغزالى فى كتابها «أيام من حياتى»، وهو الكتاب الذى اعترف القيادى الإخوانى يوسف ندا بأنه من كتبه ووضع عليه اسم الحاجة زينب حتى يشوه صورة عبدالناصر وعهده، وإذا كانت نهى لا تصدق ما أقول، فليس عليها إلا أن تسأل القيادى الإخوانى أبوالعلا ماضى، فهو صاحب هذه الرواية، وهو الآن حر طليق تستطيع أن تراجعه.
ترويجًا لإفك الإخوان، كتبت نهى على لسان القيادى الإخوانى صالح العقاد ما قاله عن الحاج على: أصيب الرجل بجلطة أعقبها شلل، لكنهم لم يرحموه، كانوا يهينونه أمام إخوانه وأمام ولده كما أهانوا الجميع، حاول التجلد طويلا، لكنه لم يتحمل لسعات السياط على جسد وحيده المحبوب، ابن الكبر غالى، خالد زين الشباب يسب ويضرب ويهان وتنهش جسده الكلاب ويهتك عرضه أمام أبيه، ثلاث سنوات طوال بدت كنفق مظلم لا نهاية له، وحين جاءت الهزيمة لاح ضوء الفجر، من كان يصدق أن حريتنا ثمنها انكسار الوطن؟ هكذا شاءت العصابة، التى حكمتنا طوال تلك السنين، وحتى هذه الحرية جاءت منقوصة، فلم يفرجوا إلا عن المرضى والمسنين، ومن كتبوا بدمائهم عرائض التأييد لشيخ المنصر، بينما نقل الباقون لسجون أخرى، فقط من أجل إخلاء السجن الحربى ليستقبل رواده الجدد ممن تم تحميلهم وزر الهزيمة كأكباش فداء تقدم لجماهير خرجت تهتف لقاتليها بالروح والدم.
المعنى نفسه تؤكده نهى بحوار بين اثنين من أصدقاء إسماعيل، وهما يسرى الجوادى ووائل محمود.
كان وائل يميل إلى أفكار الجماعة الإسلامية، وكان ينتقد موقف الإخوان، فرد عليه يسرى بقوله: اتق الله، أنتم تزايدون علينا وقد قضينا زهرة شبابنا فى السجون، وفقدنا من الشهداء ما فقدنا، أين كنتم حين كنا نجلد بالسياط ونصعق بالكهرباء ونضحى بمستقبلنا فى سبيل دعوتنا، ها أنت الآن فى نهائى هندسة، ولولا تضحياتنا لكنت أنا اليوم طبيبًا وكان خالد مهندسًا.
عاد وائل إلى إطراقته، بينما وجه إسماعيل حديثه ليسرى قائلًا: لا يمكن لأحد أن ينكر تضحياتكم ولا سبقكم فى الدعوة، وتحملكم فى سبيلها ما لا يتحمله بشر، لكنه مجرد خلاف فكرى لا ينبغى أن يفسد للود قضية.
يمتد الحوار بينهما فيؤكد يسرى على ما ذهب إليه، يقول: عم تتحدث يا فتى، وأين كنت أنت عام ١٩٦٥؟، فى المدرسة الإعدادية أو الثانوية على أكثر تقدير، أما نحن فقد قاسينا صنوف العذاب سنينا، شبابنا وشيوخنا ونساؤنا أيضًا، كانوا يعلقون الحاجة زينب الغزالى فى فلكة ويجلدونها بالسياط، وتمزق جسدها الكلاب المتوحشة ولم تتزحزح ولم تفقد ثباتها.
ألم أقل لكم.. لقد استسلمت نهى الزينى تمامًا لما قرأته فى كتب الإخوان الكاذبة عما جرى لهم فى السجون، لم تستمع إلى شهاداتهم بعد ذلك، ولا لشهادات الطرف الآخر، وكأنى بها تريد أن تعيد مرة أخرى إلى المشهد العام هذه الحكايات عن بطولات الجماعة القذرة، وها هى متلبسة أمامنا بالخضوع التام لروايات زينب الغزالى، التى تصلح فقط لفيلم خيالى تمامًا دون أن يكون فيه أو له ظل من الواقع.
قبل أن تغلق نهى الزينى الحوار بين أصدقاء إسماعيل تثبت على لسان يسرى قوله: فلتعلم يا أخ وائل أن الإخوان المسلمين إصلاحيون وليسوا تكفيريين، فقد أسس الإمام الشهيد- عليه رحمة الله- جماعتنا ليكونوا دعاة لا ليكونوا قضاة يفتشون فى قلوب الناس ليحكموا عليهم بالكفر أو الإيمان.
***
تشعر طوال الوقت بأن نهى الزينى منبهرة بالجماعة ورجالها وأعمالهم وتصرفاتهم، ويمكنك أن تتوقف أمام حالة الانبهار هذه كثيرًا على طول روايتها وعرضها- وتحمل جفاف أسلوبها وتداعى مفرداتها وأخيلتها العاجزة- فحتى تعرف لا بد أن تتعرض لكل ذلك.
استمع إليها وهى تصف واحدًا من اجتماعات الجماعة فى شقة صالح العقاد تقول: وصل أولًا الأخ محمود مجاهد، وهو رجل من الرعيل الأول الذين عاصروا الإمام حسن البنا وقضى عشرين عامًا فى السجن بعد إدانته بالاشتراك فى محاولة اغتيال عبدالناصر فى ميدان المنشية، ثم أفرج عنه قبل سنوات، كانت المرة الأولى التى يلتقى فيها به، وإن كان قد سمع عنه الكثير، وظل يكن له ولأمثاله ممن قضوا زهرة شبابهم وراء القضبان شعورًا خالصًا بالاحترام وبالاعتراف بالجميل، إذ مثلت تضحيات هؤلاء خصوصًا قدوة حية أدت إلى تشبث شباب جيلهم بالنهج الإسلامى، إنهم على الأقل لم يشاركوا فى انشقاقات وانهيارات ١٩٦٥، كما أن أكثرهم من أعضاء النظام الخاص الذى دأب الإخوان على الإساءة إليه فى كل مناسبة.
يا قوة الله، كيف استطاعت الأديبة نهى الزينى أن تثبت ذلك؟
النظام الخاص، الذى وقف وراء كل العمليات الإرهابية التى ارتكبتها الجماعة، تراه شيئًا عظيمًا وتشيد بمن انتموا إليه، بل تدعى أنه تعرض لإساءات من الإخوان.
وقبل أن تسأل سوف أسأل أنا: كيف طاوع المستشارة ضميرها وهى تكتب هذا الكلام؟
لا تتعجل فهناك ما هو أكثر.
فى نفس الاجتماع الذى كان يتم فيه التنسيق لضم شباب الجماعة الإسلامية إلى الإخوان، ستسمع ما هو أكثر.
أحد قيادات الإخوان يقول لشباب الجماعة الإسلامية: بارك الله فيكم وفى جهدكم العظيم، لقد مرت علينا سنوات داخل السجون اعتقدنا فيها أننا سنخرج فنجد الإسلام قد انتهى تمامًا من مصر، وأننا لن نجد شابًا ملتزمًا ولا امرأة محجبة، فإذا بنا نخرج بفضل الله فنجد كل هذا التغيير، الذى يؤكد صدق مقولة نبينا، صلى الله عليه وسلم، إن الخير فيه وفى أمته إلى يوم الدين.
رد عليه أحد الشباب بقوله: هذا غراس أياديكم الكريمة، وما قدمتموه لنا من قدوة صالحة، فلكل دعوة وقودها، وكنتم أنتم وقود دعوتنا بتضحيات السنين الطوال، حتى تقدمنا على نبراسكم لنكمل المسيرة ولنحقق بإذن الله الرسالة التى نادى بها الإمام الشهيد.
لا يزال لدى نهى الزينى المزيد، فلا ينتهى هذا الاجتماع إلا بعد أن تثبت على لسان أحد قيادات الجماعة المشاركين فيه قوله: منهج الإخوان دائمًا ألا نبارز أحدًا بالعداء، ولكن بالصبر على المكاره وتبيان الحقائق حتى نتمكن من إقناع الناس بأن جماعة الإخوان كانت دائمًا وستظل فى خدمة الإسلام وخدمة هذا البلد(!!!!) وعلامات التعجب من عندى بالطبع.
على الهامش: فى الرواية يظهر عبدالمنعم أبوالفتوح الذى كان قائدًا لهذه الجماعة فى كلية الطب بقصر العينى، لكنها أعطته اسم ضياء الدين عبدالفتاح.
***
تقترب نهى الزينى بأبطالها من رغبتها فى إظهار طهارة المنتمين إلى جماعة الإخوان على حساب مؤسسات الدولة، وهنا يظهر وائل محمود، أحد أعضاء خلية صالح سرية وكارم الأناضولى، الذى كان شريك صالح سرية فى عملية «الفنية العسكرية»، وأعدم إلى جواره.
يصف كارم الأناضولى، كما ترى نهى الزينى، قادته فى الكلية الحربية، التى التحق بها بقوله: لقد تشبعوا بمبادئ الإلحاد لدرجة ما كانت تخطر لأحد على بال من تطاول على الذات الإلهية إلى تجرؤ على الحرمات والاستهزاء بها، إلى اضطهاد الملتزمين، لدرجة أن الصلاة عندهم جريمة لا تغتفر، وأصبحت سببًا لتعرض من يؤديها لاستهزاء ومضايقات الطلبة الشيوعيين وتنكيل الأساتذة به.
قطع وائل محمود كلام كارم الأناضولى، ووجه حديثه إلى إسماعيل: لقد أحالوا كارم لمحاكمة عسكرية لمجرد أنه يداوم على الصلاة.
أخذ كارم خيط الحديث مرة أخرى، فبدأ فى رواية ما جرى له: لقد وصل الأمر إلى أن مدير الكلية، اللواء إبراهيم عبدالنبى، كان يحذر زملاءنا صراحة من الاختلاط بنا لمجرد أننا نداوم على الصلاة، فهل أصبحت الصلاة جريمة؟ ثم جاءت إحالتى للمحاكمة العسكرية بتهمة أننى أشكل خلية من الإخوان المسلمين داخل الكلية، ولم يثبت هذا بالطبع، لأن كل دليلهم كان رفضنا التعامل مع زملائنا الشيوعيين.
ما الذى تريد نهى الزينى أن تقوله هنا؟
إنها، وربما كان هذا حسن نية، تؤكد ما ذهب إليه الإخوان طوال تاريخهم الدموى ولا يزالون يفعلونه حتى الآن، فهم يصورون الأمر على أن النظام، أى نظام، لا يحاربهم ولكن يحارب الإسلام، لا يواجه مخططاتهم الإجرامية، ولكنه يحاول أن يقضى على الدين ذاته، وقد ربح الإخوان طويلًا من هذه المعادلة التى صاغوها بعناية، ولا أدرى سببًا لإعادة طرحها بهذه النعومة على لسان أبطال نهى الزينى الآن، وبعد أن اكتشف المصريون زيف الجماعة، إلا أنها تحاول جاهدة المساهمة فى بناء الصرح الذى تهدم.
الانتقاد الوحيد الذى يمكن أن تجده فى رواية نهى الزينى لجماعة الإخوان، ستلاقيه على لسان منتمين للجماعات الإسلامية الأخرى، وهؤلاء لا ينتقدون الجماعة رافضين لها، ولكن لأنها، كما يقولون، نبذت العنف أو أنها جماعة إصلاحية وتؤمن بسياسة الخطوة خطوة.
فعندما يقول إسماعيل لكارم الأناضولى عن الإخوان: إن هدفهم هو التغيير خطوة خطوة، ببناء الفرد المسلم ثم الأسرة المسلمة، ومنها تتكون أمة مسلمة تغير الواقع.
يرد عليه كارم بقوله: ومن الذى سيتركهم يكملون سياسة الخطوة خطوة، التى بدأوها منذ ما يقرب من نصف قرن؟.
هنا يتدخل وائل محمود فى الحديث، ويقول لرفيقيه: لا سبيل آخر للتغيير فى دول العالم الثالث المحكوم بديكتاتوريات عسكرية، ودعنا نعد ثانية إلى تجربة الإخوان، فماذا جنوا سوى المشانق والسجون والتعذيب؟ هل علينا أن نستمر فى تقديم خيرة الشباب المسلم لهؤلاء الوحوش الذين لا ترويهم إلا دماء المؤمنين.
لا أخفيكم سرًا، فقد أشفقت كثيرًا على نهى الزينى، فالمفروض أنها كراوٍ عليم تحرك أبطالها، تضع على ألسنتهم ما تريد، لا تجعلهم يسيطرون عليها أو يأخذونها فى طريقهم، لكن ما جرى أن نهى كانت أسيرة أبطالها، وأتخيل أنها كانت سعيدة عندما أخذوها فى طريقهم، الذى يبدو أنها كانت تريد أن يكون طريقها هى الأخرى، فمن يدرى؟.
***
لا تتوقف نهى الزينى، فى روايتها، عن إضفاء الأجواء الروحانية على كل ما يخص الإخوان، انصت فقط إلى ما قالته عما كان يراه صالح العقاد، القيادى الإخوانى، فى إسماعيل، تقول: أما الشيخ صالح فيرى فى إسماعيل امتدادًا لدعوة ولود يغيض ماؤها، وفرعًا غضًا نديًا فى بستان دعوة وقودها الشباب، كما كان يقول الإمام الشهيد، وكم أوصاهم- طيب الله ثراه- بالشباب، وهو إذ يحتضنهم ويتواصل معهم فإنما يمدهم ويستمد منهم القوة الحقيقية للإخوان: الامتداد.. الامتداد.
وعندما يجمع الحوار بين صالح العقاد وإسماعيل، ويتطرق إلى علاقة الإخوان بالسادات، تتكشف لنا سوءات الإخوان، لكن نهى الزينى تعتبرها فضيلة.
سأل إسماعيل: وهل يمكن أن يتم إصلاح نظام فاسد بنفس العناصر التى ساهمت فى إفساده؟.
يرد صالح: يمكن يا بنى إن صلحت النوايا، ولا تنس أن السادات نفسه عانى من المجرمين الذين أذاقونا الويل، وقد حاولوا الانقلاب عليه وتصفيته بعد شهور قليلة من توليه الحكم لولا عناية الله التى نصرته عليهم.
واصل صالح العقاد كلامه: وها هو يغلق السجون ويفتح للناس أبواب البحث عن لقمة العيش الشريفة، وأن يتنفسوا ويعبروا عن دواخلهم بعد سنوات الكبت الطويلة، وتكفى، شهادة له، المقالات الصحفية والكتب التى تروى أهوال السجون والمعتقلات والتى سمح بنشرها دون غضاضة.
يعرف الإخوان، كما تعرف نهى، أن ما نشره أعضاء الجماعة عن تعذيبهم كان كثير منه ملفقًا، لكنها هنا تشير أيضًا إلى أن السادات كان من سمح وساعد، وأعتقد أن فتحه الباب على مصراعيه أمام الإخوان جعلهم يواصلون التلفيق وينشرون الأكاذيب، وهم على قناعة بأنه لا أحد سيحاسبهم أو يراجعهم.
وعندما يسأل «إسماعيل» صالح العقاد مرة أخرى عن التعاون مع السادات، قائلًا: لكن ألا يعد هذا نوعًا من التحالف مع الشيطان كما يقولون؟.
يرد العقاد بقوله: لا يا بنى، وإنما هو التعامل مع الأمر الواقع دون إفراط أو تفريط، والإخوان لم يكونوا يومًا طلاب دنيا أو منافع شخصية، وإنما عملنا لوجه الله وخير الناس، وهناك فارق كبير بين التحالف مع شخص أو هيئة من الهيئات والعمل لحسابها، وبين التعاون بغرض الإصلاح.
أراك تشم من الكلام كشفًا كاملًا لبراجماتية الإخوان وعفنهم السياسى.. لكن نهى الزينى تحدثت عنهم وكأنها تنصت لنظريات سماوية ينطقها أصحابها المؤمنون المتقون الأطهار المتوضئون.
***
ما أثبته لك هنا غيض من فيض.. وأعتقد أنك لو حاولت قراءة الرواية، مجرد قراءة، فستلاقى الكثير من هذه العبارات والمواقف والغزل الصريح جدًا فى الجماعة، التى رسخ فى يقين الشعب المصرى الآن أنها جماعة إرهابية من مهدها إلى لحدها.
السؤال الذى أراه معلقًا على طرف لسانك الآن هو: ما الذى تريده نهى الزينى من هذه الرواية؟.
يمكن أن يتحفظ أى ناقد أدبى، ولو كان حتى مبتدئًا، على توصيف ما أنتجته نهى الزينى بأنه رواية- ورغم ذلك لا تتعجب إذا وجدتها حصلت بما كتبت على جائزة إقليمية أو عالمية، لأنها كتبت ما يريدون فى دوائر بعينها- لكننا سنسايرها هى وناشرها فى توصيفهم بأن «بلا وطن» رواية.
لن تخرج بشىء من الرواية، التى ادعت نهى الزينى أنها كتبتها لتوثيق أحداث ما جرى بين حرب أكتوبر وحتى اغتيال السادات، فالأحداث تفتقد سياقها العام، كل ما ستراه محاولة للحط من شأن هيكل واتهامه بكل الاتهامات الممكنة وغير الممكنة، محاصرة قادة ثورة يوليو بكل نقيصة، والنفخ فى نار الطائفية والتعصب.. مدح كامل لقيادات الإرهاب دون استثناء: صالح سرية، سالم رحال، شكرى مصطفى، يحيى هاشم، عصام القمرى... وغيرهم وغيرهم.
كل ما أرادته نهى فيما يبدو، وربما كان عقلها الباطن هو الذى يحركها إلى ما فعلت، أن تغسل سمعة جماعة إرهابية، تقول هى إنها لا تنتمى إليها، ونحن نصدقها فى ذلك، لكن ماذا نفعل يا سيادة المستشارة - وقد تعودت أن تقولى الحق - فيما قذفته فى وجوهنا من قصائد مدح فى الجماعة، وكأنك تقولين إننا جميعًا أخطأنا فى حقها.. فهل لك أن تعتذرى عما ارتكبته يداك من خطيئة.. أم ستأخذك العزة بالإثم؟.
الاختيار فى النهاية لك.